اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

اسألوا انتفاضة آذار عن موعد تحرير الموصل// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

اسألوا انتفاضة آذار عن موعد تحرير الموصل

صائب خليل

22 آذار 2017

 

في مثل هذه الأيام قبل 26 عاماً، كان العراق ينتفض على الدكتاتورية ويحاول ان يستلم مصيره بيده، لكن الأمور سارت بطريق غير ما كان يتمنى، وأبقت أميركا صدام حاكما على العراق، فلم يكن الوقت قد حان لتغييره. وهذه الحقيقة تعلمنا الكثير عن أميركا وتوقيتاتها فيما يتعلق بالعراق، وقد ترشدنا متى يتم تحرير الموصل.

 

بعد انتهاء "عاصفة الصحراء" باستسلام صدام حسين في خيمة صفوان، وخيانة بوش الأب للوعود التي قطعها للشعب العراقي بأن يقف معه في حالة ثورته على الدكتاتور، وتركه لهذا الشعب ليواجه مصيره الدموي وحده أمام الوحش الجريح، امتلأ الإعلام العالمي وحتى الأمريكي بالحديث عن "خطأ" جورج بوش الأب بترك صدام في مكانه، ولومه على انه "لم يكمل عمله" بإزاحة الطاغية كما كان يعد.

وفي وقتها اضطر بوش ان يخرج إلى الناس بتصريح بأننا لم نقل للشعب العراقي ان يثور، رغم التسجيلات المتوفرة التي تؤكد أن تلك كانت كذبة مباشرة وغبية. لكن بوش كان يعلم أن الغالبية من الشعب الأمريكي لن يدقق في هذا.

 

هل أخطأ بوش في هذا، أم انه كان قراراً متعمداً مدروساً، يوصف بـ "الخطأ" للتخلص من ذنبه الأخلاقي؟ وما الذي نستنتجه من ذلك فيما يتعلق بتعاملنا مع الولايات المتحدة اليوم؟

 

"فريد زكريا"، والذي كان وقتها مدير تحرير الشؤون الخارجية في مجلة نيوزويك، كان من الذين أسهموا بالكتابة حول الموضوع في اميركا، وربما كانت مقالته المعنونة "سافل بغداد" (The Villain of Baghdad)، أكثر المقالات التحليلية صراحة ووضوحاً، فقد كتب يقول:

"نعم هناك اغراء بالتخلص من صدام، لكن الحقيقة هي انه يخدم المصالح الامريكية"

ومضى شارحاً فكرته بالقول: "لولا القلق من صدام حسين، لنمت مشاعر العداء لأمريكا في الشوارع العربية".

ويمضي زكريا إلى القول: "لو ان صدام حسين لم يوجد، لكان علينا ان نخترعه. انه مسمار تثبيت السياسة الامريكية في الشرق الاوسط. لولاه لكانت واشنطن تتعثر اليوم في رمال الصحراء."

 

والحقيقة هي ان الأمريكان قد "اخترعوا" صدام بالفعل، في الماضي وأنهم "اعادوا اختراعه" بعد عاصفة الصحراء. فموقفهم لم يكن فقط موقف المتفرج الرافض للقيام بإزاحة صدام حسين، بل أنهم قاموا بثلاثة أفعال محددة في سبيل إعادة الحياة لهذا النظام الساقط بالفعل.

وكان الفعل الأول هو منع المنتفضين من الاستيلاء على أسلحة الجيش العراقي المهزوم. وأما الثاني فكان إدخال نص في اتفاقية خيمة صفوان يحدد بشكل مباشر السماح لصدام باستخدام الطائرات السمتية (دون غيرها) وهو ما يحتاجه بالضبط للقضاء على الانتفاضة. أما العمل الثالث فهو تجهيزه بالوقود ليقوم بمجزرته على الشعب العراقي، فقد كان وقود الطائرات والآليات قد نفد منذ وقت طويل.

يكتب فريد زكريا أيضاً: "ان الشرق الاوسط بوجود صدام مقلم الأظافر، لكن القادر على التهديد، يساعد على تأمين مصالح اميركا"، مؤكداً "ان ادامة تواجد امريكي طويل الامد في الخليج امر صعب في غياب تهديد محلي".

 

ويمكن لهذا التحليل ان يوضح لنا بعض ما يبدو من "غرائب" و "أخطاء" في السياسة الأمريكية مع العراق، ليس فقط فيما يتعلق بداعش، بل بكل شيء. فالهدف من عاصفة الصحراء لم يكن إزاحة صدام وتحرير الشعب العراقي كما ذكر بوش، ولا كان أيضاً تحرير الشعب الكويتي منه، بل تحطيم العراق اولاً، ووضع الكويت تحت الوصاية الأمريكية شبه المباشرة والاستيلاء على مبالغ طائلة من ثرواته تم سد عجز هائل في المدفوعات الأمريكية، حيث كانت بلدية نيويورك مثلا على وشك ان تعلن افلاسها!

 

مع ذلك، لماذا لم تطرد اميركا صدام إذن وتحقق وعودها وتكسب مصداقية كبيرة؟ لأن ذلك يتعارض مع استراتيجيتها الأساسية ومع خططها للمنطقة! وخططها تحطيم المنطقة وسحب كل ما يمكن من أموال منها، وتنصيب عملائها على رأس السلطة فيها. فلو انهم ازاحوا صدام في عام 91 فمن المحتمل ان يأتي الشعب برئيس وطني وربما منتخب، وربما تتحقق ديمقراطية حقيقية ورفاه حقيقي ويصبح العراق دولة حقيقية تتمثل فيها مصالح شعبها ويحس شعبها فيها بالكرامة! وتلك هي الكارثة وهذا هو الكابوس الأعظم الذي يمكن ان يصيب إسرائيل التي تتبع اميركا اجندتها في المنطقة.

لذلك فهم لم يزيلوا صدام حتى تمكنوا من تهيئة الحملة اللازمة لتحقيق احتلال كامل للعراق يتيح لهم أن يضعوا على رأس السلطة، السفلة الذين يضمنون تحقيق أهدافهم في تدميره، وليس قبل ذلك!

 

واليوم إذا نظرنا إلى واقع الأهداف الأمريكية الحالية، سنجد ذات المؤشرات تماما: ليس هدف اميركا القضاء على داعش (لا يمكن لداعش ان تتواجد أصلا لولا الدعم التام لها من قبل اميركا)، وليس هدفها "تحرير الموصل" واعادتها لأهلها وللعراق، وإنما هدفها الاستيلاء عليها قبل ان يحررها العراقيون، وتسليمها إلى عملائها، المكلفين بتجزئتها والسعي لفصلها عن العراق وربما تسليم بعض اجزائها إلى كردستان. فكردستان امتداد لإسرائيل، وتتصرف بتوجيه منها وبنفس اساليبها بالضبط. والعبادي تام الاستسلام لإرادة كردستان وبالتالي لإرادة إسرائيل، فلا يعترض على اية أراض يتم احتلالها او قرى يتم تدميرها، بل انه يفاخر في واشنطن بأنه على اتفاق تام معها!

 

متى إذن سيتم تحرير الموصل؟

في 1820، هاجم الجيش الأمريكي كوبا، بدعوى "تحريرها" من الاحتلال الاسباني، وكانت كوبا حينها في حالة ثورة على محتليها. وقد وصف الكاتب الأمريكي البروفسور جومسكي ذلك الهجوم بأنه "لم يكن لتحرير كوبا، بل لمنعها من ان تحرر نفسها!"

وقد منعوا الشعب العراقي بالفعل من ان يحرر نفسه، ليس في عام 91 فقط، بل في مناسبات عديدة أخرى، وتعاونوا مع صدام مرات عديدة لكشف وقمع أية محاولة للشعب للتخلص منه. فيجب ان يبقى الشعب في قيوده، حتى يجهزوا له القيد الأكثر شدة وصلابة!

إن عدم إدراك هذه الحقيقة عن الأهداف الأميركية قد كلف العديدين حياتهم، ومنهم الدكتور راجي التكريتي ورفاقه. فهؤلاء صدقوا رغبة اميركا في اسقاط صدام وإقامة حكم ديمقراطي، فاتصلوا بهم طالبين العون. لكن هؤلاء لم يكونوا في ظرف يتيح لهم القبض على العراق حينها، فما كان منهم إلا ان اوصلوا الخبر الى صدام، الذي انتقم من المتآمرين اشد انتقام.

 

ومثلها انتقم من المنتفضين الذين توهموا أيضا نفس الوهم من أميركا، اشد انتقام! واليوم يبدو أن ما يحدث في العراق ليس سوى تكرار لهذه السياسة واستمرار لها: لا تحرير إلا بعد تهيئة القيد الأشد!

 

فعلى التوازي من معركة الموصل، تجري “معركة تفاهم” في إسطنبول للذيول التي تسمى بـ "ممثلي السنة"، والذين تأمل أميركا منهم ان يكونوا “الداعش السياسي” لاستلام الموصل بعد إزاحة "الداعش الإرهابي". والمشكلة التي يبدو ان الأمريكان يعانون منها، وتؤخر مشروعهم، هي رفض الشارع السني لهذه الحثالات المعروفة بارتباطها الأمريكي وخيانتها لشعبها. ويدرك الأمريكان ان عليهم أن يرتبوا الساحة جيداً قبل "تحرير" الموصل، ليكون ساستها جاهزين لاستلام مهمتهم. وإلا فإن الموصل قد تتحرر وتسلم لأهلها وهي الكارثة الكبرى بالنسبة للسياسة الأمريكية في العراق، والمتماهية مع الأهداف الإسرائيلية.

 

في مقالته تلك، كتب فريد زكريا: "تخيلوا مصير السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، بدون صدام حسين وحركاته".

ويمكننا ان نقول اليوم: "تخيلوا مصير السياسة الأمريكية في العراق، بدون داعش وإرهابها"! كيف سيسوق العبادي ويبرر تواجد القوات الأمريكية في العراق، دع عنك الزيادات التي ينوي ترمب ارسالها إلى البلد الذي يكره شعبها اميركا اشد الكره كما تثبت الإحصائيات المتتالية؟

 

 

فمثلما "ان ادامة تواجد امريكي طويل الامد في الخليج امر صعب في غياب تهديد محلي"، فأن "ادامة تواجد امريكي طويل الامد في العراق امر صعب في غياب تهديد داعشي!".

 بل أن الأمريكان سيجدون صعوبة في الاحتفاظ بالعبادي او من كان على شاكلته على قمة السلطة بدون تواجدهم وبدون اشغال الناس بداعش عن النهب لثروتها والتدمير الذي يقوم به ذيولها. فلا ننسى أن العبادي هو الرئيس الذي تم فرضه من قبل الأمريكان وكردستان، وجاء مرفقا بتهديد امريكي صريح للعراقيين بتركهم فريسة لداعش إن لم يقبلوا به!

 

لأجل ذلك كله، فالأمريكان، مثلما حرصوا على ان لا يتم تحرير العراق من الدكتاتورية والتخلص من صدام قبل تهيئة البديل الأفضل بالنسبة لهم، يحرصون اليوم ألا يتم تحرير الموصل من الإرهاب والتخلص من داعش، قبل تهيئة الكادر الذي يرتبونه في تركيا، ليستلم المحافظة وربما المناطق السنية عموماً.. وعندما يتم ذلك ويتفقون على كل شيء، عندها فقط سوف يطلق نفير "تحرير" الموصل النهائي، لتنتقل إلى حضنها الجديد وليعلن معتمدهم نفسه بطلا "للتحرير" ويكسب الزخم الشعبي والإعلامي اللازم لتمرير الكارثة التالية من مؤامرة تحطيم البلاد!

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.