اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (6) - لاهوت الحب وفقهه// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

لقراءة مواضيع اخرى للكاتب, اضغط هنا

ثرثرة في الحب (6) - لاهوت الحب وفقهه

دردشات فكرية للتأمل

د. سمير محمد أيوب

 

كانت تلميذتي ألأرملة العراقية ، قبل ان نغادر بيت صديقي الجراح ، قد دعتنا الى عصرونية في دارتها الريفية.

 

عصر الأمس رافقت الجراح وزوجته. في سيارتهم الفارهة، سلكنا من وادي السير، نزولا في طرق متعرجة، بين جبال أخاذة، وأودية تعج بعذب المياه. الى أن وصلنا دارة مضيفتنا في وادي الشتا. جُنَّةٌ من اشجار حرجية، وأخرى مثمرة.

 

بكل المعايير، بهاء مضيفتنا وهي تنتظرنا على البوابة الخارجية لدارتها، كان أجملَ مما يُنسى. ماجدة عراقية بعطر الجوري الدمشقي المميز. نخلة باسقة بعباءةٍ سوداء موشاة بالقصب. وجه مستدير ببياض الصبح غير مُمَكيَجٍ. ينيره بريقُ عينين فَرِحتين. يزينه شفتان مرحبتان. يكلله شعر طبيعي غجري كحالك الليل. 

 

بعد دفء اللقاء على بوابة الدارة، رافقتنا سيدة البيت، إلى ركن في الحديقة الآمامية، إطلالته خلابة على البحر الميت وقباب القدس. بعد أن قدمتنا لمن سبقنا من ضيوفها: شاعر سوداني وزوجته، حرصت وهي تنتقي لنا مقاعدنا، على أن تكون وجوهنا في إتجاه فلسطين والبحر الميت. ثم أضافت بفرح بَيِّنٍ: ستلفكم، باقات من نسائم نقية، متسللة من حيفا والأقصى، ومتدفقة من جبال السلط ومأدبا، ومن بادية الوسط في الأردن.

 

قلت فرحا، ما رأيكم في أن تكون بسملة هذه الأمسية، ترحما على من جعل هذا المكان الجميل، بصمة عصية على التجاهل. عرار شاعر الأردن الأشهر. فهو أول من تغنى بجماله ، قال متمنيا فيه: ليت الوقوف بوادي السير إِجباري، وليت جارك يا وادي الشتا جاري.

 

بعد تقديم اكواب الليمون بالنعناع، أخذت مضيفتنا مجلسها قبالتي. وقالت وهي ترفع كأس الليمون إلى فمها: أنكمل قبل العشاء ثرثرتنا في الحب؟ نعم بعضنا جاءت تمتمة فرحة. ونعم بعضنا الآخر كانت غمزا مبتسما. أما نعمي أنا فكانت هيا.

 

فقالت مضيفتنا بشيء من الجدية، قبل أن ترتشف شيئا من عصير الليمون: يا شيخنا، يلحظ المتبصر في الحكاوى المعاصرة للحب، أنها مثقلة بمفاهيم لاهوتية معلمَنَة. تَرى في الحب عصا غليظة للتدخل السريع، في كلّ مكان وكل وقت وكل شيء. ظنا منهم أنه إله. قادرعلى فعل كل شيء، وتغيير كل شيء.

 

ضحكتُ مُضيفا: ولكنهم ، يتناسون يا سيدتي، أن الإله رؤوف رحيم. يثبت بغفرانه وعفوه، تفوّقه في كل لحظة على قوانينه.

 

سألت الطبيبة: ولكن ما جوهر الحب يا شيخنا؟

قلت مسارعا: مشاعر إستثنائية بإمتياز. يحس بها إثنان. يتعرفان عن قرب عليها، لتقرير الإجراءات التي تؤصلها وتنميها، أو تقضي عليها، حفاظا على العادي بينهما. الحب يا سيدتي، حاجة فطرية ممعنة في الأزل, وضرورة إجتماعية ممتدة إلى الأبد. للحاجة وللضرورة، ظلال معاصرة مثقلة بنكهات العصور الوسطى. إشكالياتها متوالدة، متشابكة ومثيرة للجدل. عقدها أكثر من عقد الهندسة والقانون والفلسفة والعلوم السلوكية. وأعقد من الأساطير واللاهوت والفقه. تأثيراتها في المشترك، تبقيها شاغلة لكل الناس.

 

سألت الشاعرة السودانية بإهتمام: من المُقَرِّرُ هنا؟

قلت: طرفا العلاقة هما من يقرران معا، الفعلي والموهوم من مشاعر. وعلى قاعدة هذا التمييز وفي أطره، لا يحتكر أحدهما هذا التقرير، وإن ظن أنه ينتمي إليه. وبذلك لا يعود من الممكن تعريف الحب، على أساس خصوصيات الفرد. بل تُحدَّدُ تلك الخصوصيات وتُفْهَمُ، على أساس المشترك الذي يكمن الحب فيه. المشترك كتدابير وقائية يقلم ويهذب الفردانية، ويرسيخ الشروط التي تمكنها من الإنسياب بسلاسة، دون أن يتعرّض المشترك ذاته للخطر.

 

سأل صديقي الجراح : ألا يمكن ازالة الخصوصيات أو ضبطها؟

قلت: يحاول البعض، الإدعاء بأن لخصوصية الحب كنشاط ثنائي نوعي، قدرة على إنهاء مبرم لكل خلاف، قد ينجم عن التنوع بين طرفيه. ولكني لمصلحة المشترك، بخلاف الممعنين بالرومانسية، اقول أن الحب ليس كافرا بالخصوصية. صحيح ان المهمات التنظيمية للحب، مزيلة أو مخففة للتعارضات الفوضوية من حوله، ولكنها ليس ممرا إجباريا لمطابقات بلا مشاكل. المشترك ليس مستبدا. لأنّه إن نَمَا وتطور وِفق المشترك، يعطي طرفيه مزايا ديمقراطية ناضجة، ويجعل الصراع المتدني متعذرا بينهما.

 

سألت مضيفتنا بإهتمام واضح : كيف ؟

قلت: الحب ليس نظير العقل، ولا وليد رعشة الخشوع في القلب. المشترك يبقيه مختلفا تماما. بمواصلة الربط بين الفردانية والمشاركة الإيجابية النشطه، يرتقي الحب مكتسبا قدرة على مواجهة فقه الخصوصية. والإبتعادعن الهبوط الى حضيض النمطية.

 

دون أن ننسى، بأن الحب لا يعيش في فراغات مجتمعية. بل في حواضن مستبدة، لها هرطقات يبحر في لججها، متحصنا بما يملك من معرفة و مهارات كثيرة.

 

سأل الشاعر السوداني، كيف يتم تحييد الإختلافات والتفاوتات الفردية بين الشركاء؟

قلت وانا انقل عيني بين الجميع: بعدم شخصنتها. فبدلا من ان تكون معيارا للتنافس بين الذوات، فليتم توظيفها كملكات تتعاون وتتكامل لتكثير وانماء كل مشترك. مثل هذا الكثير او الإنماء لا يحدث عادة، بتطابق ممل ولا بإلغاء مخل للإختلاف. ولا بالتبشير لفردانية فجة او لقدوة نمطية مراهقة احادية البعد. ولا بتحويل المشاعر المشتركة الى شرطة وعسس ومحققين. بل بمراجعات متفهمة متعاونة، وتجديد مطور محرر، فاعل في التغيير من اجل عالم جديد مختلف.

 

وقبل ان أكمل جاء من يخبرنا ان العشاء بات على المائدة بانتظارنا. فلبينا دعوة مضيفتنا، على ان نكمل الثرثرة بعد العشاء.

 

الاردن – 1/8/2018

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.