اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثَرثرةٌ في الحب: الثرثرة رقم 30- صكُّ إعتراف// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثَرثرةٌ في الحب: الثرثرة رقم 30- صكُّ إعتراف

الدكتور سمير محمد أيوب

 

أحبَّتْ. إعْتَقَلَتْها عصبةٌ من صمتِ الوقار، وكبرياءِ الحياء،  ووساوسِ الخَنَّاس. أصاغَت سمعَها لموجِ بحرٍ، ألقى في حضنها مَحارةً مُتعبة. هامَسَتها مُراوِغَةً: في الحب، عِلمُ اليقينِ عِلمي. أدركُ أنَّ المشاعرَ الحميمة، كَكُلِّ آياتِ الكون ونواميسِه، سؤالٌ مُحتشدٌ بعديدِ الإجابات. وأعلم أنَّكَ وسطَ  رياضٍ منَ نِساء. ولكني، أظن أنَّني الأكثر بينهن. وكما تَعلَم، ليس كلُّ ظنٍّ إثما. وأنا أجوسُ في معارج دهشةِ الطفل في عينيك، دعكَ من وقار السنين.  قبل أن تُقدِّمَ أوراقَ اعتمادك، قُلْ لي كيف ترى النساء على العموم؟

 

تَمْتَمْتُ وأنا أفتعلُ جِديَّةً تليق بالموقف: بعضهن كالعطر المُقلَّدِ، عَبَقٌ فوَّاحٌ ، لكنه مؤقت. وبعضهن كالوشمِ البلدي، لا يتلاشى ولا يتبدد. ولا يُزال إلا بعملية قيصرية.

 

 قالت مُتعجلةً: أُحسُّ أنَّ كَوْناً بات يجمعنا. إقترب أكثرَ. قُلْ وأرِحْني: لِمَ بالتحديدِ أنا؟ لِذاتي أم لِصفاتي؟ إبتَسَمَتْ كثيرا وهي تُكملُ حصارَها المُتخابِث: أيَّها؟ وكلُّ ما وُهِبْتُ وما مَلَكتُ جميلٌ، يستحق منك قولا بَيِّنا. يَجُبُّ ما قَبْلَهُ، وبَعدَه لا يُقالُ شيءٌ.

 

حدَّقتُ في عينيها مُتَعجبا. فسارَعَت مُعاتبةً: لِمَ العَجَب؟! وأنت تدري موقِعَكَ عندي، أوليسَ مِنْ حقيَ أنْ أعلمَ عِندكَ مَوقِعي. وأكْمَلَتْ مُحذِّرَةً: قُلْ وبِلا تتأتأة، ولا تُحاول تشتيتَ وميضَ عينيك. 

 

‏قلتُ مُسْتَسلِما: أجملُ الأشياء يا سيدتي، لا تأتيَ إلاَّ صُدفةً. ولا تأتيَ من فراغٍ أو من عَدَم. الصدفُ وحدها يا دهقونة، لم تعد تكفي لإخراج جُنونٍ مُشاغِبٍ من قمقمه. سأجيبك وأنا أدرك، أنْ لا حُدوداً تَفصلُ الذاتَ عن الصفات. ووفق ما أعلمُ من فِقْهِ المشاعر: أنتِ سيدةٌ مُشبعةٌ بالكثيرِ مِمَّا تَمنيت. تعرفينَ الكثير من أبواب الأجمل في الحياة. وتُحسنين إستعمال المفاتيح.

 

كُنتُ حينَ أقْبَلتِ، أتراجعُ بالتقسيط. أمْضغ دونَ إفراطٍ، سقوطاً رماديا لا يتلوه إنكسار. أتَلَمَّسُ بالتفكُّرِ والتدبُّرِ، طُرُقاً إلى ذاتي. كلُّ مَلَكاتي في الإدراك آنذاك، كانت تشي وقد أنضجَها حُزنٌ شقيٌّ، بأني لم أعُدْ صالحا للحب. كنتُ بالفطنة والنباهة والحدَس، أبحثُ عنِ إمراةٍ أعيشها.

 

ولحُسنِ حظي حصل ما كان في الحسبان، لَمْ تأتِ دفعةً واحدة. بِنَهَمٍ إمْتَصَصْتُ حُضورَك. حتى تقلص قلقي. تمرد ترددي. وتمدد قلبي إلى مبلغِ ظنوني، وجاوزَها. وهناك، فوجِئتُ بقدرةِ عينيك على البوح. وقُدرتي على الإحتمال. وقلة حيلتي على التصرف. إسْتَسلَمَتْ مَشاعري. إنهمر القلبُ، وخرجَ لساني عن شيء من صمته.

 

وأضفتُ بنبرةٍ لا تخلو من تبريرٍ ساذَجٍ: لا تَعْجَبي  يا سيدتي، فالحب إنْ سَكَن، يَعْبُرُ الأسبابَ وأزمانَها ومحاذيرَها. إنَّه في العادة  كياسمين الأرض، بلا حدود. تماما كقَطْرِ الندى في السماء.

 

أضفتُ مُتابعا: لمْ أعُدْ يافعا تسوقُه  ظواهرُ التضاريس. بلْ ناضجا وأكثر. تشدُّه حِوارِيَّات القلب. تقودُه حَوارِي العقل. وتؤطرُ مقارباته، منظوماتُ قِيَمٍ تضبط ما يرشح من مشاعر. كانت هناك سبل كثيرة توصلني اليك. لأثريَ إحتياجاتي، إنتقيتُ العسيرَ مِنْ غيطانك، لا التائهَ مِنْ ما يُميزك.

 

قالت متأففةً : أيُّها المُتَهرب ، لِمَ الآن إذن؟

 

قلت ممازحا: العمرُ غفلةٌ يا إمرأة. لا يتَّسعُ كثيرا لِغدٍ مُتكاسِلٍ. ولا مجالَ فيه لتكاذبِ العدَّادات. وعلى رأيِ إبن الخيَّام: إغْنَمْ منَ الحاضرِ لذَّاتِه، فليس من طبع الليالي الأمان . فمعَ كلِّ ومضةِ عينٍ، وإرتجافة شفة، يغفو شيءٌ في الجسد.

 

لأطْمَئنَّ على وقعِ بَوْحي، يَمَّمْتُ عَيْنَيَّ مُدقِّقا في عينيها التي لا تُطيقُ الزحام. تحاصر في أعماقهما طفلا خصبَ النظرات. أظن والعلم عند الله، أنَّ الكثيرَ من  تلك النظرات، لم يكن ميراثا ولا تركة. ولم تكن بحاجة إلى قول على قول.

 

شَعرْتُ حينَها، كمَنْ ظُهرَ يومٍ قائظ، لامست شَفتاهُ اوَّلَ رشفةِ ماء. فقلتُ مأخوذا: كأوَّلِ الحب أنتِ.

 

فلامَسَت أطرافُ أصابعها أصابعي ، وعيناها توقِّعُ صكَّ الإعتراف.

 

الاردن – 3/5/2019 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.