اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بعد ١٠٦ أعوام على ثورة أكتوبر الإشتراكية!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

بعد ١٠٦ أعوام على ثورة أكتوبر الإشتراكية!

د. ادم عربي

 

على مدى عقود، حاول المفكرون السياسيون والاقتصاديون من مختلف التوجهات الفكرية اقتراح إجراءات وبرامج اقتصادية لمعالجة ظاهرة الفقر في المجتمع. يهدفون إلى تخفيف المعاناة الاجتماعية والصحية التي تنجم عن هذه الظاهرة، على أمل تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.

 

تم تبني سياسات ضريبية بهدف استهداف ذوي الدخول العالية في المجتمع، حيث يتم تحويل جزء من عوائدهم نحو دعم العاطلين عن العمل وذوي المداخيل المتدنية من خلال مساعدات مالية مضمونة أو خدمات اجتماعية مباشرة. ومع ذلك، لا تزال هذه المساعدات غير كافية للقضاء على الفقر وتقليل انقسام المجتمع بين الأغنياء والفقراء ،فئة اجتماعية بالغة الثراء وطبقة واسعة من الناس معدمة محرومة من اشباع الكثير من حاجاتها الضرورية ، فلا يزال هناك فئة واسعة جداً تعاني من حاجات أساسية غير مُلبَّاة، مما يُظهر نقص العدالة الاجتماعية أو مصطلح العدالة الاجتماعية .

 

في ظل وجود الملكية الخاصة غير المحدودة لوسائل الإنتاج، يصبح مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يهدف إلى توزيع شبه متساوٍ للدخل والثروة بين المواطنين أمرًا غير ممكن. حيث يظل حق الملكية وحرية النشاط الاقتصادي مضمونين وفق دستور الدولة، دون تحديد سقف يضمن الحد من  تعظيم دخل الفرد . هذا في حين أن طبقة واسعة من المجتمع لا تملك شيئًا سوى قوة عملها.

 

بالنظر إلى توزيع العادل للثروة، يظل الحديث عنه لا معنى وغير قابل للتحقق إذا لم يتم التصدي لجذور الظاهرة. يرتبط مفهوم العدالة الاجتماعية بشكل عضوي بالنظام الرأسمالي، حيث يُسمح لطبقة ملاكي وسائل الإنتاج بالسعي لتحقيق أقصى الأرباح من خلال استحواذهم على فائض قوة العمل، والذي يتحول في سياق عملية الإنتاج إلى رأسمال .

أصحاب العمل الذين يشترون قوة عمل العمال الذين يعملون لديهم يحاولون تخفيض أجورهم إلى أدنى مستوى ممكن للاستحواذ على أعلى حصة من القيمة المضافة وزيادة أرباحهم. لقد ابتكرت الدول الرأسمالية نظام التكافل الاجتماعي (الذي يتم تمويله من خلال استقطاعات ضريبية على رجال الأعمال وبقية العاملين، ومن موارد النشاطات الاقتصادية التابعة للحكومة) لضمان دخل شهري لغير العاملين يكفل لهم شبه حياة آدمية.

 

لم يكن قبل ظهور النظرية الاشتراكية أن يدرك العمال وأحزابهم مصدر ثروة أرباب العمل وأسباب فقرهم وجوعهم، اكتشفوا أن أجور عملهم، التي يستلمونها مقابل يوم عمل مضني وطويل، ليست سوى جزء من قيمة قوتهم العاملة التي تم بيعها لأصحاب الأعمال، أما الجزء الآخر غير المدفوع من قيمة قوت عملهم، فقد احتفظ به أرباب العمل لتراكم رؤوس أموالهم، حتى أصبحوا من كبار رؤوس الأموال .

 

في جزء من وقت العمل، يقوم العمال بإنتاج قيمة سلعية تُستخدم لتلبية حاجاتهم واحتياجات عائلاتهم، ويُعبر عن هذه القيمة بالأجر اليومي الذي يستلمونه، أما في الجزء الآخر من يوم العمل، يقومون بأعمال غير مدفوعة الأجر ومجانية ،  يستولي عليها الرأسمالي وهي سر ثروته .

 

الجزء غير المدفوع من قيمة العمل يُطلق عليه كارل ماركس اسم فائض القيمة أو العمل المتراكم ، يُعد هذا الفائض هدفًا يسعى إليه أرباب العمل، حيث يستثمرونه لتضاعف رؤوس أموالهم ، وبفضل هذا الاستثمار، ينتقلون من فئة اجتماعية إلى أخرى أكثر ثراءً ، ينقسم المجتمع الرأسمالي إلى طبقات متدرجة على شكل هرم، حيث تشكل الطبقة العاملة قاعدة الهرم وهي الأدنى في سلم الدخول وحيازة الثروة ، بينما تتربع طبقة الأثرياء في القمة، وتنقسم هذه الأخيرة بدورها إلى فئات مختلفة، تشمل فئة أصحاب البلايين في قمتها ، فلو تعذر على أرباب العمل تحقيق فائض القيمة التي تكمن فيها أرباحهم لما استثمروا رؤوس أموالهم في النشاطات الاقتصادية هذه ولسرحوا جميع العمال من أعمالهم.

 

الاقتصاد الرأسمالي يتعرض بشكل متكرر لحالات الركود والانتعاش لأسباب كثيرة، ومن أهم هذه الأسباب اختلاف قرارات أصحاب العمل حيث يسود في الاقتصاد الرأسمالي مبدأ حرية نشاط المشروع الخاص، في نفس الوقت تمتنع الدولة عن التدخل في قرارات أرباب العمل، طالما أن هذه القرارات لا تخالف القوانين والقرارات المنظمة للحياة الاقتصادية، تختلف مبررات التدخل من دولة لأخرى ومن ظرف لآخر، فعبر الزمن اختلف دور الدولة في الحياة الاقتصادية، حيث زاد دورها في بداية الثورة الصناعية، حيث كان لها قطاعها العام في المجالات الصناعية والخدمية والمصرفية ، ولكن هذا الدور بدأ في التقلص تدريجيًا مع التقدم التكنولوجي وتطور المشروعات الاقتصادية الخاصة، واتساع قواعدها وتكامل عملياتها الإنتاجية.

وقد اختلفت النظريات الاقتصادية في نظرتها أو تفسيرها لمبدأ تدخل الدولة فبعضها يجيز للدولة التدخل لانقاذ المشروع الاقتصادي الخاص عند تعرضه للمصاعب المالية والتجارية في حين تجيز أخرى للدولة قيامها بنشاطات اقتصادية لتشغيل القوى العاملة العاطلة وبتشجيع المشروعات الخاصة الصغيرة ودعمها ماليا بتخفيف الاعباء الضريبية عنها. كما ذهب بعض الاقتصاديين الى مدى أبعد فاجاز للدولة القيام بالنشاط الانتاجي صناعيا كان أو زراعيا في المجالات التي لا ينجذب لها المشروع الخاص اما لضخامة التكاليف الثابته ( البنية التحتية والمتطلبات التكنولوجية والالات الانتاجية ) أو لانخفاض هامش الربح فيها.

 

النظام الاشتراكي هو نموذج اقتصادي مهم ينظر إليه بإعتباره وسيلة للقضاء على عدم المساواة في حيازة الدخل والثروة ، يستند هذا النظام إلى حصر ملكية وسائل الإنتاج في دولة العمال والكادحين، حيث تقوم مؤسساتها الاقتصادية بالاستثمار مباشرة في الموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة، حيث نجحت الحكومات الاشتراكية في دول المعسكر السابقة في معالجة ظاهرة البطالة، حيث استطاعت بنجاح استئصال أسباب الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن هذا لا يعني تساوي أجور العمل ، فلكل مهنة متطلباتها الفنية والعلمية وعند حساب الكفاءة والخبرة السابقة ومخاطر العمل التي يتعرض لها العمال في ظروف الأخطار البيئية فان مستوى أجورهم يكون أعلى بالضرورة.

 

بعد القضاء على نظام الاستغلال الطبقي الذي ارتبط بالمشروع الرأسمالي، يصبح فائض القيمة مصدر ثراء للرأسماليين وتكديس الثروات بأيديهم يصبح من حق العمال أنفسهم أن يستفيدوا من هذا الفائض من خلال زيادة أجورهم وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية والبيئية التي تؤثر في حياتهم وحياة عائلاتهم، مع تقدم التطبيقات الاشتراكية في البلاد، من خلال التصنيع الواسع وإصلاح الزراعة وتطوير البنية التحتية، ستنضم نسبة متزايدة من قوى العمل الجديدة تدريجيًا إلى قوى العاملة بفضل التخطيط الاقتصادي والتقدم المحرز، لكن هذا لن يحدث بسرعة، بل سيستغرق وقتًا وجهودًا مثابرة على مختلف المستويات يجب تطوير فروع إنتاجية جديدة في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، سواء كان ذلك لإنتاج سلع بديلة للاستيراد أو لزيادة إنتاج سلع جديدة للاستهلاك المحلي أو حتى للتصدير، هذه المبادرات ستساهم في استيعاب أعداد جديدة من قوى العمل وتحقيق استخدام كامل لهذه القوى.

 

كانت الاشتراكية تمثل تجربةً أولى في التاريخ، وفي روسيا خاصةً، حيث واجهت ظروفًا بالغة الصعوبة، فلو كان كارل ماركس على قيد الحياة في تلك الفترة، لما نصح بإعلانها، فروسيا لم تكن دولةً رأسماليةً صناعيةً كاملةً التطور، ولا دولةً زراعيةً حديثةً، بل كان اقتصادها متخلفًا في المجالين، وكان ذلك ينعكس على العلاقات الاجتماعية والمستويات العلمية والثقافية والتكنولوجية ، إلّا أنها كانت متقدمة على غيرها من الدول الصناعية  بالوعي الطبقي والوطني،كل ما استخدمته السلطة الروسية من إجراءات ونظم إدارية ووسائل مالية ونقدية لتطبيق مفهومها للنظرية الاشتراكية كان ابتكارًا، فالطريق الذي اختارته الدولة الجديدة لم يكن مألوفًا من قبل؛ حيث شقت طريقها باعتماد على وعي القيادة الاشتراكية، وخصوصًا رئيسها فلاديمير لينين.

يعتبر فلاديمير لينين أول مفكر ماركسي يطرح تفسيره لمنظور الماركسيين الأوائل حول الاشتراكية في بلد غير متطور اقتصاديا ويشرع في تطبيقاته لها على واقع الاقتصاد والمجتمع الروسي، وبرغم عمق ثقافة الرجل واطلاعه الواسع وقدراته الفذة في الاقناع والقيادة والحوار والنقد تعرضت خططه لتطبيق الاشتراكية للمصاعب فلم يتردد في التراجع عنها حماية للمشروع الاشتراكي الذي أصر على انجاحه. التجربة الاشتراكية الروسية انتقلت منذ ايامها الأولى من محيطها وواقعها الجغرافي الى العالمية فاصبحت موضع اهتمام أمم كثيرة في القارات الخمسة وبصورة خاصة الكادحين فيها الذين توجهوا نحوها بكونها القوة الروحية التي حركت فيهم الرغبة للسير على طريقها. لقد رتبت تلك القوة الروحية العارمة مسئولية جديدة على الدولة الاشتراكية الأولى في التاريخ فكان عليها أن تثبت عمليا انها قادرة وليس فقط عازمة على تحويل تلك الوعود الى منجزات مادية تجد تعبيرها في ارتفاع المستوى المعيشي المادي والروحي للطبقة العاملة والشعب الروسي وهي المهمات التي وضعتها الاشتراكية موضوع الاهتمام.

 

وإذا اعتبرنا طريق الاشتراكية هو البرنامج الذي ستضطلع به السلطة الجديدة، فلم تكن تفاصيله واضحة حتى لقادة الثورة ذاتهم. حتى لينين لم يستطع التأكيد على مدى نجاح سلطة البلاشفة على أرض الواقع، وفقًا للنظرية الماركسية التي لم يتحدث صاحبها (كارل ماركس) إلا قليلًا عن الخطوات العملية التي يجب أن تتخذها سلطة البروليتاريا عندما تستلم الحكم. كتب ماركس بشكل مكثف عن التراكم الرأسمالي وقيمة العمل والبضائع، والفائض من قيمة العمل وأرباح رأس المال. كما تناول بشكل كبير الصراعات الطبقية التي ستخوضها طبقة العاملين ضد أرباب العمل، لكنه لم يكن على علم بقواه التدميرية والأشكال التي سيتخذها لاستعادة البرجوازية والرجعية لسلطتها ومصالحها المفقودة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.