اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بعد مرور ١٠٦ اعوام على ثورة اكتوبر الاشتراكية- ج2// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

بعد مرور ١٠٦ اعوام على ثورة اكتوبر الاشتراكية/ الجزء الثاني

د. ادم عربي

 

التجربة الاشتراكية الروسية التي بدأت بعد ثورة الخامس والعشرين من أوكتوبر 1917 التي يحتفل الشيوعيون والتقدميون والعمال في العالم هذا العام بذكراها ،  واجهت هذه التجربة تحديات كثيرة وخطيرة داخلية وخارجية. في الداخل، شكلت العلاقات الزراعية المرتبطة تاريخيًا بالملكية الخاصة للأرض الزراعية تحديًا للسلطة البلشفية. في البداية، حاولت السلطة وضع أسس للملكية الزراعية الجماعية للأرض، لكنها اكتشفت أن الوقت ما زال مبكرًا وأنه يجب التراجع خطوتين للوراء.

 

 

تم التراجع والقبول بالواقع السائد، مع تنفيذ تغييرات قانونية وتنظيمية مؤقتة. كان هذا ضروريًا حتى نضوج الظروف الاقتصادية والاجتماعية المناسبة لبدء بناء الاقتصاد الزراعي على أسس اشتراكية. وحتى ذلك الحين، لم يكن هذا ممكنًا دون دفع ثمن باهظ. يُمكن أن نقول نفس الشيء عن ردود الفعل التخريبية للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة على التطبيقات الاشتراكية. فقد قاموا بأداء دور رجعي وتخريبي، عائقًا أمام تلك التطبيقات من خدمة مصالحهم الانانية. في ليلة وضحاها، تحولوا إلى طابور خامس يخدم مصالح الدول الإمبريالية. وعادوا روسيا إلى الاشتراكية كأول دولة للعمال والفلاحين والجنود في التاريخ.

 

لقد أخبرنا كارل ماركس في كتاباته المبكرة ان الاشتراكية هي فترة قصيرة انتقالية بين الرأسمالية والشيوعية ولم يشر الى زمن تقريبي تستغرقه تلك الفترة القصيرة ،  ، لم يحدد زمنًا محددًا لهذه الفترة. قد تستغرق هذه المرحلة القصيرة خمسة أو عشر سنوات، أو قد تكون أقصر أو أطول حسب الظروف المحيطة في ذلك الزمان. يجب ملاحظة أن توقعاته قائمة على حسابات مبنية على الظروف الموجودة حينها، ولا يمكن التأكيد على ملائمتها لتطبيق الاشتراكية وثم الشيوعية بشكل قاطع.

لكننا الذين عايشنا التطبيقات الاشتراكية في روسيا وفي غيرها من الدول قد صدمنا بحجم المصاعب الداخلية والخارجية التي واجهتها. آخذين ما واجه التجربة الروسية بنظر الاعتبار أصبحنا على قناعة بأن المثال الروسي لا يصلح البتة لأستيعابه في الفترة التي قصدها ماركس. فالأجواء الدولية لم تتطور في صالح الدولة الاشتراكية الفتية بل ضدها حيث تعرضت لعدوان عسكري اضطرها للدفاع عن نفسها. وبنتيجة اصرارها على بناء الاشتراكية تحولت أكثرية الدول الغربية ضدها بنفس الوقت قامت بقمع محاولات الطبقة العاملة فيها للثورة الاشتراكية وبذلك افتقدت روسيا لدعم الطبقة العاملة في العالم.

 

 

في ظل تلك الظروف غير الملائمة، لم يكن من الممكن تحقيق المرحلة الاشتراكية والانتقال إلى الشيوعية. ولذا كان  يجب الاستمرار  في بناء القاعدة المادية للنظام الاشتراكي، وذلك من أجل تطوير الطاقات العلمية والثقافية في المجتمع الاشتراكي، وتحسين الطاقات الإنتاجية وجودة منتجاتها. هذا سيمكّن الدولة الاشتراكية من تحقيق التفوق على الدول الرأسمالية المتقدمة.

 

أظهرت التجربة الروسية أن وجود الحزب الشيوعي الواعي بدوره كقائد سياسي وفكري ماركسي يشكل ضمانًا لنجاح التحولات الاشتراكية وتعزيزها. يمكن أن يجعل هذا النموذج من دولة مثل الاتحاد السوفيتي مثالًا يحتذى به. ومع ذلك، فإن تطور الحزب الشيوعي السوفيتي في السنوات الأخيرة من وجود الاشتراكية قد سار في اتجاه معاكس، حيث تعزز التيارات الانتهازية اليمينية دون أن يلاحظه أحد.

رغم استئصال قاعدة الملكية الخاصة في المراحل الأولى من بناء الاشتراكية، كانت الميول البرجوازية موجودة وفعالة. حلت الملكية العامة، أي الملكية الاشتراكية، محلها. ومع ذلك، لم يقضِ التغيير الاشتراكي الأساسي على تلك الميول الانانية تمامًا، بل أخفق في إزالتها بالكامل ،وانما تأجيلها ، حتى يأتي وقت مناسب للفرص. وكما أظهرت التجربة الاشتراكية في روسيا ودول أخرى، فإن وضع قادة حزبيين على رأس المؤسسات الاشتراكية لا يكفي لاعتبارها ملكية اشتراكية أو أنها في أيدي أمينة. بين هؤلاء القادة من قضوا جل حياتهم في خدمة الحزب الشيوعي، كانوا يستخدمون نشاط المؤسسات الاشتراكية التي أشرفوا عليها لخدمة مصالحهم الخاصة. حاول بعض الأفراد التعامل مع المشروع الاشتراكي بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع مشاريعهم الخاصة في اقتصاد السوق الرأسمالي، بهدف تحقيق أقصى هامش من الأرباح. وهذا التصرف كان سببًا في تبني القوى العاملة في الاتحاد السوفيتي موقفًا سلبيًا تجاه خطط زيادة إنتاجية العمل التي كان يتم تحديدها من قبل رؤساء المؤسسات الاشتراكية لزيادة الإنتاج. فأدرك العمال أن “فائض قيمة العمل” الذي ينجم عن جهودهم الإضافية لزيادة الإنتاجية لن يؤدي إلى زيادة مباشرة في أجورهم، بل سيرتفع إلى جيوب المسؤولين في المؤسسات الإنتاجية والأشخاص المتعاونين معهم. هذه الحقيقة تشكل جزءًا من إجابة التساؤل الذي ردده كثيرون عند انهيار اسباب انهيار الاشتراكية :

لماذا لم يخرج العمال السوفيت إلى الشوارع دفاعًا عن نظامهم الاشتراكي؟ لقد شُيِّد هذا النظام بالفعل لصالحهم، وبتضحياتهم. ومع ذلك، توصلوا إلى قناعة بأنه لم يعد يخدم مصالحهم، فتركوه يتهاوى مع كل آمالهم. كانت كميات من السلع الضرورية التي تنتجها المؤسسات الصناعية الاشتراكية تُبَاع في سوق سوداء عبر قنوات خاصة بالتواطؤ مع مسئولين في مؤسسات التوزيع الحكومية. هذه التجارة تحولت إلى الاقتصاد الثاني الموازي حيث تُحول قيمتها إلى حسابات سرية في البنوك المحلية والأجنبية. في عهد حكومات جوزيف ستالين، لم تجرؤ قوى الطبقات المستغلة على التلاعب بحقوق الكادحين، وذلك بفضل سياسة صارمة تضمنت عقوبات صارمة ضد المخالفين. هذه التدابير ساهمت في تحقيق أعلى معدلات نمو اقتصاد اشتراكي طوال فترة حكمه.

بعد رحيل ستالين، تمكنت الزعامات التي نددت بسياساته الداخلية من استغلال الفرصة الذهبية والأجواء المناسبة لتحقيق تطلعاتها البرجوازية داخل الحكومة ومنظمات الحزب. وقبل أن يتاح المجال لمثل هذه الأنشطة المخالفة للقوانين والتربية الاشتراكية، قادت الدولة السوفيتية تحولًا من دولة شبه اقطاعية متخلفة إلى دولة صناعية قوية على الساحة الدولية. خلال فترة النظام الاشتراكي، شهد التعليم تطورًا مستمرًا، حيث أصبح مجانيًا، وكذلك تحسَّنت خدمات الرعاية الصحية. ارتفع مستوى المعيشة لشعوب الاتحاد السوفيتي بفضل بناء اقتصاد قوي وصناعة متقدمة. كان ذلك أيضًا سببًا في تعزيز قوة الجيش السوفيتي ليصبح ثاني أقوى دولة عظمى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

في أيامنا هذه، لا يتحدث أحد بإيجابية عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت عليها دول الاشتراكية السابقة. بالعكس، يعيد الكثيرون تكرار المعلومات المشوهة التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية الموالية للرأسمالية، مثل فشل الاشتراكية وأن الزمن قد تجاوز مرحلة الثورات الاشتراكية، وأن العصر قد استقر لصالح الرأسمالية واقتصاد السوق. إن مَن يروِّجون لهذه الترهات يُظهرون ضعف ذاكرتهم وفقر معلوماتهم التاريخية، حيث يُغفلون عن التدمير الشامل الذي ارتكبه النازيون ضد دولة الاتحاد السوفيتي، والذي لم يحدث مثيلًا له في التاريخ المدوَّن.

لكن لا بأس من ذكر بعض الارقام والحقائق للتذكير بالحالة الاقتصادية التي تطور اليها الاتحاد السوفيتي بعد تحرير البلاد من الغزاة الألمان. فلو افترضنا ان الناتج القومي الاجمالي بالاسعار الثابتة في الاتحاد السوفييتي في عام 1950 كان 100% فانه بناء على ذلك قد ارتفع عام 1972 الى 580% بينما زاد في الولايات المتحدة 214% وفي بريطانيا 169% وفي فرنسا 309% وفي ألمانيا 352%. وقد بلغ معدل النمو الاقتصادي السنوي في الاتحاد السوفييتي خلال الفترة 1950 – 1972 8,3% بينما بلغ في أمريكا 3,5% وفي ألمانيا 5,9% وفي بريطانيا 2,4 % وفي فرنسا 5,23%. أما متوسط معدل نمو الدخل القومي في الدول الرأسمالية في الفترة 1951 – 1973 فكان 4،6% بينما بلغ في دول مجلس التعاضد الاقتصادي 7,9% ( المنظمة الموازية للاتحاد الأوربي ). أما معدل نصيب الفرد من الدخل القومي في بلدان مجلس التعاضد الاقتصادي فكان أعلى من العديد من البلدان الرأسمالية الأوربية ، لكنه كان أقل من مستوى متوسط الدخل القومي في الدول الرأسمالية الأكثر تقدما.

 

بدءًا من سبعينيات القرن الماضي، باشرت الدول الرأسمالية بزيادات كبيرة في الإنفاق العسكري، مما أدى إلى سباق تسلح غير مسبوق مع النظام الاشتراكي. اضطر هذا النظام لتخصيص ميزانية كبيرة للنفقات العسكرية على حساب تطوره الاقتصادي. على سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بزيادة نفقات التسلح من 134 مليار دولار في عهد الرئيس كارتر عام 1979 إلى 253 مليار دولار في بداية عهد رونالد ريغان، حيث وصلت هذه النفقات إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان ذلك سببًا في اضطرار اتحاد السوفيتي لزيادة ميزانيته العسكرية أيضًا، حيث ارتفعت من 22% في عام 1979 إلى 27% من الناتج المحلي المجموع في عام 1989.

أثرت الزيادة الكبيرة في النفقات العسكرية على حجم ميزانية التنمية الاقتصادية والاستهلاكية، مما أدى إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي. هذا، بدوره، أثر على حجم الاقتصاد السوفيتي وأدى إلى تراجع مكانته في قائمة الدول الأكثر تقدمًا. في وقت ما، كان الاتحاد السوفيتي يحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث القدرات العسكرية بعد الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يحقق نفس المستوى من التطور كقوة اقتصادية عالمية.

 

كان لهذا أسباب موضوعية يجب ألا نغفلها. خلال الحرب العالمية الثانية، تعرض اقتصاد الاتحاد السوفيتي لخسائر مادية وبشرية هائلة تفوق ما فقدته جميع دول غرب أوروبا. بالمقابل، استمر نمو اقتصاد دول غرب أوروبا دون مشاكل كبيرة، نظرًا لأن غزو ألمانيا النازية لم يؤدي إلى تخريب بنيتها التحتية واقتصادها بنفس الشكل كما حدث في دولة الاتحاد السوفيتي. إضافةً إلى ذلك، تلقت دول غرب أوروبا دعمًا اقتصاديًا مباشرًة من الولايات المتحدة. بفضل مشروع مارشال، تسارع عملية التنمية في هذه الدول بهدف أن تكون نموذجًا إيجابيًا للاقتصاد الرأسمالي.

انَّ تجاهل كل تلك الحقائق عند المقارنة بين الاقتصاد السوفيتي والاقتصاديات الغربية يبين سوء النوايا وحجم التشويه الذي مورس ضد النظام الاشتراكي وحجم الجريمة التي ارتكبت بحق الاشتراكية بعد عام1985 عندما أتى ميخائيل كورباجيف بمشروعه الاصلاحي التصفوي الذي نال اعجاب الدول الغربية فاستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام.

 

يتبع في الجزء الثالث

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.