اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• استنتاج خاطئ واستدراك متأخر لكارل ماركس حول نشوء ألمدن ألأسلامية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.هاشم عبود ألموسوي

مقالات اخرى للكاتب

استنتاج خاطئ واستدراك متأخر لكارل ماركس

 حول نشوء ألمدن ألأسلامية

 

لا شك وان المدينة هي التي أوجدت الحضارة ،وان الحضارة هي التي أوجدت العمارة فيما بعد، حيث اننا لايمكن أن نتحدث عن وجود عمارة ماقبل نشوء الحضارة ، وماكان موجودآ قبل ذلك من مغارات  وكهوف وأكواخ بدائية سكنها البشر، لاتمت للعمارة بأي صلة ، وهذا ما يجعلنا نحن المهتمون بمواضيع العمارة والعمران ،نصب اهتمامنا على دراسة  نشوء المدن وتحضرها ، لانها هي الحاضنة والممهدة لا نبعاث الطرز المعمارية التي ندرسها وفق تسلسل وتطور الحضارات .

و بهذا فأن تطور المدن وما أفرزه من صراعات طبقية ،وحركات فكرية يشكل المسألة المركزية في تاريخ المجتمعات  البشرية ، ومنها المجتمع الاسلامي . . ودون فهم هذه المسالة يتعذر حتى فهم ألتاريخ الاسلامي . كما يصعب تحديد علاقة صحيحة بين تراث الماضي ومشاكل ألحاضر ، الأمر الذي لابد أنه  ترك أثره على مصير الثورة الاجتماعية في البلاد العربية .

وموضوع المدينة الاسلامية لم يحظ لحد الآن  بألاهتمام الذي يستحقه لاسباب عديدة  منها ترسخ فكرة خاطئة أوجدها المستشرقون والرحالة الاوربيون تنكر وجود المدن بالمفهوم المتعارف عليه ، في البلدان الاسلامية .

وليس خافيا ان مثل هذا المفهوم كان منبعه روح العداء للشعوب الاسيوية و الافريقية ، لكنه مع ذلك لم يعوزه كتاب ومنظرون لنشره حتى ايامنا هذه ، كما يظهر جليا في الندوات التي عقدتها الجامعات البريطانية والامريكية في العقود الاخيرة من السنين

ولعل أول الذين طرحوا تلك الفكرة الخاطئة عن المدينة الاسلامية الطبيب الرحالة الفرنسي فرنسوا برنييه ، الذي زار مصر والحجاز ثم عمل في البلاط المغولي في الهند لثمان سنين في القرن السابع عشر .

فقد كتب يقول عن المدن الاسلامية بانها :

"ليست هي في الحقيقة غير معسكرات للجيش أفضل قليلا وأحسن موقعا من بادية خالية

وقد دخلت هذه النظرية المبسطة عن المجتمع الاسلامي الى عدد من المدارس الاجتماعية الاوربية . فقسم منها استخدمها لتبرير التوسع الاستعماري الغربي في آسيا با ظهار الشرق كله مكونا من مجتمعات محكوم عليها بالركود الابدي ولا يمكن لها "التقدم" الا في ظل السيطرة الكولونيالية الغربية التي وصفت وكانها "منقذ" من انظمة "الاستبداد الشرقي ".

على ان كتاب برنييه ظهر وكأنه يقدم مقارنة تاريخية بين الرأسمالية الغربية ومجتمعات آسيا ، مقارنة توضح القوى المحركة للنظام الراسمالي الاوربي الامر الذي جعل الكتاب موضع اهتمام المفكرين الاشتراكين .

وقد صادف أن قرأ ماركس كتاب برنييه في بداية دراساته الاقتصادية في الخمسينات من القرن التاسع عشر، وأعجب به اعجابا كبيرا أظهره في عدد من الرسائل التي أرسلها الى انجلز عام 1853 .

ثم مالبث أن انعكست نظرية برنييه هذه في مسودات ماركس لكتابه رأس المال، التي اكملها بعد اربع سنين من كتابة رسائله المذكورة . فقد كتب في عام 1857 . في الملاحظات التي اعدها لتاليف رأس المال يقول :

"ان تاريخ العصر القديم الكلاسيكي (اليونان وروما) هو تاريخ المدن ، المدن القائمة على الملكية العقارية والزراعة ، أما التاريخ الاسيوي فانه نوع من الوحدة غير المميزة بين المدينة والريف (والمدن الكبيرة حقا يجب اعتبارها هنا مجرد معسكرات ملوكية مقحمة فوق الكيان الاقتصادي الحقيقي . وأما العصر الوسيط (الفترة الجرمانية) . فانه يبدأ من الريف كمركز للتاريخ ، ثم يمر تطوره اللاحق عبر التناقض بين المدينة والريف : و(العصرالحديث) هو حضارة الريف ،وليـس بداوة كما كان الأمر في العصر القديم ." (1)

 

ــــــــــــــــ

 

 (رحلة برنييه-بالفرنسية-المجلد1 –صفحة301)

(1)مسودات نقد الاقتصاد السياسي-بالانكليزية-(الكرونديس)ص 479.ويقارن هذا النص مع النص الاقدم في كتاب"الايدلوجية الالمانية"حيث يتبين ان فكرة المدن "المدن المعسكرات "دخلت الكتابات الماركسية عبر كتابات فرانسوا برنييه.

 

ولو تفحصنا جيدا تحليل ماركس للمدن الاسيوية هنا والتي تشمل المدن الاسلامية ،فاننا نرى انه استخدم نفس العبارات في رسائله لعام 1853 . تعليقا على كتاب فرانسوا برنييه. (في رساله2 حزيران 1853 ، اكد ماركس وصف برنييه للمدن الاسلامية باعتبارها "معسكرات للجيش" ) .

وليس من شك ان تاثر كتابات ماركس وانجلز الاولى بكتاب برنييه المذكور كان من بين المصادر الاساسية لنظرية "نمط الانتاج الاسيوي " التي ظهرت في المجلد الاول من (رأس المال ) .

وكانت هذه النظرية وما انطوت عليه من تاكيد غير تاريخي وغير علمي عن "عدم قابلية تغير المجتمعات الاسيوية .

"(رأس المال –المجلد 1-ص 357  )

من العوامل التي أبعدت الكتاب الماركسيين عن محاولة النظر نظرة موضوعية لتاريخ الاسلام والدور المركزي الذي لعبته المدن في نشأته وتطوره فيما بعد .

وللحقيقة يجب ان نذكر هنا ان كلا من ماركس وانجلز ولينين قد أعادوا النظر فيما بعد بتلك النظرية في عدد من مؤلفاتهم ومنها كتاب (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ) وكتاب (الدولة والثورة ). بل لعلنا نرى هذا أكثر وضوحا لدى تحليل ماركس لدور العرب في ظهور الرأسمالية الغربية الحديثة في كتاب (رأس المال )بعيدا عن تاثيرات برنييه والنظرة الهيغلية التي صورت التاريخ الشرقي وكأنه خال من "الذات " المبدعة .

فيقول ماركس :

"ان المنطقة المعتدلة ،هي الوطن الأم لرأس المال ، وليس المنطقة الاستوائية وما فيها من وفرة للغذاء الطبيعي ..

فالضرورة لاخضاع قوى الطبيعة لسيطرة المجتمع ،وللاقتصاد في استخدامها أو استثمارها على نطاق واسع بواسطة يد الانسان ، هي التي تلعب الدور الحاسم في تاريخ الصناعة ...

ان السر في حالة الانتعاش التي شهدتها الصناعة في اسبانيا وصقلية تحت حكم العرب يكمن في المؤسسات الري التي انشاؤها هناك ."

وللاسف لم تؤخذ هذه التصحيحات لنظرية (نمط الانتاج الاسيوي ) لدى العديد من الكتاب الماركسيين والتقدميين بعين الأعتبار .

غير اننا نرى العديد من الجامعات الغربية قد تحسست لفائدة النظريات التي تنكر وجود المدن في الاسلام او التي تعتبرها مجرد معسكرات وقصور ملكية ليس لها دور يذكر في الانتاج الاجتماعي . ولما كانت المدن هي الوسط الذي ظهرت فيه الرأسمالية الحديثة والصراع الطبقي  الحديث القائم على التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية فقد أصبحت قضية انكار وجود المدن في  الاسلام القديم واسطة لاسناد الدعوات الاستعمارية ب "التخلف والركود الابديين" للمجتمعات الشرقية وتبريرا للسيطرة الامبريالية .عليها

و في السنوات الاخيرة طرحت نظرية (ماكس ويبر ) كأساس فكري لمثل تلك الدعوات ،فهذه النظرية الرجعية عن المدن أصبحت السند الاساسي للدراسات الجامعية البريطانية والأمريكية لانكار وجود المدن في الاسلام ومعها انكار كل اصالة للحضارة العربية .

ان مثل هذه الدعوات تقوم ، في الحقل الفكري ، مقام الهجمات العسكرية والسياسية التي تتعرض لها المنطقة العربية منذ ظهور الرأسمالية الغربية .ففي كتاب صدرعام 1969 عن ندوة نظمتها جامعتا اكسفورد وبنسلفانيا يقول المحرر بانه حسب تعريف ماكس ويبر :

"فان المدينة وجدت في اوربا ،ولم تظهر في آسيا مطلقا ، وانها وجدت جزئيا ولفترات قصيرة في الشرق الادنى .

ان تعريفه يتفق بشكل عام مع ما يفهمه الاوربيون للمدينة ،واذا نحن قبلنا هذا التعريف فعلينا ان نقبل استنتاجـه ايضا بان  المدن الشرق –اوسطية هي ليست مدنا بالمعنى الكامل .

(المدينة الاسلامية –ص 13 )

ــــــــــــــــــ

راس المال –مجلد 1 ص 512 -515-بالانكليزية )

 

ولسنا بحاجة هنا أن نورد آراء المشتركين في تلك الندوة لانها مجرد ترديد سقيم لهذه النظرية في مجالات مختلفة للمدينة الاسلامية ، ولكن نرى لزاما ان نشير الى ان بعض المؤرخين الغربيين قد توصلوا الى نتائج معاكسة لتلك نخص منهم بالذكر لويس ماسينيون الذي تهيأ له دراسة مواقع بغداد والكوفة والبصرة دراسة موقعية  (طوبوغرافية )    

قادته الى الاستنتاج بان المدينة الاسلامية "قائمة على فكرة السوق " وليس كمعسكر للجيش او عاصمة ملوكية كما صورها الرحالة الغربيون ومنظرو الجامعات الغربية الحديثة .

ان هذا المقال ينصب حول مناقشة الدور الانتاجي للمدن الاسلامية في العراق حتى القرن الرابع الهجري ،باعتبارها النموذج الاهم (الكلاسيكي). للتطور الاقتصادي في الاسلام الاول .

على ان المدن الاسلامية في اسبانيا وصقلية لعبت هي الاخرى ادوارا لاتقل اهمية فيما اعقب ذلك من القرون .

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.