اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ما سر اهتمام المعماريين بالتراث والآثار ؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. هاشم عبود الموسوي

أستاذ العمارة والتخطيط العمراني

مقالات اخرى للكاتب

ما سر اهتمام المعماريين بالتراث والآثار ؟

 

في ضو ء محاضرة الدكتور : "احسان فتحي "

حول الآثار والتراث العراقي المستباح

http://www.youtube.com/watch?v=zH10qK2PZV8

 

على مدى تاريخ البشرية ( المكتوب  على الأقل )، يمكن لنا أن نتلمس العلاقة  الوثيقة التأريخانية بين العمارة  والأثار و التراث ، فما هو السبب و السر في ذلك ؟ 

 

       عندما نُقر بتقارب الفنون من بعضها فإننا نجد أن كلاً من فن العمارة, وعلم الآثار على صلة وثيقة ببعضها في المادة التي يعالجانها, فكلاهما يعالج النتاج المادي الذي يعكس جهد الإنسان في محاولته إثبات وجوده على سطح البسيطة وتملّكها, أحدهها ينتجه والآخر يتقصاه. ويحتل تاريخ العمارة موقعاً وسطاً بين الاثنين, وهو موضوع دراسي عام للمعماري, لإكمال استعداده للممارسة المهنية. وتتشارك هذه الفنون معاً في مواجهة إشكالية الحداثة فتتداخل مجالات كل منها, فالموقف بين الماضي, والتاريخ, والتراث, فيه من الأساطير بقدر قد ينقص أو يزيد عما به من الحقيقة العلمية, وهو دوماً يصطبغ بصبغة الحاضر. وفيما بين المعلومات التي يضعها عالموا الآثار بين أيدينا والحقائق التي يؤكدوها, وبين عمائرنا التي نقدمها بصورة أو بأخرى, على أنها نتاج فكر راعٍ لما سبقه, كما لمعطيات حاضره, ثمة فجوةٍ، على المعماري دوماً في سياق نتاج فكره وعمله أن يجد لها معبراً.

 

       بل يمكننا القول بأن جُل فكر المعماري من حيث «لِمن نبني؟ ولماذا نبني؟» يقع في ذلك الشق, وفي تلك الفجوة. والإبداع في العمل التصميمي ليس إلا إبداعاً لذلك النسيج الذي يصل بين ما كان أن يكون, والفكر المعماري, في ذلك قيمة بقدر ما لألفاظه, وأن كانت لوحداتها الغنية أحياناً. مادة الإبداع إذاً هي فكر وعمل, وقول.

 

       فلنتتبع منطق المعماريين في تعاملهم مع مادتهم المشتركة وعلماء الآثار والتي تشكل في مجموعها أعظم نتاج مادي للإنسان, ألا وهو "المدينة", ولننظر إلى المعمار الذي سَخّر العلوم والفنون في كل مراحل تشكلها منذ نشوء أول تجمع بشري في جنوب وادي الرافدين قبل سبعة آلاف عام, وحتى مراحل تشكلها في الغرب بدءاً في عصر النهضة في منشأها جمهورية فلورنسة. عسى ذلك ما يُثري فكرنا المعاصر في معالجته وتصديه لإشكالية الحداثة وما بعد الحداثة.

    اليوم نهرع إلى المدينة للحفاظ على مبانيها القديمة ونسيجها العمراني المتراص بعد أن كاد تيار الحداثة ينال منها أو فعل لجزء أو أجزاء منها. وفي غمرة لهفتنا نودّ لو نحيل مدننا كلها إلى متحف واحد كبير أشبه ما يكون بقرى بوتمكن Potemkin Villages *,

تلك القرى الوهمية التي بناها الماريشال غريغوري ألكسندروفتش بوتمكن (1739-1791) Grigori Aleksandrovich Potemkin صديق ملكة روسيا كاثرين الثانية,

 كي يترك انطباعاً حسناً لديها خلال زيارتها عام 1787 إلى منطقة القرم بعد ضمّها إلى روسيا, بناها من الكرتون المقوى والقماش كي تظهر الصحارى الجرداء في أعين صاحبة السمو الملكي وكأنها حقول خضراء, فينال حظوة لديها*. وكذا في أمثلة عديدة من أنحاء العالم. هناك نجد التراث وقد تحوّل إلى سلعة استهلاكية, وهذا بعض مما عناه روبرت فنتوري في تبجيله وتجميله لرموز عمارة الاستهلاك في لاس فيغاس. وهذا نوع آخر من الحفاظ على المباني لا يبدو لي أنه يختلف كثيراً عمّا فعله توماس بيبي في شيكاغو أو غيتي في ماليبو بكاليفورنيا وغيرهم فيمن يمكن اعتبارهم من معماريي اتجاهات ما بعد الحداثة. هذا هو جزء أساسي مما يسمّى بعمارة ما بعد الحداثة مما هو في رأيي لا يزيد عن كونه مثل داء الحداثة المزمن, في وعي الإنسان المتزايد لذاته في الزمن.

 

       إن العناية الفائقة التي نوليها لتراثنا هي أكبر دلالة على حداثتنا ووعينا لذواتنا كموضوع محدود بتأريخيته في الزمان والمكان.

 

-----

 

* أستعير هذا التشبيه بقرى بوتمكن من مقالة لآدولف لوس كان يسخر فيها من المباني المحيطة بجانبي شارع الرنغ شتراسه Ring strassc في فيينا,

الشارع الذي يلتف حول المدينة في مكان أسوار المدينة التي كانت قد هدمت بعد أن فقدت قيمتها الدفاعية نتيجة للتطورات في المدافع الحربية.

أنظر: A. Loos, “Potemkin City” in Spoken into the Void, Cambridge, (trans. Jane Newman and John Smith Massachusetts: MIT Press. 1982): 95-97. 

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.