اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

لم يكن حلما: قصة قصيرة -//- يوسف عبود جويعد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

لم يكن حلما

يوسف عبود جويعد

توجست خيفة، أحسست بأن هنالك شيئاً ما سوف يحدث، بالرغم من انني بين أسرتي وألاعب اطفالي والمرح يملأ الدار، الا ان هاجساً مخيفاً يلف مشاعري، خوف، خوف من شيء مجهول من قدر لا اعرف بوائقه، صوت التلفاز وهو يعرض افلاماً للاطفال، زوجتي مشغولة باعداد وجبة الطعام داخل المطبخ، صوت فرقعة الزيت واصوات الاواني وصوت السكين وهي تجد اجواء واقعية جدا الا انها كالحلم، فجأة طرق الباب طرقات قوية جدا تشبه الانفجارات فكاد الباب ينخلع.

صرخت:

- من الطارق؟

لم اسمع جواباً، صرخت ثانية:

- من؟

لا جواب.

هذه الطرقات لم اسمعها من قبل، قلبي ممتلئ بالخوف، فتح الباب اربعة رجال ملثمين يحملون سلاحا، لا يظهر منهم الا عيونهم، تغير لون الارض امام عيني، وتلبدت السماء بغيوم سود، وساد الصمت وجه الدنيا، واختلطت الآهات بالآهات، خارت قواي، تجمدت قدماي، وقلبي يخفق.. يخفق، كاد يخرج من مكانه، كرهت نفسي، كرهت ضعفي، كرهت وهن بدني وانا أقف مسمرا مرتعدا أصك أسناني خوفا، سحبني أحدهم والآخر ضربني باخمص البندقية، الاخر وضع يدي اليمنى ثم اليسرى خلف ظهري وشد وثاقي ثم عصب عيني، نهار ممزوج بكل اوجاع الدنيا، نهايات سخيفة وحقيرة، ألم يشدني من اخمص قدمي حتى قمة رأسي، أسمع صرخاتهم، أسمع أصواتهم:

- إمش ِ هيا..

- إفتح صندوق السيارة..

- هيا.. هيا..

ضربة اخرى باخمص البندقية، موجعة، حملوني ورموني داخل صندوق المركبة وأوصدوا الباب، وانطلقت المركبة، ماذا حدث لاطفالي وهم يرونني هكذا؟ كيف هكذا؟ كيف حال زوجتي؟ وانا ماذا يحدث لي؟ رموني كما يرمون اي خروف بائس، أناس بوجوه سود قاحلة تشبه الليل.. تشبه الموت.. تشبه النهايات الحزينة.

خلت قلوبهم من الرحمة، كيف لهم ان يفعلوا ذلك؟ ومن الذي أذن لهم ان يكونوا دعاة الموت، ان يقتلوا الناس بدون رادع، سارت المركبة وانا اهتز.. اهتز.. ارتجف.. اهتز.. مطبات كثيرة، اظن ان المركبة تسير بسرعة.. كيف ستكون ميتتي؟ هل يذبحونني بسكين عمياء؟ أم بطبر؟ أم يهشمون رأسي بحجر صلب؟ ام يرمونني بالرصاص؟ كيف أموت؟ من المنقذ؟ القوة بيدهم.. الامر بيدهم.. القرار لهم.. لا املك الا الاستسلام.. انا في حال لا احسد عليه.. وصل التفكير في داخل رأسي الى حد الجنون، وامتلأ رأسي بهواجس، ففي كل لحظة أموت فيها مرات، ولا زالت المركبة تسير.. ولا زال قلبي يخفق.. ولا زالت الهواجس تملأني.

توقفت المركبة.. صوت خطوات سريعة.. فتح الباب، واخرجوني بقساوة وحقد وكره وضربوني.. ثم رموني في مكان لا اعرف أهي غرفة ام حظيرة للحيوانات ام ماذا؟ لا ادري اين انا الان.. لماذا؟.. لماذا؟ أصوات الناس بقربي.. تأوهات.. همهمات.. أصوات تئن.. اصوات تنتظر الموت.. اصوات تشبهني في كل شيء.. الخوف من الموت يملأ احشاءهم، وقلوبهم تنبض خوفا، واجسامهم ترتعد من الموت، مصير واحد يجمعنا.. اسمع اصواتهم.. انهم مجموعة كبيرة.. هنالك قائد لهم.. يتلقون الاوامر منه.. وصل حد الشعور بالنهاية القاسية الى ان جميعهم لا يستطيعون الكلام.. سكوت مطبق.. آهات وبكاء وأنين وألم.. حاولت ان استرق السمع لأعرف هل انا لوحدي أم معي مجموعة، انحنيت الى الجانب الايمن فلمست رجلاً اخر، انحنيت يسارا فلمست اخر، مددت رجلي فلمست اخر، أسندت ظهري على رجل آخر، انهم كثيرون يملأون هذا المكان الذي لا أعرف معالمه، كلنا ننتظر نهايتنا، ونعرف جيدا انها قاسية جدا، تصل الى الحد الاقصى في المعاناة، قال أحدهم لمسؤولهم:

- العدد كبير.. امتلأت الغرفة

- اقتلوهم.. تخلصوا منهم

هذه الكلمات كانت بمثابة المطرقة التي تطرق رؤوسنا.. هذا ما امرهم قائدهم وعليهم ان ينفذوه فورا.. ماذا نفعل؟ أين المفر؟ هل هناك مهرب من الموت ونحن ضعفاء لا نملك حولاً ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. دخلت مجموعة منهم داخل الغرفة! أعتقد انهم تفرقوا..

- أخرجهم جميعا..

أخرجونا بطريقة ظالمة وخالية من الانسانية.. دفع ورفس.. ركلات ولكمات.. وضربات.. وضعونا في باحة كبيرة اظن ذلك لانها اتسعت لنا جميعا.. كنت في صراع مع اخر الخيوط التي تشدني للحياة، أنفاس لاهثة.. ورعب لا يوصف.. رعب لانسان سيموت.. سيقتل كما يقتل اي انسان لم يعرف ماذا فعل؟ مرت في مخيلتي مسيرة حياتي.. استعراض لكل مراحل العمر.. طفولتي.. صباي.. شبابي.. زواجي.. عائلتي.. أقربائي.. اخوتي.. اخواتي.. أحس بانفاس احدهم بقربي.. انه قريب مني.. همس باذني:

- انت ابو عصام..

- نعم

- إنك أنقذتني ذات يوم.. كانت مركبتي عاطلة في مكان خطر واصلحتها لي، والان سأرد لك الجميل، سأتولى أمرك سوف أحل وثاقك.. سأرميه الى جانب.. وما عليك سوى ان تستلقي على ظهرك كأنك اصبت.. وما ان ننسحب إفتح عينيك واهرب..

عمّ صوت الاطلاقات النارية مع آهات وصراخ.. ارتميت على الارض لبرهة ثم رفعت الغطاء عن عيني.. رأيت الاموات على الارض والدماء تسيل منهم كالنهران.. نظرت يمينا ويسارا.. لم أجد أحدا.. هربت مذعورا وسط غابة.. قضيت ساعات أسير فيها.. ثم وصلت ناصية الشارع.. لمحت مركبة قادمة.. أوقفتها وركبت بها على عجل وانا غير مصدق نفسي.. هل كنت في حلم؟ أم هي حقيقة؟ وعندما وصلت البيت عرفت انه لم يكن حلما.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.