اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعـظمي (58)- تقاعدي من الوظيفة / ج4

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 يوميات حسين الاعـظمي (58)

 

تقاعدي من الوظيفة / ج4

       بالرغم من ان الوزير حامد يوسف حمادي، وافق على تقاعدي بعد جهد جهيد، ولكنها كانت موافقة مشروطة، حيث كتب في هامشه على مذكرة طلبي (موافق، على ان تـُروَّج معاملة تقاعده في شهر حزيران القادم) أي بعد ثلاثة أشهر، والسبب في ذلك، لاكمال العام الدراسي، كوني لم ازل حينذاك مدرسا في المعهد ايضا. والمعهد من توابع دائرة الفنون الموسيقية. فقد كنت ادرِّس كمعيد في المعهد منذ تخرجي منه عام (1979 - 1980) ، اضافة الى ادارتي لفرقة التراث الموسيقي العراقي حتى اضمحلالها اواخر الثمانينات..

 

       تقاعدت عن الوظيفة عن اثنتين وعشرين سنة ونصف السنة، ثم اضيفت لي سنة كاملة مقابل عدم تمتعي باجازاتي للسنوات الماضية..! فاصبح تقاعدي عن ثلاثة وعشرين سنة ونصف السنة.  ولم ادرك اضافة ثلاث سنوات عسكرية اخرى، ليصبح المجموع الوظيفي ستة وعشرين سنة ونصف السنة، لانني كنت مستعجلا على التقاعد وغير مصدق انني حصلت عليه، فاجلت اضافتها في الزمن القادم..! بصراحة انني تاخرت عن اضافتها لفترة طويلة، حتى حلَّ الاحتلال البغيض لبلدنا العزيز، حيث رُفض طلبي لاضافتها لانها عسكرية..!

 

      على كل حال، الحمد لله على كل شيء، خرجت من الدائرة وانا على يقين من ان حياتي الفنية، بل حياتي كلها قد تغيرت من الآن، والادهى من كل ذلك، هو ظروف البلد القاهرة التي يمر بها، وتعاسة حياة العراقيين التي اصبحت ذات مستقبل مجهول، فضلا عن كثرة اعدائنا المتربصين، وهكذا اصبح حال المواطن العراقي بطبيعة هذه الظروف يعتمد على نفسه اكثر من أي وقت مضى، فالدولة اصبحت غير قادرة تماما على رعاية كل شيء، بل هي ايضا اعتمدت على جهود الفرد العراقي كفرد في المجتمع، وعليه فقد إمـْتـُحـِنَ المواطن العراقي امتحانا عظيما في ظل هذه الظروف القاهرة، وتحدى كل الظروف وشمَّرَ عن ساعديه وعمل ما بوسعه كي تسير الحياة. وعليه كانت تجربتي في ظل هذه الظروف، تجربة مريرة، شأني شأن اغلبية الناس..! ولكنني بقيت واقفا بقوة دون يأس او قنوط..! متأملاً داعيا العلي القدير ان يمكنني ويمكن كل ابناء بلدي، من تجاوز هذه المحنة والظروف القاهرة التي نمر بها. ومن هنا، استطيع ان اجزم بان تجربتي الفنية كانت في فترة ما قبل التقاعد، مرحلة فنية بذاتها، وفترة ما بعد التقاعد مرحلة اخرى جديدة تختلف تماما عن سابقتها..! والنجاحات الكبيرة التي حققتها خلالها في المرحلة الثانية بالمشاركات الخارجية واصدار الكتب الثقافية لموسوعة المقام العراقي..! والحديث عن هذه الفترة، فترة الحصار الظالم على بلدنا وكيف جرت اموري الحياتية والفنية، فانه يطول واترك هذه التفصيلات الى مناسبة اخرى ان شاء الله.. 

 

        من ناحية اخرى، فقد كان تقاعد منير بشير بالنسبة لي كما يبدو، قد جاء في وقت غير مناسب، حيث لم اكن اتوقعه، او لم يأتِ على بالي مثل هذا الامر. ولم اكن مستعدا لسماع مثل هذا الخبر. على كل حال، هناك هاجس في نفسي واعتقاد دفين في ذهني واحاسيسي، يجعلني اشعر ببعض الطمأنينة، حيث يدفعني الى الاستمرار..! هو ان الحياة كما هو معروف، معادلة طردية ليست عكسية طبعا..! والشيء السائد فيها دائما هو التوازن، ولابد للانسان الطموح الذي يتقد حماسا وتفاؤلا، ان يكمل المسيرة دون توقف، فالتفاؤل والطموح والتحدي يمنح الانسان متسع للحياة ، ليعيد توازنه بتحدي الظروف الصعبة، فانا لست الانسان الاستسلامي الضعيف الذي يوقفه أي حادث مفاجئ في الحياة. مهما كانت اهمية الاحداث، اذن لابد من حكمة في اكمال المسيرة، فالحياة ذات بناء متماسك من عند الله بصورة تفوق تصور الانسان نفسه..

 

         ما هي إلا فترة قلقة ومضطربة عشتها مفكرا متأملا حياتي القادمة، بين التأقلم على وضعي الجديد، وبين النظر الى مستقبل الايام وتهيئة نفسي للبدء من جديد، ولكن هذه المرة بمفردي، وليس بمفردي فحسب..! وانما في ظرف يمر به بلدي العزيز، يعد من احلك الظروف التي يمر بها اي بلد في هذا العالم..! فلم اجد غير حلا واحدا لا بديل له. هو الاعتماد على نفسي، وعلى نفسي فقط..! مستعينا بكل التجربة التي اكتسبتها وحققتها من عملي مع الموسيقار الاسطورة منير بشير..

 

         بكل الصراحة، كانت فترة التسعينات وما بعدها، أي فترة الحصار الظالم الذي فرضه المجرمون الجبناء على بلدي العراق، بعد غزو العراق للكويت عام 1990 حتى احتلال العراق عام 2003.. فترة عشتها وكأنني في إمتحان عسير، وقد كان امتحان عسير فعلا، ليس لي فحسب، بل امتحان لكل العراقيين على الصعيدين الجماعي والفردي..! الصعيد الجماعي الذي حاولت فيه الدولة ان تسير بالامور قدر المستطاع..! والصعيد الفردي كان فيه المواطن العراقي قد انتـُدِبَ لهذا الظرف، بل امتـُحـِنَ امتحانا عظيما لتدارك اموره الشخصية في اقل تقدير..! وهكذا برزت في هذه الحقبة من حياة العراقيين، الكثير من الانجازات والابداعات الاستثنائية على الصعيد الفردي للمواطن العراقي..

 

ولنا حديث آخر في موسوعة جديدة ان شاء الله

 

وللذكرى شجون

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.