اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• عنـدمـا تلبــدت الســمـاء

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بقلم : سعــديـه ألعبود  

 

عنـدمـا تلبــدت الســمـاء

 

بدأ الشتاء يتسلل إلى غرفتها عند فجر يوم تشريني, لدرجة أيقظتها  لسعات البرد عند أطرافها، ووجدت أن الغطاء لا يكفي لتفادي هذه اللسعات. كانت الظلمة تلف المكان, وكان السكون أكبر منها, يكسره بين حين وآخر صوت طلق ناري, أو صوت طائرة أمريكية تجوب المكان. حالة الطوارئ معلنة، وحظر التجوال مستمر منذ يومين بسبب توقع ردود أفعال جراء إعلان قرار الحكم بحق الرئيس السابق

. لملمت أطرافها وتكوّرت علّها تعيد الكرى إلى  أجفانها , ولكن لم تستطع. نهضت ببطئ محاولة النزول من السرير، كانت آلام مفاصلها في أشد حالاتها, فقد استنفرت طاقتها في استثمار أيام الحظر لإنجاز الأعمال الموسمية البيتية وهذا فوق طاقتها فقد كانت تعاني من أمراض الشيخوخة وهي لم تكد تبلغ العقد الرابع بعد، فقد حاصرتها أمراض القلب والغدد والمفاصل وضعف البصر دون مقدمات وكانت ضريبة حياتها باهضة إلا أنها وبروحها المرحة تتندر وتعبر الازمات .

لعنت الشيطان في سرها وقامت لأداء فريضة الفجر. أخذت تتلمس المكان وتتحسس طريقها بسبب انقطاع التيار الكهربائي. المكان موحش, وأظلم وساكن فالجميع غادروا أما إلى دول الجوار أو إلى المحافظات الآمنة بسبب الاغتيالات على الهوية  وحوادث الخطف. وهناك سبعة دور قريبة من دارها فارغة، لم تقرر بعد مغادرة الدار فقد انتقلت حديثاً إلى هذه المنطقة ووضعت كل ما تملكه ثمناً لشراء هذه الدار، واستنفذت كل رصيدها وحاجياتها ورواتبها المقبلة لإكمال المبلغ, وتركها الدار يعني فسح المجال أمام الجماعات المسلحة والمجهولة الهوية لتحتل الدار, لذلك راهنت على عمرها في البقاء. حاولت أن تقنع الجميع بسبب وجودها في الدار وبقائها وحيدة في تلك المدينة, متعللة برغبتها في إكمال ما تبقى من خدمتها لتحظى بالتقاعد. إلا أن واقع الأمر كبريائها واعتزازها بنفسها يمنعانها من العيش بالتبعية.

طلب منها زوج شقيقتها ذات مرة أن تسافر للإقامة معهم, رحبت بالفكرة, وسافرت اليهم وتعرضت ألى حادث تسليب في الطريق ومع ذلك لم تستطع التأقلم مع حياة بدون عمل. لذلك عادت ولم تثنها عن قرار العودة مخاطر الطريق  حتى أنها تعرضت لحادث خطف في العودة نجت منه بأعجوبة.

حالات الاغتيالات والانفجارات  تتزايد دون أن تستثني أحد، ومع ذلك كانت مستمرة في متابعة أحوال الدور المغلقة والمهجورة قسراً آلتى تعود لأشقائها. يتوزع إهتمامها بين المعاملات التى تخصهم واستلام مواد البطاقة التموينية وتحويل مبالغ نقدية لهم لديمومة استقرارهم.  وكان الأهم من ذلك مشوارها الأسبوعي لتفقد أحوال والدتها المودعة  لدى شقيقها, حيث كانت تسافر لزيارتها فجر يوم الجمعة قبل أن يبدأ حظر التجوال المقترن بصلاة الجمعة وتعود في اليوم التالي. وفي أحد الأيام عند العودة لاحظت أمراً غريباً, فهناك الكثير من الأفراد ينزلون أمتعتهم إلى الشارع مجتازين العوارض الكونكريتية, وسرعان ما تعود السيارة لجلب أمتعة أخرى, صحيح أن أغلب العوائل حملت أمتعتها وانتقلت بها الى أماكن أخرى إلا أن هذا المشهد يبدو غريبا لأنهم يغادرون بدون هدف وما يهمهم هو خروج الأمتعة من المنطقة بأسرع وقت. بدى الأمر غريباً للغاية وتبين فيما بعد انتشار رسائل تهديد للعوائل تلزمهم بالمغادرة عقاباً لهم لما حصل لعائلة أخرى مختلفة المذهب في حي آخر تعرضت للتصفية الطائفية. تعقدت الأمور في المدينة المذبوحة، وصارت الاغتيالات العشوائية وجرائم القتل على الهوية تطال الجميع، حتى وصل عدد الذين قتلوا غيلة من زملائها اكثر من عشرين. كان آخرهم مسيحياً يكره ويتندر من السلاح وأسباب استخدامه, يمرح دوماً ويسخر من كل شئ إلا أن الحياة الجديدة هي التي سخرت منه. لقد جعلت من الجميع مطاردين  في السوق وفي العمل وفي الشارع وفي المحلة.

اليوم هو الأول من آيار، خرجت منذ الصباح الباكر لتفقد دار شقيقها لأن أمر سرقة دار جارها وأمام جمع غفير من الجيران أذهلها وأقلقها. لفت انتباهها وجود سيارات عند طرفي الشارع، توجست منها خيفة, وسرت رعشة في بدنها وعادت وجلة. كان ذلك اليوم عطلة ولا توجد خطوط لنقل الموظفين والطلبة تنتظر أحد فمن هؤلاء الغرباء؟. سمعت طلقات مكتومة تبين بعد يومين اغتيال عائلة من ثمانية أفراد كانت قد سكنت الحي حديثا.

الأحداث تتسارع والموقف يتأزم وبدأ حملة السلاح الغير مرخص  يتبارون في المناطق التي تغيب عنها سلطة القانون تماما.

راحت تجمع كتب شقيقها الشاعر في علب كارتونية لعلها تستطيع إخراجها من الدار , وجدت قصاصة مسودة لقصيدة  كان كاتبها قد ذيلها بتاريخ 20نيسان 1986راحت تمر بنظرها على سطورها وتذكرت أنه كان في سجن انفرادي في تلك المدة يصف وحدته  وقصة حب غابر ....................... كف امرأة تلمسني قبل أن أولد

هذا آخر العنقود ثم انقطع الحبل

وحيد مثلما أُلقيت

  

  

وحتى الآن عريانا

..................

 تدحرجت دمعة فوق خدها عندما استذكرت تلك الأيام .

السماء ملتهبة والمنطقة مطوقة, الخارج منها لا يستطيع الدخول، والداخل إليها لا يتمكن من الخروج، حتى أن جارتها رجتها أن تتفقد أطفالها بعد أن علقت وتركتهم وحيدين في الدار ريثما تتمكن من الدخول لأن المنطقة كانت مغلقة تماماً بوجه الجميع ، حتى الخروج إلى خارج الغرف بات أمراً مستحيلاً .

 الجثث تملأ الشارع والكلاب تأكل ما تشاء من الأعضاء البشرية، ولا يستطع أي شخص التقدم منها حتى عوائل  الضحايا..فضلات الطعام وكسرة الخبز باتت وجبة دسمة .

 اغتنمت فرصة هدوء نسبي عند الفجر لتتسلل خلسة خارج المنطقة تحمل حقيبة يد  صغيرة.

.................

 

-  ألو هل هذه الدعوة حقيقية ؟

-  نعم تفضلي من المتكلم ؟

-  أنا خائفة لأني ذهبت ذات مرة وخطفوا السائق.

- أنتِ بحماية دولة رئيس الوزراء  .

- لا استطيع ..

-  نحن موجودون وستدخلين دارك بحمايتنا,  الوضع طبيعي , أعطيني اسمك وعنوانك ورقم سند الدار .

-

-

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.