بقلم / اكرم يوسف تمرو

مساهمات اخرى للكاتب

   قصـة قصيرة:

            العجوز .. والشيطان...

بغـداد مدينة كبيرة صاخبة بمركباتها وكثرة نا سها ومبانيها العالية التي تحجزالرياح مما يجعل من هذه المدينة حارة في فصل الصيف  ويسكنها خليط من الناس من طبقات مختلفة

كانت وردة أمرأة عجوز تسكن مع ابنها سالم ويبلغ الثلاثين من العمر في دار قديم جدا وكانه خرابة  في احد الاحياء الفقيرة جدا .  وكانت  العجوز وردة تصلي كل مساء  وبعد صلاتها تلعن الشيطان مئات المرات لاعتقادها بانه وسوس في صدر زوجها وارتكب جريمة قتل واعدم بسبها .

بقيت العـجوز وردة وابنها سالم تقاوم مذلات الدهر ومأسيه . وفي احدى اليالي الحارة ظهر لها الشيطان  وقال للعـجوز لماذا تلعـنيني  كل يوم ماذا تريدين . فقالت له العجوز وردة  انت المجرم والمخرب لقد دمرت وخربت بيتنا وانت السبب في دمار بيوت الناس . فقال لها الشيطان لست وحدي في التخريب  بل هناك من هو اقوى وكيده اكبر . فقالت العـجوز تقصد بذلك انتم يا معشر النساء أليس هذا صحيحا ؟ فقالت العجوز وردة نعم هذا صحيح ولكن نحن معـشر النساء نستطيع التخريب والتصليح في وقت واحد  .

هنا وقف الشيطان قليلا يتأمل وقال لم يحصل لي الشرف في هكذا امور ،  اطلب منك ايتها العجوز ان تعملي فعالية واحدة كي اصدق ما تدعـين به , قالت العـجوز اعـرف بأنك لا تصدق ولكن رافقني  في الغـد قبل غروب الشمس ولكن بشرط ان لاتتكلم او تسأل الا بعـد ما انتهي من العمل . وافق الشيطان على  الشرط  والموعـد في اليوم التالي  قبل الغـروب .

جاء الشيطان محترما ساعة الموعـد كما اتفقا . واخذ يسير بجانب العجوز(( وردة)) بدون كلام  او سؤال ، حيث ذهبوا الى  سوق كبير ودخلا محل بيـع الأقمشة  وأشارت  العـجوز إلى قماش فيه نقوش والوان زاهية لايصلح الا للشباب الصغـار . وكانت تروم  الشراء منه ، فقال التاجر للعجوز ايتها العجوز ان هكذا قماش لا يليق بك كما انه غـالي الثمن  فماذا تفعـلين به .

هنا استعملت العجوز فنها فسكبت دموع التماسيح  وقالت للتاجر انا لا استعمل هكذا اقمشة اعرف انها لا تتناسب وعمري ، ولكن ابني ((سالم)) انه وحيدي ويامرني ان اشتري له مثل هذه الاقمشة  ليهديها الى صديقته .  ابتاعـت العـجوز عدة أمتار من  نفس القماش ثم وضع في كيس من الورق  وخرجت من المحل ومعها الشيطان ولكنه ساكت لا يسطيع الكلام (مسكين ) .

بعـدها ذهبت العـجوز ((وردة)) إلى دار التاجر صاحب محلات القماش ، طرقت الباب فخرجت زوجة التاجر ( حسينة ) فقالت اهلا  تفضلي  ، قالت العـجوز أريد أن اصلي فقط قبل ان تفوتني صلاتي لان بيتي بعـيد جدا دخلت العجوز واقامت صلاتها وبعـد أن انتهت تركت الكيس الذي فيه القماش في بيت التاجر الذي ابتاعـت منه القماش .

وعندما اسدل الليل ستاره وقفلت ابواب المحال التجارية ذهب التاجر الى بيته وبعـد العـشاء دخل غـرفته يروم الصلاة فوجد الكيس وبه نفس القماش الذي ابتاعته العـجوز من محله . فشك الرجل بزوجته وغـضب كثيرا ففكر بكلام العـجوز وتحسب بأن زوجته هي صديقة ((سالم)) ابن العـجوز(( وردة)) فطردها خارج الدار ، ولكن المرأة قامت تبكي وتقول لما كل هذا ماذا فعـلت ؟ في هذه الاثناء كانت العجوز تنتظر خارج الدار وعندما خرجت ((حسينة)) أخذتها العـجوز إلى دارها وهي تقول :

ان كل الرجال هكذا يأتون الى البيت ومن شدة تعـبهم من العـمل يصبحون قليلي الصبر . وبعـد منتصف الليل كانت دوريات الحرس الليلي تجوب شوارع بغـداد وبأيديهم صفارات تعـلن عن وجودهم . عندما سمعت العـجوز صوت صفارات الحرس أخذت تصيح وتنادي ايها الحرس تعـالوا وشاهدوا ماذا يجري في داري عندما جاء الحرس ملبـين استغاثة العـجوز قالت: بأن ابنها ((سالم)) قد جلب عشيقـته لتشاركه الفراش ، قام الحرس بأخذ ((سالم)) و((حسينه)) زوجة التاجر إلى مخفر الشرطة وتم حجزهم ..

في الصباح الباكر قبل بداية الدوام الرسمي جاءت العـجوز إلى مركز الشرطة لترى ابنها فأذن لها الحرس بالدخول فدخلت عـند حسينة وقالت لها البسي عـبائتي واذهبي إلى البيت (بيت العجوز) ونفذت حسينة بالتمام ما امرتها العجوز ان تفعـل . وعندما جاء مسؤولي المخفر والضباط قامت العجوز تصرخ وتقول اين الدين اين العـدل فقال مسؤول المخفر ماذا بها هذه العجوز وماهي قصتها اجلبوها لي لافهم منها ماتريد .

عندما وقفت امام باب ضابط المخفر قالت له كيف يأتي حرسك في الليل ويقـتادوني أنا وابني ((سالم)) ويتهموني بأنني عشيقـته فهل يقبل الدين بهذا . فأمر الضابط بالافراج عن العجوز وابنها ومعاقبة الدورية الليلية . وبعد ذلك ذهبت العجوز الى بيتها واخذت(( حسينة)) وقادتها الى باب دارها وطرقت العجوز الباب ففتح التاجر وقال : ماذا تريدين ايتها العجوز ؟ قالت يوم امس دخلت هذا البيت عند المساء وصليت فيه ونسيت القماش الذي اشتريته من السوق ارجو ان تجلبه لي ؟

عندما سمع التاجر هذا الكلام ندم على ما فعـله بزوجته كونه طردها من البيت بدون ذنب او سبب وذهب التاجر لجلب القماش وامرت العـجوز ((حسينة)) بالدخول الى البيت وعندما شاهدها صاح مندهشا تعالي ايتها المرأة اين كنت انا اصابني مس من الجنون انت ماذا بك فأدخلي الى بيتك . فقالت العجوز للشيطان فعلت كل هذا ولم يعلم احد بما جرى وما حدث . لقد انبهر الشيطان بما حدث وما شاهده فركع امام العجوز وقال ان فعلكم اقوى وسحركم اشد واكثر فاعلية بين الناس .........