اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• إسقاط الجنسية العراقية والصراع بين المواطن والدولة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل عبد الأمير الربيعي

مقالات اخرى للكاتب

إسقاط الجنسية العراقية والصراع بين المواطن والدولة

 

    يشكل المكون العراقي  من المكونات القومية( العربية والكردية والتركمانية) , أما الديانات فهي (الإسلام والمسيحية واليهودية والصابئة المندائية والأزدية), والديانات  مكون موجود قبل وجود الدولة العراقية ,لكن كان هم الساسة تفريغ العراق من محتواه  لأكثر من مرة من تهجير قسري وتسفير , المكون العراقي ذو الألوان المتعددة تشبه اللوحة التشكيلية, فقد هجًر من العراق بعد دخول القوات الأمريكية عام2003 ما قد يصل إلى مليوني نسمة, من تهجير إلى داخل العراق أو إلى خارجة في الدول المجاورة أو الدول الأوروبية.

    بدأ أول تهجير لأبناء العراق  في العهد الملكي  في أواسط الأربعينات من القرن الماضي ,بسيناريو عراقي بريطاني صهيوني, مدعوم من منظمات الحركة الصهيونية,فقد كان لليهود دور في حركة التجارة العراقية في بغداد ومنها كان الإنطلاق للهجرة إلى مدن جنوب العراق قبل وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة , ولكن بعد حركة رشيد عالي الكيلاني ومفتي الديار الفلسطينية أمين الحسيني عام 1941 الدور الكبير لمضايقة يهود العراق ودعوة منظمات الفتوة التي شكلها يونس السبعاوي إلى فاجعة الفرهود التي طالت أملاك وأرواح يهود العراق ,إذ ترك بغداد وحدها من الطائفة اليهودية أكثر من مائة ألف شخص, وهؤلاء يمثلون خمس سكان العاصمة  بغداد , ويمثلون تجارة العراق لامكاناتهم المادية وعقليتهم التجارية ,فقد شغلوا معظم الأعمال المهمة  في العراق , كما شغلوا مقاعد أعضاء غرفة تجارة بغداد  وأول وزارة مالية بعد الإحتلال البريطاني للعراق المتمثلة بشخص ساسون حسقيل, كما ولهم الدور الكبير في مجال الأغنية التراثية العراقية  وريادة تلحينها من قبل كبير الملحنين  الموسيقار صالح الكويتي وأخيه داود الكويتي,ولليهود مساهمة كبيرة في مجال النشاط الوطني العراقي وأحزابه اليسارية, ومجالات الأدب والإقتصاد , ولكن بتهجيرهم القسري تركوا فراغاً كبيراً في الحياة العراقية ,بعد سحب جنسيتهم العراقية وإسقاطها بدعوة من الحكومة العراقية عام1951 بقرار ملكي ومصادرة أموالهم وأملاكهم وحاجياتهم النفيسة.

    بعد هذا التهجير المكره تحولت أعمال اليهود في التجارة وسوق الشورجة إلى شريحة أخرى من المجتمع وهي القومية الكردية الفيلية ,ومن المناطق الغربية للعراق من عانة وكبيسة, فقد مسكوا بمفاصل الحياة داخل الأسواق والتجارة ,إذ أصبحت منافسة للسلطة الحاكمة في التجارة, لكن الكرد الفيلية  لم يسلموا من الاضطهاد  وكأن حكام العراق متقصدين إثارة النعرات القومية  والطائفية والدينية وإفراغ المكون العراقي من مكوناته القومية والمذهبية ,فشملت هذه القومية مثل ما شملت الديانة اليهودية  التهجير بحجة التبعية الإيرانية , هذا التعسف للحكومات دور في إستخدام  واصدار قانون بذلك ,فثمة العديد من عراقيي المولد, ربما حتى الجد الخامس يصنفون اليوم في عداد عديمي  الجنسية, فقد أبعدوا عن البلاد بعد سحب مستمسكاتهم ووثائقهم ومصادرة أموالهم وأملاكهم برحلة صعبة عير الجبال والوديان سيراً على الأقدام لحين الوصول إلى القصبات الإيرانية ,كان من ضمن من هجروا تجار العراق ومعارضي سياسة الحزب الحاكم من الأحزاب الدينية واليسارية,إذ ولد مشكلات كبيرة ما تزال قائمة لحد الآن , هؤلاء نموذج لأكبر مشكلة في التأريخ السيء لقانون الجنسية العراقية.

    كان الكثير من العراقيين ذو الأصول العربية يلجئون إلى التهرب من إداء الخدمة العسكرية في العهد العثماني, ولذلك يلجئون إلى التجنس بالجنسية الإيرانية, فقد أصدرت الحكومة العراقية الملكية قرار في صباح يوم 6 آب 1924 على من يحمل الجنسية العثمانية من سكنة العراق من حقهُ حمل الجنسية العراقية وإزالة الجنسية العثمانية , فكانت الجنسية مسرحاً للصراع بين الفرد العراقي والدولة العراقية, ولو تمعنا بتأريخ الدول الأوروبية نلاحظ أفراد هذه الدول كل من أقام في البلد أكثر من خمس سنوات ويقدم طلب للحصول على الجنسية لذلك البلد المقيم فيه يحصل عليها وفق  شروط محددة, لكن من هجًروا من الأراضي العراقية من كل الطوائف والمذاهب والأديان والقوميات كانوا مقيمين  عشرات ومئات السنين في العراق وقبل تشكيل الدولة العراقية , قد رحلوا بسبب دوافع سياسية مقيتة , ومن الأكراد الفيلية الذين رحلوا من العراق ما يقارب نصف مليون فرد إلى إيران بدوافع سياسية , ورحلة يتفطر لها الفؤاد عبر الحدود الجبلية والوديان لآيام وأسابيع بدون ماء وغذاء, وقد قتلوا  الكثير ممن هجًروا والبعض اعتدى عليهم من قبل عصابات النظام وبعض قطاع الطرق .

     الجنسية أو هوية الأحوال المدنية , هذه البطاقة الورقية التي من الممكن تزويرها بعدة وسائل وبدفع المبالغ لعصابات المافيا المعروفة في سوق مريدي , هل هي تمثل الإنتماء الوطني الحقيقي للبلد , أم الإنتماء هو الاخلاص لهذا البلد وحماية أمنه واحترام نظامه  والانسجام مع  المواطنين والعمل لبناء البلد والدفاع عنهُ من الاعتداءات الخارجية, لكن نلاحظ دوائر الدولة في الحكومات السابقة والحالية قد اعتمدت  على إذلال المواطن العراقي بمطالبته عند المراجعات بالأربع المبشرة بالمواطنة( هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية) وهذا يعني التشكيك بانتماء المواطن وحب التسلط واحساسة بالخوف والرعب إذا فقد احد المستمسكات أو لم يتمكن من الحصول على أحدها, مما يأخذ المواطن بالتململ والشعور بالاضطهاد ورفض الهوية العراقية ومحاولة الهجرة إلى دول أخرى يحس فيها بالآمان والاستقرار  وشعوره بالكرامة والمواطنة في بلده الثاني,وأنا متأكد  من السياسيين الحاليين يعلمون بذلك علم اليقين, ويعلمون إن الحصول على الجنسية في بلد أوروبي  بعد حصول المهاجر على الاقامة بخمس سنوات من الممكن حصوله على الجنسية لذلك البلد, والجنسية لا تعني البطاقة الورقية التي نحملها وإنما رقم مدني يحتوي على كل ما يتعلق بالمواطن لسهولة الرجوع اليها في مراجعاته للدوائر المعينة لأسباب شتى ومن غير الممكن تزويرها أو تحريف  معلوماتها, والاستفادة منها لأغراض إحصائية شتى تخص الوضع الاقتصادي والحالة الزوجية والأطفال والمهنة والعمر والسكن حتى الأمراض التي يحملها المواطن وبعض المعلومات كحسن السلوك وغيرها, ولذلك يستوجب الاستعجال  بالتعداد السكاني الذي يمثل مرحلة كبيرة لمعرفة  أعداد المواطنين  والمعلومات  الكثيرة التي تفيد دوائر الدولة المعنية.

   لكن التعسف  والقهر الذي ألحقتةٌ الحكومات المتعاقبة بالمواطن العراقي تحت طائلة القانون بكل أدوارها وعهودها, فقد كانت هذه الحكومات تحمل تراث قديم بتهديد المواطنين بسحب الجنسية العراقية أو اسقاطها من المناوئين لها لأسباب عده, ولكن على الحكومات إبعاد فكرة الجنسية عن الولاء لها وإلغاء مثل هكذا قوانين تهتك حقوق المواطن, ولو نراجع ذاكرتنا لسنوات سابقة تثبت  لنا بأن عدم الولاء للوطن والشعب والأهداف القومية  والمذهبية للحكومات المتعاقبة , كانت  سبب اسقاط الجنسية العراقية بدوافع دينية وقومية , فقد أسقطت الجنسية عن معارضي الحكومات الملكية السابقة , فكانت من ضحايا اسقاط الجنسية  الكثير من المواطنين والوطنيين أمثال: الراحل زكي خيري وبهاء الدين نوري وعزيز شريف وتوفيق منير وكامل قزانجي والشاعر الكبير كاظم السماوي والدكتور الراحل صفاء  الحافظ وعدنان الراوي وعبد القادر اسماعيل البستاني والشيخ مهدي الخالصي , كلها لأسباب سياسية تتعلق بعملهم في الأحزاب اليسارية أو  وقوفهم ضد النفوذ البريطاني في العراق.

   كانت لقرارات مجلس الوزراء السابق الدور في استخدام  الجنسية العراقية كورقة ضغط بوجه معارضي الحكم آنذاك , بسبب تجليات الصراع السياسي في العراق, وكان لدور  حكومة نوري السعيد والاحتلال البريطاني والمنظمات الصهيونية وراء قانون اسقاط الجنسية العراقية  عن يهود العراق وفي الوقت الحالي للسياسيين الحاليين ذات البعد الطائفي الدور في عدم إعادة الجنسية العراقية لمن هجًر من هذه الطائفة اليهودية المظلومة, وللباحث اليهود العراقي مير بصري قد أثبت في مذكراته, عن اسباب اصدار مجلس الوزراء  قانون اسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق تلقائياً بل نص على أن:( لمجلس الوزراء ان يقرر اسقاط الجنسية عن  اليهودي العراقي  الذي يرغب باختيار منهُ ترك العراق نهائياً , بعد توقيعه على استمارة خاصة, أمام الموظف الذي يعينهُ وزير الداخلية),فشمل هذا القرار مائة وخمسين ألف يهودي عراقي  بفعل الإضطهاد  المفتعل بحق يهود العراق , مما أدى إلى ترك دورهم وآثاثهم ومؤسساتهم ومعاهدهم  ومدارسهم, ومستشفياتهم وأوقافاً واسعة, وهذا من حق من هجًروا المطالبة بها في الوقت الحالي.

     إن مفهوم المواطنة هو الإنتماء الحقيقي للوطن ولتربتهِ, تترجل القوانيين حسب أهواء السلطة  مما يحمل المواطن العراقي التهجير القاسي والفجيعة التي يتحملها , ولعل قانون الأحوال المدنية في كل دول العالم يرفض التعسف بحق  المواطن, لا كما يحدد وفق درجات لمواطني العراق وهي( ألف وباء وجيم): حيث (ألف) يمثل العراقيين الذين كانوا في العراق منذ العهد البريطاني, و(باء) هم العراقيون الذين ترجع أصولهم لغير الدولة العثمانية, و (جيم) هم من تجنسوا بالجنسية العراقية لاحقاً , وأنا أتساءل , لماذا هوية الأحوال المدنية ولماذا شهادة الجنسية العراقية ؟ هل هي دراسة بحق الأحوال المدنية ليمنح  للعراقي شهادة التخرج من جامعة الأحوال المدنية العامة أو مدرسة قانون الأحوال المدنية.

      علينا بعد هذا الإيجاز المطالبة بتغيير قانون الأحوال المدنية , الذي ألحًق الأذى والتعسف بحق شريحة كبير من العراقيين , وأن لا تحدد من هو عراقي المهجًر سواء حسب القومية أو الديانة, إذ يطالب باعادة الجنسية لمن هجروا من القومية الكردية الفيلية وتمتنع عن إعادة الجنسية ليهود العراقيين بدوافع شتى, وأنا أتساءل من هو المواطن العراقي؟ هل هو من يحمل  البطاقة الورقية ومن ثم نقتلهُ بالتهجير وبسحبها وفق الأهواء ونعيدها لهُ وفق الأهواء القومية والدينية والطائفية .

   لقد عاش العراقي المهجًر والمهاجر في المنافي والبعض قد رحل  عن الحياة ودفن في أرض العراق أمثال فنانة الشعب زينب(فخرية عبد الكريم) وأبو كاطع( شمران الياسري) وغياب أبو سرحان( ذياب كزار) ورحيل جان دمو(دنخا) ورحيل زكي خيري ورحيم عجينة والشاعر عبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري والمفكر هادي العلوي الذي رفض الجنسية العراقية بسبب قصف الطاغية السابق لأكراد العراق  بالغاز الكيمياوي , برسالة براءة إلى أطفال كردستان , إستنكاراً لجريمة العصر وتخليه عن هويته العراقية , إذ كان جزءاً من نص برائتهِ هذا:                                                                             (أي عشق للقتل  يكسب هذا الرجل , الذي لم يعد قادراً  على العيش خارج هذا النهر؟ .... إن أي قاتل محترف جائع , مريض قد يمر بفترة إستراحة يتكلم بها مع نفسه.... أباد من رعاياه في المدة ما بين 1968 و1980 قرابة عشرين ألفاً , معظمهم بوسيلتهُ المفضلة : التعذيب... يهجم الجنود العراقيون على القرى الكردية لينفذوا خطط إبادة منظمة كما تقول حرفياً منظمة العفو الدولية ... لم يسأل الطيار نفسه على من يرمي قنابلهُ الكيمياوية .. كلا أبداً , بل أقولها عن تثبت ونحن أبناء قرية واحدة كما يقول المثل العراقي إنهُ سيعود بعد أن يفرغ حمولته على غرف  نومهُ ليحدث زوجته أو عشيقتهُ عن بطولتهُ لذلك اليوم.

   أيها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريتهِ الصغيرة على فراشه أو في ساحة لعبهِ , هذه براءتي من دمك أقدمها لك, معاهداً أياك ألا أشرب نخب الأمجاد الوهمية لجيوش العصر الحجري , ولا أمد يدي إلى واحد من أنظمة العصر الحجري , أقدمها لك على إستحياء ينتابني شعور بالخجل منك ويجللني شعور بالعار أمام الناس , إني أحمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك وليت الناس أراحوني منها حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز أنا المفجوع لك, الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل , في زمن حكم الذئاب  البشرية الذي لم نعد نملك فيه إلا البكاء.

اقبلها مني أيها المغدور !  فهي براءتي اليك من هويتي)   .المصدر :مجلة رسالة العراق العدد94 تشرين الثاني1988.

      بهذا النص أعلاه يرفض المفكر الراحل هادي العلوي هويتهُ العراقية لما طالت أيادي الظالم أبناء شعبه وقتل أطفال كردستان بغاز الخردل, واليوم الكثير من شباب العراق بعد غياب الأمان وأبسط مستلزمات العيش الرغيد والحر , يلجئون إلى دول أوروبية تحقق لهم  أمانيهم وتطلعاتهم لحياة حرة وكرامة انسانية,فيكتسبوا هوية الوطن الذي آواهم  وحافظ على حياتهم ويتخلوا عن هوية الوطن الأم بعد أن يأسوا من بلد سلب حريتهم وكرامتهم وعيشهم الرغيد, إذ أصبحت المدن العراقية مدن متهالكة تتناثر فيها النفايات والمياه الآسنة وتفشي الفساد والتزوير في دوائر الدولة وإنعدام  السعي لاصلاح هذا الوطن, وتكثر البطالة لشباب في ريعان العمر, بلد أصبح تهريب الأموال هواية ساستهُ وتقاسم المغانم والمقاعد المهمة في الدولة ولا تهابهم مسيرات الجماهير المطالبة بتوفي الخدمات وفرص العمل واصلاح النظام السياسي , فمن غير الممكن اصلاح النظام ما لم يعاد النظر في الدستور  وقانون الانتخابات وقانون الأحزاب واقراره , وتنفيذ مهمة التعداد العام للسكان.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.