حسن الخفاجي 

 مقالات اخرى للكاتب

    قضية الكلب اوريل

تمتع الكلب اوريل برعاية واهتمام لم يتمتع فيها اغلب بني البشر , ولم يتمتع بها أكثر من 95% من العرب . تضامن اغلب من عرف بقضية الكلب اوريل من الأمريكان مع  مالكته . حظيت قضيته بمتابعة كبيرة , عندما أعلنت الشرطة عن أرقام  مخصصة للإخبار عمن يعرف شيئا عن , الذين اقترفوا الجريمة بحق الكلب , الأكثر من ذلك ان ضابط شرطه كبير تعهد لمالكة الكلب بكشف المجرمين وإحالتهم إلى القضاء .

دس شخص مجهول السم  إلى الكلب بواسطة قطعة من اللحم . وجد الكلب مغميا عليه وبقايا اللحمة إلى جانبه , نقلته مالكته إلى المستشفى البيطري وهو في حالة غيبوبة.  ادخلوا الكلب غرفة العناية  المركزة , وحقنوه بمضادات للسموم , واجروا له الإسعافات. ظل الكلب في حالة غيبوبة مدة تزيد عن 24 ساعة , مالكته لم تغادر المستشفى ودموعها لم تجف , تجهش بالبكاء كلما كلمها أحد عن الكلب , أو جاء احد المتضامنين معها لزيارته. أخبار الحالة الصحية للكلب كانت تنقل من المستشفى أولا بأول , بعد أسبوع غادر اوريل المستشفى مصابا بالشلل التام , بعدما تمكن السم من إتلاف خلايا الدماغ , مع ذلك أصرت مالكته على أخذه , وأبدت الاستعداد التام للعناية به إلى آخر يوم في حياته . الفضائيات غطت خبر خروجه من المستشفى , حيث رافقته في عودته إلى بيت مالكته . ظلت الشرطة تبحث عن الجاني , والإعلام ما انفك يذّكر بأرقام الهواتف المخصصة  لتسلم المعلومات عن الجناة !.

 متى حدثت قضية الكلب اوريل ؟

حدثت في اليوم نفسه الذي وقعت فيه معركة الجمل المصرية التي يعرفها الجميع.

 اخبرني صاحبي بقصة اوريل , بعدما أنهى صاحبي حديثه أجهشت بالبكاء . تعجب صاحبي وقال: (يابه خجلتني , تره اوريل بعد حي يرزق وقضيته صارت قديمة). قلت أنا لا ابكي على اوريل , أنما ابكي على حال العراقيين والعرب , الذين لا يتمتعون بالحدود الدنيا لما حظي به اوريل من رعاية طبية واهتمام إعلامي .  بكيت من يموتون بالجملة من أوبئة وأمراض من اليسر علاجها في الخارج . بكيت على من يموتون  من الجوع. بكيت من ماتوا ويموتون ولم  يحظوا بـ 1% مما حظي به اوريل . بكيت الشباب العربي الثائر المتسلح بالإيمان , وهو يواجه بطش السلطات بصدور عارية , وأفكار حالمة بالغد المشرق . تألمت على طريقة التعامل التي تعاملت بها الحكومات العربية مع المحتجين على الظلم والفساد , الشباب الذين ينشدون التغيير للأحسن , الشباب الذين غيّروا الصورة النمطية المرسومة عن العرب : كونهم شعوب مخدرة , ومتخلفون,  ومصابون بالشبق الجنسي , ولايحسنون غير ركوب الجمال , والعيش في الصحاري . الشباب الذين اثبتوا ان حب الحياة الكريمة , والتمتع بمباهجها أقوى وأكثر بملايين المرات ممن يبحثون عن الحور العين , وينتحرون ويقتلون الآخرين . بكيت على  المنتفضين , الذين مازالوا يعانون من فتاوى شيوخ دين متخلفين , ماانفكوا يفتون لليوم دون حياء بحرمة الخروج على الحاكم الجائر طالما كان الحاكم  مسلما . الشباب الذي توحدت ضده كل أدوات القمع العربية الرسمية , وتجمع ضدهم كل الطغاة العرب, ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي , الذين عقدوا مؤتمرا مهمته محاصرة ثوار البحرين وسلطنة عمان . الشباب أولى بالعيش والتنعم بمباهج الحياة , لا ان يرسم الحكام على صدورهم العارية ايقونات الظلم والتسلط  بالرصاص , ويفجعوا أمهاتهم بقتلهم .

مالكة الكلب اوريل لم تتخلى عن كلبها المعاق , في حين تخلى كل الحكام العرب الطغاة وحاشيتهم عن شعوبهم .

ماذا يريد حاكم ليبيا من الليبيين بعد 42 عام من حكم ليبيا ؟.

ماذا يريد حاكم اليمن بعد حكم استمر لأكثر من 32 سنة ؟.

ماذا يريد حاكم الخليج والعرب من شعوبهم بعدما سرقوا نفطهم وامتصوا رحيقهم؟.

بكيت لأنني أصبحت مثل الشيخ التونسي الذي صورته قناة  الجزيرة وهو يقول: (لقد هرمنا , لقد هرمنا , من اجل هذه اللحظة التاريخية). بكيت عندما تذكرت كيف انفرد صدام بسلاحه الثقيل بثوار انتفاضة شعبان (آذار)  في العام 91, والعالم كله  كان يتفرج ويتواطأ على قتلنا . تذكرت أقبية سجون صدام وأقبية  سجون الحكام  العرب ومن استشهدوا فيها من  الأحرار .  تذكرت شهداء وجرحى تظاهرات السليمانية وكركوك والبصرة والكوت والرمادي والموصل وبغداد  . وقلت: هل يجوز لنظام يسير بخطى نحو الديمقراطية ان يستعمل الرصاص الحي مع شعبه؟.  تذكرت شهداء وجرحى اليمن والبحرين وعمان ومصر وتونس وليبيا . قبل ان أكمل  مشوار البكاء قلت؟ هل يجوز للعالم المتحضر الذي يهتم بمصير كلب ان يظل يتفرج على الآلاف الشبان العرب وهم يقتلون مرات عدة؟ يقتلون برصاص الحكام , وتخلفهم , وقواهم الأمنية , وبلطجية أحزاب السلطات ورجال الحكم , ومنظمة دينية  تفتي حسب الطلب , وإعلام اعور منحاز يرى الحدث من زاوية واحدة .

بعض القنوات الفضائية العربية سمت ما جرى في تونس ومصر وليبيا  ثورات وانتفاضات , وسمت ما يجري في البحرين مطالب طائفية , وسكتت عن المذبحة التي ارتكبتها سلطات حمد البحرين بحق المتظاهرين المعتصمين في دوار الؤلؤة , وسمّا انتفاضة العمانيين واعتصامهم بالاعتصام ألمطلبي , ولم تذكر خبر التظاهرات في  السعودية !!!.

أنا فرح جدا , اشكر الله كثيرا لأنني مازلت على قيد الحياة , وشاهدت نهاية صدام ونظامه , ونهاية بن علي في تونس , ونهاية  مبارك في مصر. أتمنى ان تكتحل عيوني وعيون الشعوب العربية برحيل آخر الحكام الطغاة , لتنعم الشعوب بالحرية والديمقراطية والتقدم

(العزاء الكبير للمضطهدين والمسحوقين ان يعتقدوا انهم أسمى من الطغاة) جوليان غرين

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

روابط ذات صلة

http://www.alarabiya.net/articles/2011/03/05/140290.html

http://www.youtube.com/watch?v=Zd_Q9E4oSO8