اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

جدلية العلاقة بين الدين والسياسة والقيم الأخلاقية// د. عامر ملوكا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عامر ملوكا

 

جدلية العلاقة بين الدين والسياسة والقيم الأخلاقية

د. عامر ملوكا

 

طالما اثارت العلاقة بين الدين ورجال الدين من جانب والسياسة ورجال السياسة من جانب اخر الكثير من الجدل والآراء المختلفة ،لان للدين ورجال الدين في مجتمعاتنا الشرقية مكانة واحتراما ومصداقية اكثر من رجال السياسة طالما كان رجل الدين بعيدا عن السياسة. ولان السياسة متحركة حسب المصالح والدين ثابت بحسب المبادئ والعقائد.  الدين مقدس والسياسة مدنسة ، السياسة تتطلب المراوغة وتبديل المواقف ومتحركة هي حتى المبادئ التي يؤمن بها السياسيون. أما رجل الدين لا يمكنه لعب مثل هذه الأدوار ومجال حركته هو النصح والدعوة للخير للجميع والوقوف مع الجميع لمصلحة الجميع وان خرج عن هذه الدائرة فقد يخسر مصداقيته ويفقد المكانة والاحترام من قبل المجتمع . وعندما يتعاطى رجل الدين السياسة عليه ان يتعامل معها بصفته مواطن فقط وليس كرجل دين، والدين يهدف الى نشر المبادئ السمحة والقيم الأخلاقية والإنسانية ، اما السياسة فغالبا ما تؤمن وتعمل بالمبدأ الميكافيلي النفعي (الغاية تبرر الوسيلة) .

 

ولابد من ان نعرف السياسة والدين والقيم الأخلاقية لنتعرف بعد ذلك على علاقة السياسة والدين بالقيم الأخلاقية وعلاقتهما مع بعضهما. فالسياسة هي فن وموهبة إدارة المجتمعات الإنسانية وحمل المسؤولية في اتخاذ القرارات وتسيير امور الجماعات او الدول والتوفيق بين كل التوجهات لخدمة الصالح العام.

 

اما مفهوم الدين فهو وضع إلهي يدعو المؤمنين بهذا الدين الى القبول بما موجود في الكتب المقدسة التي يؤمنون بها ، أي ان الله او أي قوى عظمى هي مبدأ الدين والانبياء هم الواسطة بين الله والانسان العاقل.

 

اما الأخلاق فهي منظومة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري وتقود الانسان الى تطبيق القيم المثلى نحو ما يعتقد أيضا أنه خير وتجنب ما ينظر إليه على أنه شر، لترتقي بالإنسان بعيدا عن سلوكه الغرائزي.

 

الاخلاق والقيم الأخلاقية تتسم بالشمولية العالمية فكل ما هو مثل عليا وما هو خير تتفق عليه معظم المجتمعات لأنه نابع من طبيعة الإنسان، وكل ما هو شر ولا يخدم الانسان او المجتمع فهو متفق عليه أيضا لدى معظم المجتمعات باعتباره يخالف خير الإنسان أو المجتمع، ومن هذه المنطلقات تشكلت الهيئات الدولية ووضعت أنظمتها الداخلية والتي وقعت عليها معظم الدول وبالتأكيد الدول المتحضرة والمدنية.

 

اما الدّين، فلا تنطبق عليه نفس المعايير التي تنطبق على الاخلاق ففي كل مجتمع معتقدات وثوابت قد تختلف من مجتمع الى اخر. فأحيانا نجد ان الدين والأخلاق يكونان في علاقة إيجابية وخاصة عندما يكون الدين قاعدة تنظم العلاقة بين الله والانسان وبين الانسان واخيه الانسان مهما اختلفت المسميات لهذا الانسان. واحيانا أخرى تكون العلاقة بين الدين والأخلاق علاقة سلبية خاصة اذا  ما فهم الدين على كونه شرائع واحكام ثابتة لا تتبدل، ففي هذه الحالة سوف يبتعد الدين عن القيم والمثل الأخلاقية التي يقرها المجتمع المدني باسم المساواة الاجتماعية، مما يؤدي الى عدم قبول الاخر وجعل كل من هو خارج ال انا وال نحن عدوا وغريبا ويجب ابعاده والقضاء عليه. ولهذا نجد معظم الدول المتحضرة التي اعتمدت القيم والمثل الأخلاقية في دساتيرها وقوانينها تقدمت وتطورت ومعظم الدول التي اعتمدت على الدين وحده وبصورة آحادية ومنغلقة جامدة في قوانينها ودساتيرها لم تستطيع مواكبة التقدم الحضاري والارتقاء بالإنسان ليصبح انسانا حضاريا.

 

معظم السياسيين ان لم نقل جميعهم يطبقون المفهوم الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وبحسب هذه النظرية لا ضير من ان يتبع السياسي كل الوسائل وان كانت غير أخلاقية لتحقيق أهدافه واهداف الدولة او الحزب الذي يقوده، وحسب ميكافيلي أن الاخلاق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها، وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار بسرعة. اما ارسطو وافلاطون فيعتبرون ان السياسة والأخلاق لابد من ان تلتقيان، وأن وظيفة الدولة الاساسية هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق. وافلاطون أكد إن أساس الحكم أربع فضائل هي: الحكمة، وهذا هو الجانب الفلسفي؛ والشجاعة، وهي الجانب الطبيعي؛ والعفة، وهي الجانب النفسي؛ والعدالة، وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس.

 

اما علاقة السياسة والسياسيين بالقيم الأخلاقية وخاصة في الدول النامية (النايمة) يكون فقط على مستوى النظام الداخلي لأحزابهم او على الورق فقط واما الواقع العملي من خلال الأفعال والتصرفات والنتائج فهي ابعد ما تكون عن ممارسة القيم الأخلاقية في عملها وخير مثال على ذلك الأحزاب والسياسيين في العراق الجديد بعد عام 2003.

 

اما علاقة الدين بالسياسة :

المسيحية اكدت من خلال شخصية وتعاليم السيد المسيح بأن هناك فصلٌ بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي. فان كان تدخل رجل الدين في الشأن الوطني او السياسي العام باسم تحقيق العدالة والحقوق العامة والمساواة في المواطنة، فلا ضير، بل تلك حالة صحية، إذا بقيت صوتا نبويا وليس تدخلا فعليا في فعل السياسة وتطفلا في الإدارة العامة ذاتها، أو أداة بيد من يحركها.

 

 ان هذه الآراء لا يمكن ان نعتبرها تدخلا بالسياسة بقدر كونها تدخلا بالشأن السياسي العام او بالشأن الوطني من خلال الحفاظ على العيش المشترك والحفاظ على التواصل بين ابناء الشعب الواحد وبالتالي تطبيق القانون والدستور. اضافة الى محاولة اعطاء قيمة إنسانية وروحية للقانون الدنيوي، او بمعنى اخر للحياة السياسية، وكلما استطاع رجل الدين التوفيق بين القانون الالهي المقدس والمبادئ الإنسانية الطبيعية الشاملة، فهو يتحرك ويتكلم من حيث يمثل المسؤولية عن توجيه الفكر الانساني نحو الحق والإنسجام مع القانون الطبيعي الذي نتوصل اليه بالعقل كلما كانت مساهماته ودوره في الحياة السياسية العامة فاعلة ومؤثرة ومرغوب بها.

 

وينبغي على رجل الدين ان لا ينسى ان الخطاب الديني يحتاج الى صياغة دقيقة ومباشرة والى اقتصاد في الأقوال، إضافة الى ضرورة قلة الظهور المتكرر وخاصة في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، وذلك حفاظا على مكانته وتوازن  كلمته ومواقفه وعلاقاته المؤثرة إيجابا، وتظل للدين القداسة التي تشمل الجميع، والتي قد تتأثر عندما يتحول الدين الى ايدولوجية سياسية وقانون، ويبدو رجل الدين متحيزا الى جانب دون آخر، ولا مناص من الوقوع في هذا الفخ، إذا ما انزلق تدريجيا في خانة الدعاة المصلحين، أو وقف مع هذا المتنفذ، وتهجم على ذاك أو تبرأ منه، فحسب له ذلك تزلفا أو انحيازا. التوازن والفطنة والوضوح في الخطاب لا تنفي الصدق والشجاعة في قول الحقيقة وفضح الخطأ.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.