اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

نداء اليقظة .. وفيك انطوى العالم الأكبر -//- محمد قاسم الصالحي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نداء اليقظة .. وفيك انطوى العالم الأكبر

محمد قاسم الصالحي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

القفز خارج دائرة الإمكان أمر غير ممكن، وكذلك الانسياق التام خلف السلوكيات المفروضة من خارج الذات، هي الأخرى ستنأى بك بعيدا عن طبيعة ذاتك؛ وبما يعد ضياعاً لك، وتكريساً لنظرية القطيع التي تنتهي بك مُنقادا وليس قائداً (لنفسك على الأقل). ولكي لا تكون كذلك، لا بد من وقفة « تفكّر » وسط الزحام تؤكد من خلالها لنفسك بأنك « موضوعاً »  يستحق أن يدرس بعناية بالغة واهتمام كبير من قبلك أنت أولاً!، فمن غير اللائق بك السير نائما الى النهاية والبقاء هدفا لفعاليات الأطراف الأخرى، لإن الاصرار على البقاء جاهلا بنفسك هو بمثابة تطوع وبكامل ارادتك لأن تكون فريسة للآخرين.

أثبت العقل البشري في الفترات الزمنية الأخيرة كفاءة وقدرة عالية في تطوير الأشياء وتطويع الطبيعة من حوله واستثمارها بشكل أمثل بما لم يتسنى للإنسان في الفترات السابقة إنجاز ما تم انجازه خلال هذه الفترة الوجيزة من عمر البشرية. ويعود ذلك الى إدراك الانسان لحقيقة وجوده ومعرفته المستفيضة عن نفسه بشكل يتماهى مع التراكم المعرفي، وبما مكّنه من اقامة الدليل على أن جميع ما في العالم من أشياء كانت قد وجدت بشكلِ تستجيب معه للطاقة الهائلة الكامنة في دواخلنا التي نستطيع من خلالها التحكم بالأشياء.

لكن، ومع ما انطوى عليه هذا التطور السريع والهائل من جوانب ايجابية، ألا أنه في ذات الوقت أدى بالكثير منا الى فقدان أنفسهم في زحمة السرعة الجنونية للعالم من حولهم، نتيجة الاثارة التي تتركها الاختراعات المتتالية القادمة من خارج الذات، والتي تسببت بشكل أو بآخر في التشويش على الرسائل والأصوات المنبعثة من ذواتنا، وأمراً كهذا خليق بأن يرسخ معرفتنا بالآخر، لكنه في ذات الوقت يضاعف من حجم الجهل بأنفسنا!

وعلى الجانب الآخر، فقد كان للبرمجة المجتمعية التي كرّستها في ذواتنا أنماط التربية التي نشأنا في ظلالها أثرها السلبي على وجودنا الذي جعلت منه وجودا هامشيا، جُل ما يسعى اليه الوصول بنا الى مستوى توقعات المحيط الخارجي فقط، والسعي للوفاء ما أمكن بتوقعات الجميع، متجاهلين ذواتنا الحقيقية وتوقعاتها منا. ولا نعني بذلك تغليب الأثرة على الإيثار إطلاقاً بقدر الدعوة الى ايقاظ هذه الطبيعة داخل النفس قبل ممارستها تكلفا خارج الذات كيلا يكون الايثار مصدرا للإحباط ومسلكاً للعداء فيما بعد عند تخلف الآخرين عن مستوى الآمال فيهم. من هنا تنطلق الدعوة الى الوعي بالذات ومعرفة النفس أولاً وقبل كل شئ. فما هو السبيل لذلك؟

بدءً بالذرة وليس انتهاءً بالمجرة، تتكون صحيفة الوجود الخارجي « الكون الكبير » من منظومات مترابطة ومتداخلة ومتكاملة، بحيث يؤثر كل منها بالآخر لأداء وظائف وأنشطة تكون محصلتها النهائية تحقيق الأهداف المحددة لكل منها. كذلك الحال مع الوجود الداخلي فينا « الكون الصغير » الكامن في النفس الانسانية، فقد بينت الأبحاث والدراسات بأن « قوانين الكون الكبير والكون الصغير متماثلة »؛  وان القوانين التي تحكم الوجود الروحي داخل الانسان لا تقل ثباتا عن القوانين التي تحكم الوجود المادي الخارجي، فالحياة بمجملها عبارة عن دورات مترابطة يتغذى بعضها على البعض الآخر، تؤثر وتتأثر ببعضها البعض. بل أن الحقيقة التي لايمكن تغافلها هي أن جميع ما ينطوي عليه الكون المادي الكبير من مجرات ونجوم وكواكب لايعد شيئا مذكورا اذا ما قورن باللامتناهي، وأنه عرضة للتلاشي متى ما اقتضت مشيئة الله له ذلك، أما الكون الصغير الكامن في أعماق الذات الانسانية والمتمثل في حياة أي فرد منا فقد أرادت وكتبت له مشيئة الله الخلود الأبدي. ومن الطبيعي لحال كهذا أن ينطوي الكون الكبير المتلاشي يوما ما في حياض الكون الصغير الخالد أبد الدهر، وليس العكس.

وقد يسهل السبيل للوصول للذات إذا ما عرفنا بان المسافة الفاصلة بين الحلم والواقع هي (أن تستيقظ).  بما تنطوي عليه لحظة الاستيقاظ من استعادة للوعي الذي يكسبك الاحساس التدريجي بالوجود المادي الذي يجري من حولك. ولا يختلف الحال مع الوجود الروحي الكامن في أعماق نفسك « الكون الصغير » ، فالوعي أيضا هو الجسر الواصل بين ضفتي الوهم والحقيقة ألا أن الحالة الثانية المتعلقة بالروح تتجاوز عملية استعادة الوعي الى عملية انتاج الوعي عن طريق (أن تتبصّر/ تتفكر): فلحظة الاستبصار بما تستبطن من « تفكّر » هي التي تمكنك من أن تكتشف ذاتك بعد ان تستجمع الأجزاء المكونة لشخصيتك وهويتك ومن ثم الارتقاء بنفسك والوصول بها الى مراتب الكمال، لتصبح أكثر انسجاما مع الوجود، وأكثر عطاءً له وتحكماً به أيضاً.

ان التفكير وحده لايعدو عن كونه نشاطا اعتياديا للعقل قد يصل بك الى مرحلة الادراك اليقيني للعالم الخارجي – لكن – ما أن يتم توجيه التفكير عبر آلية التفكر توجيها واعيا ومنهجيا، حتى تتمكّن من اكتشاف نفسك بنفسك لتمكنها من الإنسجام مع اللامتناهي، وليكون حينها العقل الكوني مصدرك الرئيسي للإلهام. ذلك ما يمكن فهمه من نداء اليقظة الروحية، « نداء التفكّر »  الذي أطلقه أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب المتمثل في قوله (عليه السلام):

دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصـِرُ ***  وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير ***  وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَـرُ

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.