اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

التطبيقات على المياه المشتركة بين العراق وجيرانه(2)// د. حسن الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

التطبيقات على المياه المشتركة بين العراق وجيرانه(2)

اتفاقية الأمم المتحدة حول الأنهار الدولية لعام 1997

د. حسن الجنابي

خبير في الموارد المائية وسفير العراق لدى منظمة الفاو

 

تجنب إلحاق الضرر بمصالح الدول المتشاطئة

أولا:

من اهم خصائص اتفاقية الامم المتحدة حول مجاري الانهار الدولية انها اتفاقية اطارية مكمّلة للاتفاقيات الثنائية او الاقليمية التي تنظم استخدامات المياه المشتركة، وهي ليست بديلا عنها، حيث اكدت ذلك في المادة الثالثة من الاتفاقية، التي تجيز -و حسب فهمي تدعو ضمنا الى-  مراجعة الاتفاقيات الثنائية لجعلها منسجمة مع المبادئ الاساسية لهذه الاتفاقية. ونظرا لكونها اتفاقية عالمية النطاق فانها تغطي ثلاثة حالات اساسية وهي:

1 - حالة انعدام وجود اتفاقية دولية بين الاطراف المتشاطئة لتنظيم استخدامات الانهار المشتركة (كما هو الحال بين العراق وتركيا مثلا).

2 - حالة وجود اتفاقية او اتفاقيات بين بعض الدول المشتركة بالمجرى المائي الدولي وليس جميعها (كما هو الحال في حوض النيل حيث توجد اتفاقية بين مصر والسودان فقط في حين تشترك بنهر النيل تسعة دول افريقية).

3 -حالة وجود اتفاقية بين الدول المتشاطئة لكنها اتفاقية مقصورة على جوانب محددة  ولا تغطي جميع الميادين التي غطتها اتفاقية الامم المتحدة لعام 1997 (مثل اتفاقية العام 1975 بين العراق وايران او اتفاق تقاسم مياه الفرات التي تطلقها تركيا بين العراق بنسبة( 58بالمئة) وسوريا بنسبة(42بالمئة).

ثانيا:

تسري الاتفاقية على الاستخدامات غير الملاحية لمجاري الانهار الدولية فقط، ولا تسري على الاستخدامات الملاحية، الا بقدر تأثيرها في الاستخدامات غير الملاحية، وهذا ما اكدته المادة الاولى من الاتفاقية التي حددت نطاق سريان الاتفاقية. وهنا اجدُ من المفيد ذكره ان الاتفاقية استبدلت تسمية الانهار الدولية (International Rivers) بتسمية المجاري المائية الدولية (ternationalWatercourse

 وقد ازال ذلك بعض الغموض النابع من تعريف حوض النهر الدولي، كما ورد في اتفاقية هلسنكي العام 1966، والذي كان واسع الاستخدام، وهو يعني المساحة الجغرافية التي يتغذى النهر من مياهها المتجمعة الناتجة من تساقط الامطار او الثلوج عليها، و تطلق عليها بالانكليزية تسمية (atershedorCatchment). اما المجرى المائي فيقصد به عمود النهر الذي تجري به المياه فعلا. فعلى سبيل المثال ان اعتماد التسمية الاولى يجعل المملكة العربية السعودية شريكة بنهر الفرات، لان حوضه يمتد عبر الحدود الى داخل السعودية، في حين ان احتمالات اسهام المساحة الواقعة فيها بتصريف نهر الفرات ضئيلة جدا من الناحية الفعلية.

من جهة اخرى فان نهري الكارون والكرخة، الواقعان جغرافيا داخل الحدود الوطنية الايرانية، واللذان يصبان في شط العرب وهور الحويزة على التوالي، هما نهران دوليان، لانهما يشكلان جزءاً من النظام النهري الذي يضم شط العرب، وكما ورد في المادة الثانية من الاتفاقية فان هذه الانهار تشكّل جغرافيا وهيدرولوجيا "كلاًّ واحداً" وهو ما يعرف بالانجليزية (Unitary Whole). هذا فضلا عن ان المادة الثالثة والعشرين من الاتفاقية، المتعلقة بحماية البيئة النهرية وصونها، وهي مادة غاية في الاهمية، تقضي بحماية مصبات الانهار، ولا شك فان الالتزام بتطبيقها يضمن احياء عذوبة شط العرب، وتحسين الوضع البيئي في الدلتا العراقية.

ثالثا:

المادتان الخامسة والسابعة تعتبران، وفق الكثيرين، جوهر الاتفاقية وأهمّ ما فيها من مواد، وقد اثارتا جدلا واسعا ما يزال مستمرا حتى اليوم. تتعلق المادة الخامسة بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة، وهو ما يطلق عليه باللغة الانكليزية (Equitable and Reasonable Utilization) ، اما المادة السابعة فتتعلق بمبدأ مهمٍّ آخر، هو تجنب احداث ضرر ذي شأن (Significant Harm) لدى دولة جارة عند استخدام او تنفيذ مشاريع تتعلق بالموارد المائية المشتركة.

كان النقاش بشأن هاتين المادتين يدور حول ايهما يحتل الاولوية: هل هو حق الدول في استخدام مواردها المائية المشتركة بصورة منصفة ومعقولة، ام حق الدول في عدم التعرض الى ضرر ذي شأن نتيجة تلك الاستخدامات، وفي حالة حدوث اضرار، وهو احتمال وارد، يتم تعويض الدولة المتضررة حسب الاعراف؟.

من البديهي ان الدول التي تقع في منابع الانهار تميل الى ان تأخذ المادة الخامسة الاولوية وتعتبرها اكثر اهمية من المادة السابعة، في حين ان الدول التي تقع في المصبات والذنائب تميل الى اعتبار ان المادة السابعة هي التي تكتسب اهميةً اكبر، وان ترقيم المواد في الاتفاقية لايتضمن اية اولويات مفترضة.

لقد أكدت المادة الخامسة من الاتفاقية مبدأً غاية في الاهمية وهو عدم وجود سيادة مطلقة لاية دولة على المجرى المائي الدولي، ودعت الى اتباع مقاربة الانتفاع المشترك. كما ادرجت الاتفاقية لضمان ذلك في المادة السادسة قائمةً بالعوامل والظروف التي يجب معاينتها للتوصل الى اتفاق مُرضٍ للاطراف بشأن تعريف الانتفاع المشترك والاستخدام المنصف والمعقول، علما ان تلك القائمة ليست نهائية او ملزمة بل هي تؤشر الى جملة من العوامل المهمة التي يمكن اختصارها او الاضافة لها بما يلائم الدول المتشاطئة.

 

رابعا:

بالرغم من ان الجارة الشمالية تركيا لم توقع على الاتفاقية الا انها اعلنت، وما تزال، ان ادارتها لمواردها المائية في حوضي دجلة والفرات، ومشاريعها في بناء السدود واستخدام المياه هي وفق مبدأ الاستخدام الامثل للموارد المائية، والذي قد يوحي بانه يحاكي مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول الوارد في المادة الخامسة من الاتفاقية، واطلقت في التسعينيات "مبادرة" المراحل الثلاث لاستخدامات المياه بين الدول المتشاطئة، وهي ترّوج لها في مختلف المحافل، وتحاول من خلالها حصر ومسح موارد البلدان المتشاطئة، تربةً ومياهاً، لاثبات ان اكثرها مواءمةً لتنفيذ مشاريع استصلاح كبرى هي تركيا، قياسا بسوريا والعراق، وذلك لاكساب مشروع (غاب) التركي شرعية افتراضية، بالرغم من رفض تركيا للاتفاقية، وعجزها عن اقناع العراق وسوريا بان مشروع (غاب) قابل للاستدامة ويصب في مصلحة الاطراف المتشاطئة. وهنا اود التذكير بان المشروع لايزال تحت التنفيذ، وقد افتتح السيد رئيس وزراء تركيا في يوم 9 آذار 2014  نفقاً كبيراً لتحويل مياه الفرات الى اراضٍ تركية، وهو بسعة (90) مترا مكعبا في الثانية، اي مايعادل ثلاثة مليارات متر مكعب في السنة تقريبا، او (19 بالمئة) من معدل ايرادات العراق من نهر الفرات خلال العقدين الماضيين البالغة (16) مليار متر مكعب في السنة.

خامسا:

من جانب آخر فان العراق –وحسب معلوماتي التي اتمنى ان تكون خاطئة- لم يسع للحصول على تعويضات نتيجة الاضرار التي لحقت به نتيجة الاعمال المنفذة في منابع الانهار في تركيا وايران وكذلك في سوريا، وفق ما تتيحه المادة السابعة من الاتفاقية، واستطيع الجزم ان اضرارا كبيرة لحقت بالعراق اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا، نتيجة لانشاء سدود كرة كايا وكيبان واتاتورك (في تركيا) والطبقة (في سوريا) وسدود الكرخة ودز والكارون (في ايران).

وكذلك اكاد اجزم بان العراق لم يقدّر بعدُ حجم تلك الاضرار مالياً كي يستطيع المطالبة بها، رغم مرور عدة عقود على بعض تلك الاعمال وهو ما زال يدفع فاتورةً عالية نتيجة اعمال لم يُستشر بشأنها ولم يوافق على انجازها، وهذا حديث يتطلب بحوثا اقتصادية لست مؤهلا للخوض فيها حاليا.

د. حسن الجنابي

خبير في الموارد المائية وسفير العراق لدى منظمة الفاو

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.