مقالات وآراء
تثقيف الحواس!// د. ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 07 أيار 2024 18:41
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1179
د. ادم عربي
تثقيف الحواس!
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة
د. ادم عربي
الصَّحَافِيُّ يَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ سَائِرُ الْبَشَرِ مِنْ حَوَاسٍّ، وَهِيَ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ: الْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ وَاللَّمْسُ ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَرْغَبُ فِي أَنْ يَكُونَ صَحَافِيًّا حَقِيقِيًّا، يَجِبُ أَنْ يَمْتَلِكَ مَا يُسَمَّى "الْحَاسَّةَ الصَّحَافِيَّةَ" ، هَذِهِ الْحَاسَّةُ هِيَ جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ، وَيُمْكِنُ تَسْمِيَتُهَا "الْحَاسَّةَ الْمِهْنِيَّةَ"، فَهُنَاكَ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، "الْحَاسَّةَ السِّيَاسِيَّةَ" الَّتِي يَنْبَغِي لِرَجُلِ السِّيَاسَةِ أَنْ يَمْتَلِكَهَا، وَكَذَلِكَ "الْحَاسَّةَ الْأَمْنِيَّةَ" الَّتِي يَنْبَغِي لِرَجُلِ الْأَمْنِ أَنْ يَمْتَلِكَهَا.
فِي النِّهَايَةِ، تَلْعَبُ هَذِهِ الْحَاسَّةُ الْمِهْنِيَّةُ دَوْرًا حَاسِمًا فِي تَمْيِيزِ الصَّحَافِيِّينَ وَتَمْكِينِهِمْ مِنْ فَهْمِ السِّيَاقِ وَالتَّفَاصِيلِ وَالْقَضَايَا بِشَكْلٍ أَفْضَلَ، مَمَّا يُسَاعِدُهُمْ عَلَى نَقْلِ الْأَخْبَارِ وَالْمَعْلُومَاتِ بِشَكْلٍ دَقِيقٍ وَمَوْثُوقٍ ، وتُعَدُّ الْحَاسَّةُ الصّحْفِيَّةُ عُنْصُرًا مَكْتَسَبًا لَدَى الصّحْفِيِّ، تَنْبُعُ مِنْ قُوَّةِ الدَّافِعِ وَالرَّغْبَةِ فِي دَاخِلِهِ لِتَطْوِيرِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ ، و يُعْتَبَرُ دَوْرُ الصَّحِيفَةِ الَّتِي يَنْتَمِي إِلَيْهَا الصَّحَافِيُّ حَيَوِيًّا فِي حَالِ رَغْبَتِهَا فِي النُّمُوِّ مَعَ صحَافِيِّيهَا ، فتَلْعَبُ الصَّحِيفَةُ دَوْرًا كَبِيرًا فِي دَعْمِ الصَّحَافِيِّ لِتَنْمِيَةِ وَتَعْزِيزِ حَدْسِهِ الصّحْفِيِّ وَتَدْرِيبِهِ عَلَى ذَلِكَ ، ومِنْ الْمُهِمِّ جِدًّا لِلصَّحِيفَةِ أَنْ تَمْتَلِكَ صحَافِيًّا قَادِرًا عَلَى رُؤْيَةِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْآخَرُونَ رُؤْيَتَهُ، حَتَّى عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى نَفْسِ الشَّيْءِ، وَأَنْ يَسْمَعَ مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْآخَرُونَ سَمَاعَهُ، حَتَّى عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى نَفْسِ الْحَدِيثِ.
التَّدْرِيبُ الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ أَنْ تَزَوِّدَ الصَّحِيفَةُ الصَّحَافِيَّ الَّذِي أُرْسِلَ فِي مَهَمَّةٍ صحْفِيَّةٍ بِمَجْمُوعَةٍ مِنْ "الْأَسْئِلَةِ الْحَسِّيَّةِ". يُقَاسُ نَجَاحُ هَذِهِ الْمَهَمَّةِ وَيُعْرَفُ أَهَمِّيَتُهَا مِنْ خِلَالِ الْخَبَرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الصَّحَافِيُّ. هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ تُوَجِّهُ وَتَقُودُ عَيْنَيْهِ، حَيْثُ يَرَى مِنْ خِلَالِ سَعْيِهِ لِلْإِجَابَةِ عَلَيْهَا مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرَاهُ مِنْ أَشْيَاءٍ وَتَفَاصِيلَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ خَارِجَ مَدَى بَصَرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَزَوَّدًا بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ.
إِذَا فَهِمْنَا الْخَبَرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنَّهُ يُمَثِّلُ الْغَايَةَ الَّتِي تَسْعَى إِلَيْهَا كُلُّ صَحِيفَةٍ. يُتِيحُ لَهَا الْحُرِّيَّةَ فِي النَّشْرِ وَيُشَجِّعُهَا عَلَى الْبَحْثِ وَالتَّحْقِقِ مِنَ الْأَخْبَارِ. الْخَبَرُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَعْلُومَةٍ جَدِيدَةٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا. مِنْ وَجْهَةِ نَظَرٍ عَامَّةٍ، الْجَدِيدُ لَيْسَ مُهِمًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا. أَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَاسَّةَ الصَّحَافِيَّةَ الْمُحَسَّنَةَ وَالْمُطَوَّرَةَ هِيَ الْأَدَاةُ الْمَثْلَى لِلْبَحْثِ وَصُنْعِ الْأَخْبَارِ. السُّؤَالُ الَّذِي يُحَدِّدُ وَزْنَ وَأَهَمِّيَّةَ وَتَطَوُّرَ الْحَاسَّةِ الصَّحَافِيَّةِ هُوَ: "كَمْ رَأَيْتَ وَمَاذَا رَأَيْتَ؟" الْحَاسَّةُ الصَّحَافِيَّةُ لَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي الصَّحَفِيِّ الَّذِي لَا يَرَى بِعَيْنِهِ وَلَا يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ. الصَّحَافِيُّ الَّذِي يُطَوِّرُ حَاسَّتَهُ الصَّحَافِيَّةَ وَيَعْرِفُ كَيْفَ يُطَوِّرُهَا، هُوَ الَّذِي تصِلُ بِهِ الْخِبْرَةُ وَالتَّجْرِبَةُ إِلَى اسْتِنْتَاجَاتٍ ذَاتِ أَهَمِّيَّةٍ كَبِيرَةٍ. فَلَا يُوجَدُ أَمْرٌ غَيْرُ مُهِمٍّ فِي نَظَرِ صَحَافِيٍّ مُتَمَرِّسٍ. الْحَاسَّةُ الصَّحَافِيَّةُ الْقَوِيَّةُ تُمَكِّنُ الصَّحَافِيَّ مِنْ اكْتِشَافِ الْمَعَانِي الْكَبِيرَةِ فِي الْأُمُورِ الصَّغِيرَةِ، أَوْ حَتَّى تِلْكَ الَّتِي تَبْدُو غَيْرَ مُهِمَّةٍ لِلْآخَرِينَ. وَمَا هُوَ السَّبِيلُ لِاكْتِسَابِ هَذِهِ الْحَاسَّةِ الصَّحَافِيَّةِ؟ فِي الْإِجَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ، أَعْتَقِدُ أَنَّ "يَقْظَةُ" الْحَوَاسِ، وَخَاصَّةً الْبَصَرِ، إِلَى جَانِبِ امْتِلَاكِ "الْمَفْهُومِ"، هُمَا الْعُنْصُرَانِ الْأَسَاسِيَّانِ فِي رِحْلَةِ الصَّحَافِيِّ نَحْوَ اكْتِسَابِ هَذِهِ الْحَاسَّةِ. الرُّؤْيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْعُيُونِ الْمَفْتُوحَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ، لَيْسَتْ كُلُّ عَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ قَادِرَةً عَلَى الرُّؤْيَةِ. تعَلَّمْنَا تَجَارِبُنَا الْحَسِّيَّةُ أَنَّ الْعُيُونَ الَّتِي لَا تَظَلُّ يَقِظَةً، تِلْكَ الْعُيُونَ النَّائِمَةَ الَّتِي تعَانِي مِنْ فَسَادٍ نَاتِجٍ عَنْ كَسَلِ الْعَقْلِ وَخُمُولِهِ وَتَشَتُّتِهِ، أَوْ تِلْكَ الَّتِي تَكُونُ مَشْغُولَةً بِأُمُورٍ لَا تحْظَى بِأَهَمِّيَّةٍ فِي اللَّحْظَةِ الرَّاهِنَةِ… هِيَ عُيُونٌ لَا تَسْتَطِيعُ الإِبْصَارَ حَقًّا، حَتَّى وَإِنْ بَدَتْ كَذَلِكَ، أَيْ لَا تَرَى مَا يَجِبُ أَنْ تَرَاهُ مِنْ أَحْدَاثٍ أَوْ وَقَائِعَ أَوْ مَشَاهِدَ. وَمَعَ ذَلِكَ، الْعُيُونُ، مَهْمَا كَانَتْ أَهَمِّيَّتُهَا وَضَرُورَةُ يَقْظَتِهَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَسَعَ نَظَرَتُهَا وَتَعْمَقَ وَتَثْرَى وَتَكْتَمِلُ إِلَّا بِوُجود "العين الثالثة"، تلكَ التي تقْبَعُ داخلَ الرأسِ، وهيَّ عينُ المَعْرّفةِ والخِبرةِ والثَقَافةِ ، أوْ بمَعْنَى آخر، الفَهْم.