اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أوراق الخريف- رواية: الفصل الرابع// د. آدم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. آدم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

أوراق الخريف- رواية: الفصل الرابع

د. آدم عربي

 

في بزوغ الفجر، حيث تتناثر أشعة الشمس الأولى على لوحة المفاتيح، تبدأ جينا رحلتها اليومية في عالم الرسائل الإلكترونية ، حيث تتصفح بعينين تميزان بين السطور، ومن بين زحام الرسائل، تلمح عنوانًا يحمل وزن الأهمية، رسالة من جون، رئيس الشركة الذي يرسم ملامح الغد للشركة

تُعلن الرسالة عن الاجتماع السنوي الكبير في بوسطن والذي سيكون الأسبوع القادم، حيث تتجمع فروع الشركة لتقييم عام عن العمل، من الإنجازات والأرباح وغيرها . تتخيل جينا نفسها هناك، في قلب الحدث، حيث تتقاطع الأنظار وتتشابك الأفكار، تُحلق بخيالها متسائلة، هل سيكون هذا الاجتماع مجرد عرض للأرقام، أم ستُكتب فيه قصة نجاح جديدة؟.

تُدرك أن الهدف من الاجتماع هو تقييم العمل والأرباح، لكنها تعلم أن الأرقام ليست سوى جزء من القصة ، فالقصة الحقيقية تكمن في الأرواح التي تُحرك هذه الأرقام، في العزائم التي تُبني النجاحات.

وفي لحظة تأمل، تقرر جينا أن تكون القوة التي تُحرك الأرقام، أن تكون الصوت الذي يُلهم الآخرين. فالقوة لا تكمن في الأرقام وحدها، بل في القدرة على تحويل هذه الأرقام إلى قصص تُروى، إلى آمال تُعاش، وإلى مستقبل يُبنى بثبات وإصرار.

في اليوم التالي استدعت جينا فرانك إلى مكتبها

جينا : فراك ، أنت تعلم أن الأسبوع القادم موعد الاجتماع السنوي لكافة الفروع وسيكون في بوسطن

لذا أطلب منك تجهيز ملفات المبيعات والأرباح

فرانك : لقد جهزتها الإسبوع الفائت عندما وصل أول بريد الكتروني

جينا : ممتاز ، هل وضعت تقرير مُفصل عن كل مندوب مبيعات؟

فرانك : نعم وضعت ، كل مندوب وكم عمل من مبيعات

جينا : هل أخفيت المؤهلات العلمية لهم؟

فرانك : لم اذكرها في التقرير ، إنما ركزت على المبيعات ، ولكن يا جينا معلومات كل شخص على السيستم أوْ النظام الإلكتروني

جينا : لا عليك ، المهم المبيعات

فرانك : على رآيك ، المهم المبيعات

جينا : استمع يا فرانك ، تنوب عني مدة سفري وهي كما تعلم أسبوع ، وكن عند حسن الظن فيك

فرانك : بالطبع ، لكن ماذا عن دانيس؟

جينا : ما به؟

فرانك : أقصد كيف أتعامل مع مُخصّصاته التشغيليه...الخ

جينا : كما هو الحال ، تأخذ منه فواتير تسلمه مقابلها النقود

فرانك : أنا لا أفهم لماذا هو الوحيد الذ يُعامل هكذا!، رغم أن نصف مبيعات الشركة تأتي منه! ، أيكون ، لأنه لا يحمل أيْ مؤهل علمي؟

جينا : ها أنت يا فرانك تسأل وتُجيب نفسك ، التزم بما أقوله لك

فرانك : حسناً ، هل يمكنني الانصراف

جينا : نعم ، لا تسال كثيرا يا فرانك

فرانك : ضاحكاً ، حسناَ

في صمت الفجر الباكر، حيث تتسلل أشعة الشمس الأولى خلف ناطحات السحاب،وصلت جينا إلى بوسطن، تنزل في فندق يطل على شوارع المدينة النابضة بالحياة، تلك الشوارع التي ستكون شاهدة على بداية فصل آخر في مسيرتها المهنية ، تستيقظ مع نسمات الصباح الباردة، تنظر من نافذتها العالية،

ترى المدينة تستعد ليوم جديد، وهي أيضًا تستعد لأسبوع حافل بالعمل.

تتناول قهوتها الصباحية، تلك الرشفات التي تمنحها الدفء والنشاط،

ثم تخرج من الفندق، متجهة إلى مقر الشركة، حيث ينتظرها أسبوع من العمل ، تمشي بخطى واثقة، تتأمل المباني التاريخية والحدائق الخضراء،

تشعر بروح المدينة تسري في عروقها، تمدها بالقوة والإلهام.

تصل إلى الشركة، تلك البناية الشامخة التي تعكس تقدم بوسطن وريادتها،

تدخل بابها الرئيسي، مستعدة لتقدم أفضل ما لديها، لتثبت نفسها في هذا العالم أيضاً.

يجتمع مدراء الفروع مع مدير كلّ الفروع السيد جون، يبدأ الحديث بالترحيب، معلنًا يوم عمل مثمر وملهم و يقف في قاعة الاجتماعات، حيث تتجمع العقول اللامعة، ويبدأ بكلماته الرصينة:

"أرحب بكم جميعًا في قلب بوسطن، حيث تلتقي الأفكار لتشكل مستقبل شركتنا ، اليوم، نحن لا نجتمع فقط لنراجع أرقامًا وخططًا، بل لنحتفل بروح الفريق والإبداع الذي يجمعنا ، سنعمل معًا لنضع استراتيجيات جديدة، ونبحث عن فرص نمو لا مثيل لها."

يتابع جون، مشيرًا إلى الشاشة الكبيرة التي تعرض رؤية الشركة، ويقول:

"كل فرع من فروعنا يمثل جزءًا حيويًا من هذه العائلة الكبيرة ، واليوم، سنتشارك النجاحات والتحديات، وسنتعلم من بعضنا البعض ، فلنبدأ بتقديم تقارير الفروع، ومن ثم نناقش كيف يمكننا تحسين أدائنا وتجاوز توقعات عملائنا."

بعد الانتهاء من الكلمة الترحيبية، يبدأ المدراء بتقديم عروضهم، وتتوالى الأفكار والمقترحات ، يسود الاجتماع جو من الجدية والتفاؤل، ويشعر الجميع بالحماس للمساهمة في رسم ملامح مستقبل الشركة.

وعند حلول الساعة الرابعة عصرًا، يُعلن جون عن استراحة لتناول طعام الغداء، داعيًا الجميع للاستمتاع بأشهى الأطباق في أفخم مطاعم بوسطن. يتوجه الجميع إلى المطعم، حيث يتبادلون الأحاديث والخبرات في جو من الألفة والرقي.

ينتهي اليوم بالتخطيط للغد، حيث يعود كل مدير إلى فندقه، مستعرضًا ما تعلمه وما يأمل تحقيقه، وفي قلوبهم جميعًا، يحملون العزم على جعل اليوم التالي أكثر نجاحًا وإبداعًا.

وأتى اليوم الموعود، اليوم الذي تنتظر جينا بفارغ الصبر، يوم التقدير والاحتفاء، حيث تُعلن الإنجازات وتُكرم الجهود ، في هذا اليوم، تتجمع الأنظار حول مندوبي المبيعات من كل فرع، وتُقيّم الأرقام لتُعلن النتائج المبهرة ، ومن بين الفروع اللامعة، يبرز فرع جينا، مثل نجم يتلألأ في سماء النجاح، مُعلنًا عن تحقيق أعلى الأرباح للسنة الثالثة على التوالي.

جينا، بكل فخر واستحقاق، تتسلم الجائزة، وتُشع في عينيها نظرات العزم والتصميم ، فقد كانت رحلتها ليست بالسهلة، لكنها بالتأكيد كانت مليئة بالشغف والإصرار الذي لا يعرف الكلل.

وفي ذات اليوم، يُكرم دنيس، مندوب المبيعات الأسطوري في فرع جينا، حيث يُعلن عنه كأفضل رجل مبيعات في جميع الفروع ، إنجازات دنيس لا تُصدق، فمبيعاته تساوي أربعة أضعاف ما يحققه مندوب عادي، وهو بذلك يُعتبر معجزة في عالم المبيعات.

جون : يا جينا ، هذا المندوب معجزة ، لا بد من تنظيم دورة لمندوبي المبيعات في الفروع ، للاستفادة من مهارات دنيس التسويقية ، لا بد من تنظيم هذه الدورة

جينا : فكرة عظيمة أن نتشارك الخبرات....نعم ، بكل سرور

جون : لا بدّ أنه يحمل شهادة جامعية عليا ! أليس كذلك يا جينا ؟

جينا : لا يحمل أيّ شهادة سيد جون

جون : ماذا؟ لم أفهم....ماذا تقصدين؟

جينا : المؤهل الوحيد الذي يحمله هو مستوى صف تاسع مدرسة ، كلّ ما يحمله شهادة تُثبت أنه أنهى الصف التاسع

جون : وكيف تقومين بتعينه؟ وهو لا يحمل مؤهل تسويقي جامعي ؟

جينا : يا سيد جون ، إنّ مبيعاته تشفع له

جون : وكيف اكتشفتينه؟ وهو أساسا ممنوع أنْ يعمل لدينا وقوانين الشركة واضحة؟

جينا : في الحقيقة معك حق بكل ما تقول ، لكنني ، وبصوت واثق ،عندما جاء وطلب العمل ، وأصرَّ على العمل بقسم التسويق ، مما أثار فضولي ، اختبرته لمدة شهرين وكانت النتائج مبهرة ، وها أنت تعطيه جائزة أفضل مندوب مبيعات للسنة الثالثة

جون : أمره مُستغرب هذا الموظف دنيس ، شخص بهذه المواصفات دون شهادة؟

لكن حسب قوانين الشركة ممنوع أن يعمل ....نحن يا جينا لسنا مالكين للشركة ، نحن ندير استثمارات مستثمرين وضعوا ثقتهم بنا

جينا : أعرف هذا يا جون ، لكن رجل معجزة ، وهل المستثمرون لا يهمهم الربح؟

جون : أهم شيء عندهم الربح ، اسمعي يا جينا ، سوف أرفع ملفه كامل إلى المستثمرين مع كل إنجازاته التراكمية ،لأصحاب الشركة فالقرار لهم ، لن آخذ قرار على عاتقي ، كما فعلت أنت رغم أنه معجزة

جينا : حسناً ، وإن كنت أعرف النتيجة بالايجاب

جون : أنا أقف على قمة هذه الشركة ومُؤتمن عليها وما أُقرره يمشي ، احتفظي به ، ففي عالم المال أهم شيء هو الربح

جينا : وأنا لهذا أحتفظ به

جون : يا جينا ، ما سرّ هذا الرجل ، إنه أمر عجيب ! ، لا بدّ أنه قوة جبارة في الإقناع

جينا : ستُصدم يا جون إن حدثتك عنه

جون : ماذا؟ وهل هناك ...؟ أكملي ...لم أفهم ...كيف سأُصدم؟

جينا : السرّ يا جون ، أنّ دنيس مُدمن قمار

جون : سأفقد عقلي .... هذه مشكلة لا يمكن السكوت عنها ....مُدمن قمار؟ أهذا ما قُلتينه؟

جينا : دعني أُوضح لك الأمر ، أنا عندما عينته في الشركة لم أكن أعرف أنه مُدمن قمار ، عينته لمقدرته والنجاح الذي حققه ، ثم تساءلت مثلك عن السرّ ، فوجدت أنه يعمل بمهنية عالية جداً من أجل زيادة مبيعاته ، لأنه كما تعلم ، كلما زادت مبيعات المندوب يزداد "البونص" أو المكافأة على المبيعات ، وكل دخله يصرفه على القمار ، فهو هدفه زيادة دخله من أجل القمار

جون : لكنه مُدمن يا جينا والمُدمن قد يتصرف بلا عقل .....هل يحمل بطاقة أمريكان إكسبرس مثل باقي مندوبينا؟ كيف يؤتمن عليها ....

جينا : لقد سحبت منه كل بطاقات الإئتمان ، وأتعامل معه فواتير مقابل مال ، وللحقيقة لم أرَ منه شيء يستوجب الشك فيه ، إنما فعلت ذلك إحتياطاً

جون : حسناً ، لا أُريد مشاكل ، لكن من موقعي أقول ، نريد الاحتفاظ به ، هذا الرجل علمني درساً مهماً في الحياة وهو لا حدود لإرادة الإنسان ، لكنه أيضاَ إلى جانب إرادته لا بدّ أنه شخص مقنع جداً كمندوب مبيعات

جينا : هو مُقنع جداً ، وإنْ كانت سوسة القمار دافع له

جون : سنبعثه لاحقاً إلى مركز علاج المدمنين ، فشخص كهذا يحتاج دعمنا

جينا : فكرة جيدة سأعمل عليها

جون : أترك الأمر لك ، وأُريد أنْ أسمع أخبار سارة في العام القادم عن هذا الرجل ، فهو يستحق كل جيد ، وهو جزء مهم من الشركة

جينا ; ستسمع يا جون ، أعدك بذلك

يتبع في الفصل الخامس ......

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.