ارشيف مقالات وآراء

• معالم بارزة في درب النضال من أجل القضية الكوردية

عبد الرحمن آلوجي

 مقالات اخرى للكاتب

·        معالم بارزة في درب النضال من أجل القضية الكوردية

إن من يقف على التاريخ النضالي الحافل لأمة آمنت بالحياة ,وأدركت موقعها, وفقهت دورها الحضاري كالأمة الكوردية.. يدركه الدهش لما بذلت هذه الأمة المنكوبة من تضحيات و قرابين و دماء ,وهي تناضل من أجل أن يكون لها موقع في خارطة الشرق الأوسط السياسي ,كما كان لها عبر تاريخ مديد بصمات في أوابد لا تزال شامخة منذ أحد عشر ألف عام في مستوطنات شاهدة و شامخة " كوبادو , نيفالي تشوري ,. حموكر, وسارة تبةوزادي شمس , وتل شمشاران, وتل حلف...." و ممالك وامبراطوريات ودول " امبرطورية ميديا , الغوديوم , الساسانيين , وممالك الهوريين والميتانيين والهيتيين.." لتؤكد على عراقة وجودها ,وعمق انتمائها ,وضرورة انعتاقها من كل الترتيبات و الإجراءات المميزة , والمستهدفة وجودها وتاريخها ,وعمق اتصالها بالواقع الحضاري ,في الوقت الذي عرفت بأعلامها في الفكر و التاريخ و السياسة و العلوم و الآداب... حتى عرفت في الغرب بـ "فرسان الشرق" وإن حاول الأعداء المحيطون بها تصويرها على أنها سافكة للدماء في الوقت الذي تناضل كأمة محاربة من أجل الحق و الدفاع عن الوجود كما يقول القائد الهندي الوطني جواهر لال نهرو وهو يستغرب ليقول " كيف يسحق شعب يصر على نيل حريته , ويستعد للدفاع عنها لدفع ثمنها " 1925 " ... "

لقد فجر هذا الشعب خلال مئة عام أكثر من ثلاث مئة انتفاضة و ثورة , حيث لم تكد تخمد ثورة ثورة في جزء إلا لتندلع ثورة أخرى في جزء آخر , بشكل أشد ضراوة ,لتواجه بالحديد و النار , في

الوقت الذي كان لتمزق أواصل هذه الأمة , وتقسيم أرضها الأثر الكبير في تطويق هذه الثورة أو تلك , وعزلها عن محيطها الجغرافي ,وحصرها وإبادة قوتها, وإعدام قادتها...

لقد كان للتقسيم الطولاني في عام 1514 بين الصفويين والعثمانيين في تركيا و إيران " بداية تمزق الجسد الكوردي الذي كان يندفع بين الحين والآخر ليتعافى في إمارات مشكلة منها " إمارة كريم خان زاندفي الفترة بين 1759 ـ 1795 , وإمارة راوندوز , وإمارة بهدينان , والإمارة الشهيرة و التي احتلت مساحة كبيرة من كوردستان الشمالية ( إمارة بوطان و التي امتدت إلى 1840) و ما شهدته الأحداث بعد ذلك من تدخل تركي سافر في شؤون الإمارات الكوردية القائمة وبخاصة بعد هزيمة الترك في فيينا 1683 , ليزداد هذا التدخل و محاولات السحق منذ 1830 إلا أن الانتفاضات الكوردية باتت تعبر عن نفسها بقوة في انتفاضة الشيخ عبد الله النهري 1880 و ما تلته من انتفاضات عبد القادر النهري وسيد طه الشمزيني, و رغم ما أبدته الدول الغربية من محاولة الاهتمام بالقضية الكوردية ومنظماتها في فترات سابقة ساخنة أثناء الحرب الروسية التركية 1838 ـ 1839 ,ثم أثناء حرب  القرم 1853 ـ 1856ليأتي التقسيم الرباعي في اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت كوردستان و المنطقة إلى أجزاء أربعة بعد التقسيم الطولاني , ثم لتستمر المسيرة النضالية في إصرار وعناد منقطعي النظير , دون توقف أو يأس أو خروج من المسار الثوري كما حدث في انتفاضة الشيخ محمود البرزنجي 1918 ـ 1923 في كوردستان العراق ثم ما قام به الشيخ سعيد بيران 1923 ـ 1925 , ثم ما تلته من انتفاضات 1927 , 1936 , 1939 , في آكري داغ و إحسان نوري باشا , وسيد رضا الديرسمي في كوردستان تركيا وما توسطها من ثورات بارزان الأولى 1932 ـ 1945 ثم ثورة سمكو آغا الشكاكي , وثورة مها باد التي أسفرت 1946 عن جمهورية ذات حكم ذاتي واسع في كوردستان أيران و ما أعقب كل ذلك من ثورة أيلول المجيدة و المتجددة في أيلول 1961 وثورة كولان التحررية في 26 أيار 1976, ليتوج ذلك بالتجربة الديمقراطية الرائدة في كوردستان العراق ,التي ينعم بثمراتها و قرابين شهدائها شعب تجرع مرارة الحرمان و الإبادة و القتل الجماعي و الحصاد الكيميائي على عقود أنظمة متعاقبة ,لم تستطع أن ترتقي إلى المفهوم الحضاري لحل القضية الكوردية بل واجهتها بالحديد والنار, إلا أن القوى الغربية ائتلفت مع العثمانيين 1880 لضرب الأكراد والنيل من قضتهم في الوقت الذي كان المد الثوري في أوجه في منطقة النهرين من كوردستان تركيا. إن هذه المحطات النضالية كانت بمثابة معالم بارزة في التاريخ  النضالي لأمة أبت الخنوع و الركوع , بل تابعت المسيرة و لاتزال تتابع بإصرار وقوة,  مواجهة كل أنواع السحق و الإبادة و محاولات المحو و الاضطهاد على الرغم من المؤامرات و الدسائس و القوى المتربصة بوجود أمة لا تنازع أحدا أرضها و مياهها ولا خيراتها , بل تصر على نيل حقوقها بالتساوي مع الشعوب و الأمم الشقيقة و المجاورة , في حين تواجه أنظمة تصر على قمع أي توجه نحو بناء معالم نضال يتسم بالحوار ,ويبتعد عن الكراهية , ويسمو إلى الانعتاق و التحرر و البناء الحضاري ,بعيدا عن منطق الاحتواء و الكراهية و القسر و الوصاية القومية و الاستعلاء العرقي البغيض ...

لقد أدرك العالم المتمدن والمجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته و قراراته ,أن تطلعات هذه الأمة مشروعة كسائر أمم وشعوب الأرض ,وأن حقها في التعبير عن وجودها ضمن التطورات والتطلعات والآفاق الوطنية حق تكفله القوانين و الدساتير الوضعية و التشريعات السماوية ,وحقوق الإنسان المدنية ... ولكن منطق الحق يواجه بالأطماع و المغانم والمصالح و الأهواء ... لتصطدم بطموحات أمة عريقة عاشت على أرضها منذ فجر التاريخ , وهو ما تؤكده الدراسات الأنتروبولوجية والديمغرافية , والجيوسياسية مما يجعل من المعالم النضالية المتواصلة , والخطوط البارزة لتاريخ من الكفاح العريق دليلا نضاليا ساميا , يعد بمثابة وسام على صدر هذه الأمة التي تنشد الحياة و الحرية و التعايش السلمي و قوة الإبداع الحضاري كما حصل في التاريخ و التراث الإسلامي المشترك , حيث قدمت هذه الأمة قادة و أعلاما     و مفكرين و مؤرخين ... إلى أقرب تاريخ مدون بأحرف من نور , تنبئ عن عزة و كرامة وعظمة هذه الأمة وسجلها النضالي العريق ... وهو ما أكد عليه المؤرخون و الساسة و القادة, لتشهد الفترة القادمة انفراجا في حل معضلة هذه الأمة ,وقضيتها الشائكة والمعقدة , وبعد أن انفرج جزء من عقدها في عملية سياسية ناجحة في كوردستان العراق .

إن قضية عادلة لها معالمها البارزة , ووجودها الحي جديرة  بالحل عن طريق الحوار و الانفتاح وهو ما نأمله و نلح عليه, و ما سوف تلده الأيام القادمة في إشراقة تلوح آفاقها , وتستشرفه الأحرار والأصدقاء  و المناضلون في كل مكان ممن يؤمنون بالتواصل و التكامل و تعانق الأمم و تلاقيها الحضاري            و المدني.