اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• عزيز علي كما عرفته ـ لقطات وآراء (1ــ 3 )

خالص عزمي

 

 ·        عزيز علي كما عرفته ـ لقطات  وآراء (1ــ 3 )

 

 ( في 26 تشرين الاول  ـــ أكتوبر  ــ من عام 2010 تمر الذكرى الخامسة عشرة على رحيل الفنان والشاعر والملحن العراقي البارز المرحوم  عزيز علي ؛ وما هذه الاسطر الا باقة ورد عطرة يفوح شذاها على قبره اعتزازا وتكريما )

 

لوحة قلمية

شعررأسه ناعم الملمس يفرق ما بين جانبيه  خط مستقيم بالتساوي ؛ وجبهة عريضة صافية الا من بعض التجاعيد المتواضعة ؛وحجبان سوداوان كثان يضفيان على عينيه العميقتين شيئا من الجدية والاصرار ؛

وجه طوال سمح يتوسطه أنف روماني يطل على شارب خفيف منسق ؛ وفم مستقيم الطرفين اذا افتر عن ابتسامة ؛ بدت ملامح صاحبها أكثر تسامحا وتلقائية . طويل القامة رقيق الجوانب ؛ هو ولاناقة المحتشمة  صنوان لا يفترقان ابدا حتى في اشد حالات البؤس والفاقة التي تعرض لها في حياته . صراحته التي لا حدود لها ومجابهته الحادة اوصلته في كثير من الاحيان الى مشاكل شخصية  في غاية العنف والتعقيد ،

شاعر وملحن ومنشد من الطراز المتميز الذي لايجاريه في اسلوبه احد ؛ كتب بالفصحى واللهجة الشعبية العراقية ؛ فاجاد في الاثنين اجادة ذات مستوى رفيع .لهذا  كانت الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي تنتظر مساء الاربعاء من كل اسبوع لتستمتع  باقواله والحانه ودقة تعابيره في الاداء .قدم اعماله المبهرة في السياسة والاجتماع والتربية العامة ؛  فكان صوتا مدويا ينبه على الاخطاء والاخطار  والافات التي تنخر في جسد  المجتمع . لهذا بقيت اقوله تلك و بالصيغة التي قدمها خالدة تسمع وتستوعب وكأنها كتبت ولحنت هذه الايام .

 

لقطـــــــــــات

*الاولى :

كان من عادة احد ابناء عمومتي الاكبر مني سنا  ان يصطحبني وشقيقي (المرحوم ) طارق عزمي  الى احدى دور السينما لمشاهدة احد الافلام التي تتناسب واعمارنا ؛ وكان اغلبها من تلك التي تبرز فيها معالم البطولة والشهامة واعمال الخير ؛ وكان لابد لنا ونحن نتوجه من بيتنا  في محلة جامع عطا عصرا الى جسر (الشهداء ) ؛ ان نمر على محلة الشيخ بشار ؛ حيث ينظم الينا زميلنا في الدراسة الابتدائية والمتوسطة ( المرحوم ) هاتف حمودي الجلــــــيل

 ؛ وكان من الصدف المحببة التي لا تنسى  ان نلتقي بشخص طويل القامة ؛  صبوح الوجه ؛  انيق الملبس بشكل ملفت للنظر   وهو يقف امام بيته في تلك المحلة ؛ وحينما  سألنا صديقنا هاتف عنه  ؛ قال ( انه المنولجست المشهور عزيز علي )؛وكنا قد سمعنا به  وطالما  استمتعنا ببعض  مونولوجاته الاجتماعية من اذاعة بغداد   ومنها ( دكتور ؛ والقبول ؛ وشوباش ... الخ )  لقد  بقي ذلك اللقاء الاول العابر   محفزا لملاحقة ما كان يقدمه من الاذاعة ؛ او ما تنشره الصحف عنه من لقاءات واخبار فنية

* الثانية :

 في عام 1944 ؛ كان والدي  المرحوم ( خليل عزمي ) قد عين رئيسا لتسوية حقوق الاراضي  في كربلاء

( وهي محكمة تختص بحل المنازعات المتعلقة بالاراضي الزراعية والبساتين ) ؛ وتبعا لذلك فقد التحقت الاسرة به وحللنا في بيت مرفه يجاور دار زميلي في الدراسة الممثل الكبير بدري حسون فريد .

 وفي احد الايام و كان العيد على الابواب طلب والدي  من الفراش الحاج هادي ان يصطحبني وشقيقي  ليشتري لنا  احذية جديدة بتلك المناسبة السعيدة بعد ان وصف له موقع المحل   . سرنا في الشارع الرئيس ؛  ثم توقف الحاج هادي ليدخلنا الى معرض انيق ونظيف  له واجهة زجاجية صفت على رفوفها مجموعة من الاحذية البراقة  ؛ وحينما وقف صاحب المحل امامنا مرحبا ؛ فوجئت بانه ذات الشخص الذي التقيناه في محلة الشيخ بشار ؛ انه الفنان  ( عزيز علي ) ؛ كرر الترحاب وقدم الينا مجموعة من الاحذية  بعد ان لمعها ( ونحن في غاية الاستغراب )  بمنديل ناصع البياض: فاخترنا ما راق لنا منها ؛ سألنا الفنان عزيز علي عن دراستنا فأجبناه بشيء من التفصيل ثم  طلب  منا الجلوس لنتمتع بأستكانات من شاي النومي حامض ؛ وتبسط معنا بالحديث مؤكدا لنا بين الفينة والاخرى على حبه العميق لمدينته بغداد  التي ابعد عنها قسرا . كان حديثه ممتعا بخاصة و ان طريقته بالكلام  كانت تتسم باللباقة وحسن انتقاء التعابير. خرجنا من عنده  وقدرسخ عندي الاعتقاد بسعة  ثقافته ذات الجوانب المتعددة   .

 

* الثالثة :

في عام 1954 تخرجت في كلية الحقوق وفتحت مكتبا  لي لممارسة المحاماة في مدخل زقاق العاقولية  كما واصلت نشر نتاجي الادبي في الصحافة والقاء بعض الاحاديث من الاذاعة العراقية   وكنت  في تلك الفترة  التقي الفنان عزيز علي بين الحين والاخر ( قبل هذا التاريخ ايضا )  في اروقة الاذاعة او في نادي الكمرك الذي كنت اتردد عليه في بعض الاماسي و الذي كان هو من اعضائه المعروفين باعتباره من موظفي الكمارك القدامى  حيث يتصدر مائدة من الفنانين أذكر منهم ( سلمان شكر  ومحمد كريم ورضا علي ويحيى حمدي ... الخ ).

  وذات يوم وبينما كنت اسير عصرا في شارع الرشيد متوجها نحو ساحة حافظ القاضي ومن هناك الى  مقهى البرازيلية  لالتقي صفوة الاصدقاء ( عبد الملك نوري ؛ عبد الوهاب البياتي ؛ فؤاد التكرلي ؛...الخ ) لاح لي الفنان عزيز علي  وهو يجلس في معرض للمصنوعات الجلدية  يقع في ركن ( عكد النصارى ) القريب من الشورجة :  فوجدنها فرصة لتحيته تقديرا واعجابا ؛  وما كدت ادخل ؛ حتى قام مرحبا ومقدما لي صاحب المحل وهو يقول

 ( قريبي  عبد الامير الصايغ / لابد وان سمعت به عن طريق الاذاعة ) كان الفنان الصائغ قريب الشبه بالفنان عزيز علي ؛ وكان  مطربا  ؛ توقف عن الغناء مع ان له موهبة متميزة بالاداء واللحن ؛ :   الح علي عزيز علي بالجلوس ؛ فجلست لفترة استمع فيها لحديث فناننا الكبير وهو يتكلم عن اسلوبه في طرح المشاكل ؛ فأهتبلتها فرصة للاستفسار منه عن السبب الذي دفعه لاتخاذ هذا المنحى الفريد في التعبير عن نقده  الصريح والمباشرلمختلف ما يعانيه الشعب من العلل السياسية والاجتماعية وغيرها  ؛نظر الي  مليا وقال وهو يبتسم  : سأروي لك واقعة شخصية صغيرة قد تشيرك الى الدافع الذي يجعلني  الاحق العيوب وأنقدها  نقدا لاذاعا دونما اعتبارلاية نتائج قد تسبب لي متاعب جمة :   

حينما نجحت  في امتحان البكلوريا  في امتحانات الصف السادس الابتدائي فرح والدي فرحا جما و قرر الترفيه عنا بارسالي و العائلة الى اقاربنا في كربلاء وقضاء اسبوعين فيها للتمع والاستجمام :وهكذا  سافرنا  فسنحت  الفرصة امام والدي لكي يطلي البيت بألوان مشرقة بهيجة  ؛ وقد بدى لي بعدئذ انه اهتم على وجه التخصيص بغرفتي التي اضحت خاصة بي لوحدي بعد ان انتقلت الى الدراسة المتوسطة والتي كانت بنظر الاسرة مرحلة ثقافية  متقدمة تستوجب ذلك الامتياز

كان والدي و الصباغ  قد بذلا المستحيل من اجل انجاز كل  العمل قبل موعد عودتنا لتصبح المفاجئة بمثابة هدية ثمينة للنجاح الذي احرزته  ؛ وقد نجحا في ذلك  فعلا  .

عدنا الى البيت و بهرنا  حقا بمظهره الخارجي وحينما دخلناه  هللت العائلة لهذا الانجاز الذي حول البيت الغامق  الى لون ناصع  مفرح ؛ ومع ان والدي كان يبدو منهكا الا انه  أخذني بيده الى غرفتي وهو في غاية الفرح  قائلا ( بابا عزيز من هذا اليوم هاي غرفتك وحدك  ... ها انت فرحان ؟ شلون دتشوفها  سويناها الك ا  مثل المراية ) نظرت الى الغرفة وجلت فيها اتطلع الى اجزائها ؛ وفجأت تسمرت امام ركن منها   فقال ابي  ( ها عزيز خير ) قلت ( يابا  دتشوف ذيك الزوية اليم السكف ؛ اني دا أشوف فد  نقطة سوده هناك ... هي صغيرة  مثل الذبانة  يمكن انتو ما شفتوها حتى تصبغوها ) عندها مسك ابي بأذني وفركها وهو يصرخ وقد غدا وجهه اشبه بالطماطه ( ولك كل هذا الشغل و الصبغ الجميل ما شفته ؛ بس شفت نقطة سوده أصغر من  راس عود الشخاط ) ؛

 هنا ضحك فناننا الكبير وهو يقول ( عرفت  استاذ خالص الان  :لماذا اصبحت  ناقدا ؛  انها   موهبة  سارت مسرى الدم في عروقي مبكرا وجعلتني اراقب المجتمع والجو العام و أكتشف العيوب وانقدها  بشعري والحاني وأدائي   !!)

* الرابعة :

 كنت اعرف عن الراحل عزيز علي اعجابه الكبير بالشاعر احمد شوقي ؛ وحينما بدأ عمله في المسرح في فرقة الرائد الكبير حقي الشبلي ؛ كان يهوى تمثيل مسرحيات شوقي. الا ان الفرصة لم تتح له لانقطاعه عن التمثيل .

 ذات صباح جمعة كنت امر مبكرا  على مكتبة بشار في المنصور لصاحبها الاديب الباحث الاستاذ عامر رشيد السامرائي ؛ ؛ فوجدت عنده مجموعة كاملة ؛ انيقة و جديدة من مسرحيات شوقي  ( طبعة دار المعارف بمصر )  ؛ فأبتعتها  وغلفتها ؛ واخذتها هدية الى عزيز علي  ,جلسنا بالهول كالعادة ؛ وشربنا الشاي وتناولنا الكيك الذي تجيد عمله ابنته الكريمة ( مي ) . راح اثناء ذلك  يقلب المسرحيات ويبدي اعجابه بطبعهتا الراقية ؛ ويكرر شكره على الهدية أكثر من مرة  

في الاسبوع الذي تلاه ؛ زرته يوم الجمعة ايضا  فرحب بي  وذهب الى غرفته وعاد بعد لحظات وهو يحمل كتابا ؛ قدمه لي واذا به احدى المسرحيات التي اهديتها اليه في الاسبوع الماضي الا هي ( مصرع كيلوباتر) وقد وضع بين بعض صفحاتها ورقة صغيرة تشيرا لى شيء ما   ؛ لما  فتحت الكتاب عند موضع تلك الاشارة ؛ فوجئت ببعض الصفحات وقد خطها بقلمه المرتعش  خطا جميلا وواضحا ؛ لم استفسر منه عن السبب  وانما أدركت مما بين يدي ان تلك الصفحات كانت بيضاء  لم تطبع سهوا؛ لذا فقد وجد من اللائق ان يكملهااعتمادا على حافظته .

عندما فرغت من القراءة التفت اليه وابديت اعجابي بذاكرته القوية  وبخطه الجميل ؛ فرد علي قائلا  ( اخوي خالص : آني موبس حافظها  لكن هم اكدر امثلها لك رغم تقدمي بالسن )  وفعلا راح يمثل  ذلك  المشهد ليختتمه واقفا

  ( بدشداشه البيضاء ) في وسط الغرفة  مشيرا الى الجمهور المفترض وهو يقول :

أسمع الشعب ( ديون) كيف يوحون إليه

ملأ الجو هتافا بحـــــــــــــــياة قاتــليه

أثر البهـــتان فيه وانطلى الـــزور عليه

       يالـــــه من ببـــــــــغاء عقله فى أذنيــه!!

حينما فرغ من تمثيله القصير قال :  ليس اعجابي بامير الشعراء مجرد انبهار واكبار ؛ بل لانه مدرسة تعليمية  ضخمة   في اللغة والاوزان والابتكار  وحسن انتقاء المواضيع   ؛لقد تعلمت من شوقي مثلا  كيف يستخدم معجمه الواسع في التعبير عما يريد ان ينظمه شعرا ؛ ففي مسرحية مجنون ليلى استخدم الفاظ البداوة والصحراء والعشق العف  ؛ وفي مصرع كليو باترا استخدم لغة الرقة و المدينة المتحضرة والحكم والتسلط  ...وهكذا   وقد جاريته في ذلك  منذ الثلاثينات   ؛ ارجع الى ( اقوالي ) جميعا  ....ستجدني قد  استعملت ما يناسبها  من معاني والفاظ وامثال شعبية :    فتعابيري في ( البستان ) ؛ هي غــــيرها في   (السفينة )  ؛ وفي (  دكتور )  هي غيرها في ( تهنا بهالبيده )؛ وفي ( طنطل ) هي غيرها في ( بغداد )  وهكذ اتراني قد استخدمت صيغا  والفاظا  تتناسب تماما  والحالة التي أنظم في صميمها .... من حيث المكان والزمان ولغة الناس في الحقبة التي يدور في جوها الموضوع مؤسسا كل ذلك على قاعدة ( لكل مقام مقال ).

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.