اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• ماذا بعد مبادرة الرئيس المناضل مسعود البارزاني ؟!

عبد الرحمن آلوجي

 

 مقالات اخرى للكاتب

·        ماذا بعد مبادرة الرئيس المناضل مسعود البارزاني ؟!

 

لا يمكن تصور أي موقف سياسي إلا من خلال طابعه الحركي الجدي على أرض الواقع .. حيث يمكن لأي فرد أو جماعة أو هيئة منظمة أو أي حزب سياسي الادعاء بما يمكن و ما لا يمكن , إلا أن الاختبار الحقيقي لأي تصور يكمن في مدى جديته و واقعيته مترجمة إلى فعل يحقق مدى عمق و جلاء ذلك التصور.. و مدى رسوخه على أرض الواقع .. مترجما إلى فعل واضح .. يصدق ذلك في كل المستويات .... ليكشف الزيف والخلل, من القول الراسخ المترجم  عملا منتجا , و موقفا حيا متحركا , ليكون هذا العمل تعبيرا قويا عن القول النظري , و الواقع الميداني المتحرك و المتجذر – حركة حياة نابضة – برهانا على ما وقر في الفكر و القلب و ترجمة الفعل , كائنا حيا ماثلا للعيان , يبرهن – بكل قوة – على ما تضمنه التصور  , لينتقل إلى فعل ملموس , وسلوك قائم , قوي في صدقه و حرارته ..

لقد كان الموقف الوطني للأمة الكردية – على امتداد تاريخها – بحاجة إلى ما يصدقه مترجما إلى واقع حياتي و تاريخي مشهود .. فلا يكفي أن ندعي الوطنية و الشهامة و النبل و الافتداء بكل ما يعز امتلاكه , دون أن نجد صدى ذلك في واقع حياتي عياني , يصدق في امتحان المواجهة , سواء كان ذلك في رد جحافل الغزاة في المنطقة, أو الدفاع عن الذمار , و رد غائلة المعتدين ,ودحرهم في دفاع عن  الحياض .. و التصدي البطولي في معارك التحرير و الاستقلال , وقد كان ذلك في وقائع التاريخ الحديث وامتداده من عمق التاريخ المشترك , والملاحم الكفاحية في ثورة العشرين في العراق , و في الثورة السورية الكبرى 1925 , و في جبال حارم و الجزيرة و الغوطة , في شراكة تاريخية مع المكونات الجامعة المشتركة والمتآخية وبخاصة بين الكورد و العرب ..

لتأتي المواقف الحية التالية للجماهير الكردية , و حركتها الوطنية و قادتها و أعلامها – في التاريخ الحديث و المعاصر – ردا عمليا على كل تخرصات العنصرية و الفاشية , و الرؤى القومية المتطرفة , ورموزها وأزلامها . وجحافلها المدججة , وتجييشها واستنفارات أنفالها وسلاحها الكيماوي والجرثومي  المدمر , وسمومها الفكرية القاتلة , وسجف الظلام التي رانت على عقول البسطاء زمنا طويلا من خلال تربية طويلة و ممنهجة , لتتحرك إلى المواقف المترجمة لها في سحق طلائع الوجود الكردي , و قوته المتنامية , والتتويج بكل محاولات الطمس و التذويب و الإبادة و الإحالة و التجريد و كثير من التجويع و التشريد ..

إن هذه المواقف باتت واضحة , و مشكلة لقيم وطنية تعبر عن نفسها بحرارة و عمق , و بشكل طبيعي ينبثق عن طبيعة التكوينة التاريخية و الحياتية و التربوية للشعب الكردي , الذي عرف بصلابته و مبدئيته , و إخلاصه المنقطع النظير للتراب و التراث و العقيدة النضالية الجامعة بينه و بين الشعوب المتآخية و المتجاورة , على الرغم من معاناته من كل أشكال الجور و البطش و نكران الجميل .. من أنظمة أبت إلا أن تركٍٍٍٍِّع هذا الشعب , و تحاول تجريده من هويته الوطنية , و قيمه و تقاليده النضالية , و تزج به في معترك ردّة فعل عنيفة , تساوي بالاتجاه الآخر المعاكس ,الفعل المحاصر لوجود الكرد و واقع حياتهم و تاريخهم و كل طموحاتهم الوطنية و القومية, ليعيشوا حالة غليان وانتقام , ولكن صبر هذا الشعب وأصالته وعمق تراثه , وروعة تجذره حالت دون هذا التحدر والارتكاس , والولوج في حالة الكراهية البائسة , بل كان الجنوح إلى تلمس كل أسباب العفو والتسامح والمصالحة عنوانا بارزا في حياته الفكرية والسياسية وممارساته العملية , ليقلب كل الموازين والمراهنات الشوفينية الخاطئة ..

وقد استطاع السيد " عمرو موسى  الأمين العام للجامعة العربية " بفكره الثاقب , وحنكته السياسية أن يشيد بقوة بهذا التوجه الوطني الرائد للكورد وقادتهم في زيارته الميدانية لعاصمة إقليم كردستان " أربيل " حينما قال " إن الكورد يشكلون جزءا من الحل في العراق , وليسوا جزءا من المشكلة " , علما أن القادة الكورد كانوا قد أعلنوا- منذ بدايات سقوط النظام , وعلى رأسهم الأخ المناضل مسعود البارزاني- عن فتح صفحة بيضاء جديدة في العفو والتجاوز والمصالحة , بل عقدوا مؤتمرا وطنيا واسع الطيف للمصالحة في أربيل على مدى يومين متواليين في 27-28/3/2004 ولما ينقض ِ أكثر من عام على سقوط ذلك النظام الذي دمر كوردستان و أحرق الأخضر واليابس, وقد حضرنا كامل وقائعه , وكان مؤتمرا نوعيا عظيما ضم مختلف القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية المدنية والعسكرية العراقية , بما فيهم قائد سلاح الجو في النظام السابق , وهذا يعبر عن بعد فكري و سياسي تصالحي عميق , لا يقدر عليه إلا الكبار, حتى إذا كانت انتخابات الربيع في السابع من آذار /2010 وما نجم عنها من كتل سياسية فائزة , وبروز تحديات كبرى في الداخل والخارج ,أثرت إلى حد كبير في تعويق العملية السياسية , وتأخير تشكيل الحكومة العراقية, وقف ائتلاف الكتل الكوردستانية الموحدة برئاسة رئيس إقليم كردستان الوقفة التاريخية المسؤولة , في مسافة واحدة وصلبة ووطنية ثابتة من مختلف الكتل( ائتلاف دولة القانون ثم التحالف الوطني , فالقائمة العراقية , والمجلس الأعلى , بما في ذلك جبهة التوافق والكتلة الصدرية . ) وما يعني كل ذلك من تعقيد كبير في المشهد العراقي وتركيبته الإثنية والفكرية والمذهبية , وتراكم الترهلات والأخطاء التي خلفها النظام السابق , وما كان محتدما من ألوان الصراع في الساحة العراقية بما فيها تحديات الإرهاب والعنف وما بين كل ذلك من ولاءات وخصومات , وتجاذبات هنا وهناك تجلت في الزيارات المكوكية والمتواصلة لرؤساء وقادة الكتل , وسياسة المشاحنات والتنابذ, لتكون كل هذه التحديات بمثابة إنذار بمزيد من التأزم , فيبرز الحرص البالغ من كل الوطنيين , وفي المقدمة القادة الكورد على ضرورة تجاوزها وتخطي عقباتها لتذليل كل الصعوبات , باتجاه لمِّ الشمل وتحقيق مصالحة وطنية شاملة استلزمت جهدا وفكرا متوازنا وصبرا كبيرا ومصداقية رائدة لا تتوفر إلا في كبار القادة, تجلت في الدعوة الأخيرة لقادة الكتل إلى حضور مؤتمر شامل إلى أربيل , في تلك المبادرة التاريخية الرائدة لرئيس إقليم كردستان , على الرغم من التحديات الشديدة في ظل التعقيدات التي ذكرناها , والتي عرقلت تشكيل الحكومة ثمانية أشهر , على الرغم من كل التدخلات الدولية والإقليمية ومحاولات التقريب بين الفرقاء , بما في ذلك التدخل المباشر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية , وعلى الرغم من انصباب المصالح الشديدة التباين والتناقض لمختلف الدول المعنية والقريبة والبعيدة , الأمر الذي جعل المبادرة في وضع   حرج ودقيق, مما استلزم الكثير من الحنكة والمرونة والصبر , وبعد النظر , والمصداقية في الطرح , وضمانات التقيد والتنفيذ , وهي مسألة في غاية الأهمية , والتي عبر عنها المفكر العراقي " حسن العلوي "– من قائمة العراقية - قائلا " إن الضمانة الحقيقية لنجاح المبادرة في أربيل هي ما صدر عن شخصية راعي المبادرة نفسه  السيد مسعود البارزاني " , وهو جوهر أساسي في تحقيق نجاح المؤتمر , وتوفر عوامل اللقاء , بعد أن وصلت الكتل المتنازعة والمتنابذة إلى درجة كبيرة من انعدام الثقة , وتبادل الاتهامات , لتجد في أربيل ,موطن الازدهار والعمران والاستقرار والموقف الوطني المتميز ملاذا وراحة وطمأنينة , ساهمت إلى كبير في تعزيز وتوطيد الثقة لبدء تخطي أكبر عقبة واجهت العملية الديمقراطية الحديثة برمتها , وهددت بدخولها مآزق خطيرة تكاد تطيح بوحدة العراق وأمنه .

لقد أدرك المنصفون والأحرار من المراقبين والدارسين والباحثين والساسة جدية الكورد وحرصهم على سلامة العراق ووحدته, مع حفاظهم الكامل على حقوقهم الدستورية و إدراجها في جدول العمل التصالحي دون أي تنازل, وراهن الكثير على مدى مصداقية شعب ساهم على مدى تاريخه الوطني العريق على الدفاع غير المشروط عن المقدسات المشتركة , معبرا عن طموح أصيل وعميق في خدمة مبادئه ومصالح شركائه , حريصا على ازدهار البلد الذي يساهم في بنائه , قادرا على فهم وإدراك تعقيدات المشهد السياسي , ونقده وتحليله , والوقوف بحياد إزاء صراعات غير مجدية , بعيدا كل البعد عن تصورات الحاقدين على تاريخه النزيه .    

كما بات واضحا ـ بعد هذه المبادرة التاريخية ـ أن الكورد شعبا وقادة و جماهير, جادون كل الجد في رفع دعائم وحدتهم الوطنية في بلدانهم التي يعيشون في ظلالها , مع شعوب متآخية على الرغم من كل مظاهر التنكر و التمييز والمطاردة, ومحاولات الإذابة والمحو إلى درجات الإبادة الجماعية التي اصطلى بنيرانها مئات الآلاف من القرابين, ليقف هذا الشعب العريق ـ وهو يلعق جراحه ـ صامدا صبورا, يواجه تعقيدات المشهد السياسي بحنكة وبراعة وصبر, ليجد في قادته ومحرريه و مناضليه المثل الأعلى, والرمز النضالي والوطني, في تحد تاريخي لكل ما كان يثار من استعانة الكورد بالآخرين, وتهديدهم وحدة بلدانهم, وإيثارهم مصالحهم على استراتيجيات العمل الوطني المشترك, مستندين إلى تراث كفاحي عريق لا يمكن إلا أن يكون الدرع الحصينة لبناء مستقبل المنطقة وآفاقها في عمل ديمقراطي مدني مزدهر, يسعد فيه جميع مكونات المجتمع المتعددة بالعيش الرغيد و التفاهم والوئام والسلام, إذ لن تعود بعد هذا الامتحان عجلة التاريخ إلى الوراء, مهما تفنن العنصريون في وأد طموحات هذا الشعب وحقه المشروع في حياة حرة آمنة و محاولة تهميشه وإقصائه وتجويعه و سحق تطلعاته. 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.