اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• الحكومة الجديدة والاحتمالات القادمة

د. جابر حبيب جابر

·        الحكومة الجديدة والاحتمالات القادمة

26/12/2010

 

جو من التفاؤل نتج عن إعلان تشكيل الحكومة الجديدة ورؤية الأطراف المختلفة وقد توصلت إلى صيغة للمشاركة نزعت فتيل الأزمة الطويلة وأظهرت أن السياسيين قادرون على أن يتجاوزوا الحواجز النفسية بل ويحولوا الخصومة إلى شراكة. السؤال الملح الآن هو عن آفاق هذه الشراكة وقدرتها ليس فقط على خلق الثقة بين الأطراف السياسية بل وأيضا على إنتاج حكومة قادرة على تحسين أوضاع المواطنين، وهي الغاية الأساسية من وجود الحكومة في أي مكان، على الأقل من الناحية النظرية.

 

الاحتمال المتفائل يشير إلى أن وجود تقارب بين أطراف ائتلاف العراقية وأطراف التحالف الوطني والنجاح في الوصول إلى صيغ لحل مشكلتي الاجتثاث وقانون المجلس السياسي للأمن الوطني، يوفر أرضية للتفاهم بين هذه الأطراف وعبور التوجسات المتراكمة التي ظلت تتراكم بفعل فقدان لغة الحوار ودخول الاستقطاب الإقليمي طرفا في المعادلة. الصفقة الراهنة في النهاية صيغت عبر توافق القوى العراقية وهو توافق خلق وضعا تحاوريا وبدأ تدريجيا يغير الاصطفاف القديم لصالح تفاهمات جديدة. يعني ذلك أن الانقسام السني - الشيعي قد تم تخفيفه بصيغة يمكن إذا تطورت أن تحد منه، وفي مرحلة لاحقة أن تضع نهاية له. إن ذلك بحد ذاته سيرسل رسالة داخلية وإقليمية مهمة وينهي مصدر التأزم الرئيسي في الوضع السياسي العراقي خلال السنوات الماضية كما يزيح عن القوى الإقليمية هاجسا مقلقا، إن أردنا أن نكون حسني النية، ومدخلا للنفوذ والتأثير، إن أردنا أن نكون متشككين. ما زالت هشاشة الصفقة تتطلب الحذر في التفاؤل، لكن وجود السياسيين الشيعة والسنة الأقوياء في مجلس الوزراء والمؤسسات الأخرى بمواجهة بعضهم سيقدم فرصة مهمة لإزاحة الشكوك وخلق مشتركات جديدة وبالتالي تغيير خريطة الاستقطاب السابقة.

 

الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الانقسام العربي - الكردي الذي يواجه في المرحلة المقبلة استحقاقات رئيسية وهو مرشح للظهور كملف ساخن مع طرح ثلاث قضايا مهمة تتعلق به، هي الإحصاء السكاني العام، وتطبيق المادة 140 التي لم يعلن أي من الأطراف الرئيسية رفضا صريحا لها، وإقرار قانون النفط والغاز وتوزيع عوائدهما. بوسعنا القول إذن إن هذه الدورة الانتخابية هي دورة مواجهة الاستحقاقات المؤجلة وبلورة حلول للاستعصاءات التي ظلت كامنة خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإن الشراكة القوية قد تمثل مدخلا للتعامل معها حواريا ودون هواجس مسبقة. لكن بالمقابل فإن أيا من هذه القضايا قادر على الإطاحة بهذه الشراكة.

 

إذا ما قررت الأطراف المختلفة استخدام الصفقة الراهنة كحل اضطراري لإعادة التخندق، وكتنازل مقبول لتجنب تنازلات أكبر تتعلق بصيغة النظام السياسي والإشكاليات التي مررنا على ذكرها، فإن ذلك قد ينطوي على أربع سنوات محملة بالأزمات وبمنطق حافة الهاوية، وهو وضع سيؤدي إلى تأزيم الجو المتعطش للهدوء وإلى شلل الحكومة وأجهزتها. لقد كان واضحا أن ثمن الصفقة الراهنة هو حكومة مترهلة وأسماء لوزراء؛ كثير منهم يفتقر للكفاءة اللازمة، وقد كشفت الكتل السياسية، بما فيها تلك التي تشترك مع بعضها في ائتلافات انتخابية أنها متمسكة بأسلوب المحاصصة وغير مستعدة للتفريط في أي منصب متاح لصالح تقديم مفهوم الكفاءة. كان بإمكانها مثلا أن تتفق على إخراج بعض المواقع ذات الصبغة غير السياسية من المحاصصة، أو على الأقل أن يقوم الحزب المعني بترشيح شخصية مستقلة ومؤهلة لشغل المنصب كحل وسط بين الكفاءة والمحاصصة. لم يحصل ذلك حتى فيما يخص مناصب غير ذات قيمة حقيقية، وهناك من يعد بالجولة القادمة من التحاصص والتي ستشمل المؤسسات المستقلة.

 

يقودنا ذلك إلى التساؤل عن إمكانية أن تكون الحكومة فاعلة وتحسن من وضع المواطن العراقي، وفي الحقيقة أن هناك عدة عوامل قد تحول دون ذلك، فأولا أن الحكومة تشكلت كصيغة لحل وتنفيس الأزمة السياسية عبر توزيع السلطة والمناصب بطريقة ترضي جميع الأطراف، وبالتالي فإن هذه الأطراف تقارب المناصب على أنها حصص لا مسؤوليات، وأن الهدف هو استخدام المناصب لتعظيم المكاسب السياسية وبالتالي فإن الصراع سيتركز على استخدام كل طرف ما لديه من سلطة لتحسين وضعه في مقابل الطرف الآخر، بينما القدرة على الإنجاز تتطلب فهما آخر يتمثل في أن الناخب سيسقط في المرحلة القادمة أولئك الذين يفشلون في خدمته، وفي هذه الحالة فإن الأحزاب لديها خطة بديلة تتمثل بتغيير الأجندة وتحويلها من الكفاءة إلى صراع الهويات، ومن الحديث عن مستوى الإنجاز إلى الحديث عن القومية والطائفية والهوية.

 

هذا ما حصل في المرحلة السابقة ولكن تكراره هنا سيواجه أولا بوعي الناخب المتزايد الذي سيأخذ تدريجيا في تجاهل أجندات السياسيين ويميل إلى أجندته، وثانيا في أن الخيارات السابقة كالعنف وتهديد وجود النظام لم تعد متاحة كما كانت عليه. هذا المخرج البراغماتي وحده هو الذي قد يدفع إلى التفكير بأهمية الإنجاز، ولو كأولوية ثانوية.

 

"الشرق الأوسط"

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.