اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بعد ١٠٦ أعوام على ثورة أكتوبر الاشتراكية- ج3// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

بعد ١٠٦ أعوام على ثورة أكتوبر الاشتراكية/ الجزء الثالث

د. ادم عربي

 

سأتناول في هذا الجزء تأثير ثورة أوكتوبر في العالم.

تأثرت بعض الدول في أنحاء مختلفة من العالم بالنموذج الاشتراكي الروسي الذي نشأ مع تأسيس الدولة السوفيتية، وبدأت تجارب اشتراكية خاصة بها. ومن بين هذه الدول، كانت دول وسط وشرق أوربا التي تحررت من الاستعمار النازي بفضل المساعدة السوفيتية في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. وفي هذه الدول، تعاونت القوى السياسية المختلفة التي قاومت النازية، مثل الأحزاب العمالية  والديمقراطية الوطنية، لتشكيل حكومات تحالفية تهدف إلى إعادة إعمار بلدانها والانتقال إلى النظام الاشتراكي بموجب برامج عمل محددة، وبالاستفادة من دعم الاتحاد السوفيتي. تمكنت هذه الدول من تحقيق إنجاز عظيم في إعمار ما دمره الاحتلال النازي من بلادها وفي الوقت نفسه شرعت في تطوير اقتصادها بأسلوب اشتراكي يراعي القطاع الخاص الفردي في مجالات الزراعة والصناعات اليدوية الصغيرة والخدمات التي شكلتْ حوالي 20% من إجمالي ناتجها القومي. تلت ذلك الصين الشعبية بعد انتصار الجبهة الوطنية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني عام 1949 فكانت لها تجربتها الخاصة لبناء الاشتراكية التي انتهجتها حتى عام 1978 باشرت بعدها تجربة جديدة أطلقت عليها اشتراكية اقتصاد السوق وفق المنظور الصيني. أخذ بالمنظور الصيني الجديد عندما انتصر التيار الاصلاحي في قيادة الحزب الشيوعي الذي قام على اثره بتغييرات جوهرية في السياسة الاقتصادية الصينية عدت تراجعا كليا عن الخط الاشتراكي الذي وضع موضع التطبيق في عهد زعيمها حينها ماوتسي تونغ عام 1949. وما يزال الحزب الشيوعي على رأس السلطة الصينية وتحت قيادته يتطور الاقتصاد الصيني الرأسمالي تقوده آلاف الشركات الخاصة مع دور مهم لقطاع الدولة في التصنيع والتجارة الدولية والاشراف على نشاطات القطاع الخاص الصيني. وقد سمح النظام القائم لنشاط واسع للشركات الرأسمالية الاجنبية في البلاد.

 

بعض الدول التي اتبعت النظام الاشتراكي في تاريخها كانت تحت تأثير الاتحاد السوفيتي سياسيا واقتصاديا، مثل جمهورية اليمن الجنوبية في أواخر السبعينات ومصر والشيلي وفنزويلا واثيوبيا وليبيا وزيمبابوي وأنغولا وموزامبيق وغرينادا والكونغو برازافيل. كما كان لبعض الدول تجاربها الاشتراكية ، مثل كوريا الشمالية وفيتنام وكوبا، التي قادها قادة وطنيون مستقلون. واجهت هذه الدول مصاعب منذ اليوم الاول لمباشرتها وصعوبات كبيرة نتيجة الحروب الداخلية والخارجية التي أثرت سلبا على عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي كوريا، دمرت الحرب التي اندلعت عام 1950 اقتصاد البلاد وما زالت تركت آثارها حتى يومنا هذا. وفي فيتنام، تعرضت الدولة للهجوم الأمريكي بعد أن تخلصت من الاستعمار الفرنسي، بسبب سياسة الأمريكية المعادية للشيوعية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث خسرت ألمانيا النازية أمام روسيا السوفيتية، مما زاد من شعبية الفكر الاشتراكي والدولة السوفيتية.  خلال الفترة من عام 1956 إلى عام 1972، تعرضت فيتنام لعدوان أمريكي دموي أسفر عن مقتل نحو 700 ألف فيتنامي وإصابة 15 مليون آخرين بجروح وإعاقات. كما تكبدت البلاد خسائر مادية هائلة بسبب القصف الجوي الذي استخدم فيه الأمريكيون قنابل ومتفجرات ومواد كيماوية شديدة الضرر. وقد بلغ إجمالي ما أسقطته الطائرات الأمريكية من تلك المواد 7،555،880 مليون طن، وهو رقم يفوق ثلاثة أضعاف ما ألقته على قوات المحور في الحرب العالمية الثانية والذي كان 2،562،440 مليون طن.

 

بعد سنوات طويلة من الصمود أمام العدوان الأجنبي، تمكن الفيتناميون من تحقيق حلمهم في توحيد شطري بلادهم الشمالي والجنوبي، وسقطت سايغون عاصمة الجنوب في أيديهم بعد هزيمة القوات الأمريكية وحلفائها. وبدأت فيتنام مسيرة نحو الاشتراكية بالاستفادة من المساعدات التي قدمتها لها الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى. لكن هذه المسيرة تعرقلت بعد انهيار النظام الاشتراكي في روسيا وفقدان فيتنام للدعم المادي والعلمي والعسكري. ولم تكن فيتنام وحدها التي فشلت في بناء الاشتراكية، ففي أماكن أخرى مثل اليمن الجنوبي وأثيوبيا والشيلي تم إجهاض محاولات مماثلة، بينما تواصل كوبا وفنزويلا مقاومة الضغوط والعقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة.

 

لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بمواجهة الدول التي تسعى لبناء نظام اشتراكي ، بل شنت حملات عسكرية على الدول السيادية التي تحافظ على علاقات جيدة وتعاون مثمر مع دول فيتنام وكوريا الديمقراطية والصين الشعبية والدول الاشتراكية. تعرضت دولة لاوس وكمبوديا المحايدتان للاجتياح الأمريكي الذي استغرق تسع سنوات من عام 1964 إلى عام 1973. خلال فترة الهجوم الأمريكي على لاوس ، أسقطت طائراتها أكثر من مليوني قنبلة في غارات تجاوزت 58000 غارة وعلى مدار 24 ساعة متواصلة بمعدل غارة كل ثماني دقائق وبمعدل طن من المتفجرات لكل شخص وهو رقم قياسي في التاريخ للبلد الذي تلقى هذا الحجم من المتفجرات بدلا من المساعدات الغذائية والإنسانية التي كانت لاوس وكمبوديا في حاجة ماسة إليها. تجربة روسيا الاشتراكية هي الأخرى تعرضت للحروب العدوانية منذ سنينها الأولى ، فعندما كانت تسعى لبناء اقتصادها الاشتراكي بطريقة سلمية، تعرضت لحرب تدخل شنتها دول امبريالية مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول الأوروبية في عام 1918، في حين كانت تحاول استعادة اقتصادها المدمر وجيشها المنهك بعد قرارها بالخروج من الحرب العالمية الأولى.فالدولة الاشتراكية اعلنت أثناء ما كانت الحرب ماتزال مشتعلة وتستنفذ مواردا بشرية واقتصادية هي في أمس الحاجة اليها. وخلال ذلك كانت قوات النظام الرجعي السابق تحاول اعادة عجلة التاريخ الى الوراء عن طريق اعادة ترتيب قواها فباشرت ببدء الحرب الأهلية لافشال خطط بناء النظام الاشتراكي الجديد. كانت الحرب التي تواجهها الدولة الشابة في تجربتها الاشتراكية الجديدة عائقا أمام بناء الهياكل الأساسية للنظام الذي يهدف إلى إنهاء الظلم الاقطاعي العبودي، وكان هذا الظلم يسمح للأرستقراطية بالاستيلاء على معظم الأراضي الزراعية وتكديس الثروات بينما يعاني الملايين من المزارعين من المجاعة. لذلك، كانت أولوية الدولة إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن.  كانت القوى الرجعية التي تعارض السلطة الاشتراكية الجديدة تحظى بدعم مادي ومعنوي من الدول الأجنبية التي كانت تخشى أن تصبح الدولة الاشتراكية نموذجا يحتذى به من قبل شعوبها والدول المتحالفة معها. وفي ظل استمرار الصراعات السياسية الداخلية التي كانت تهدد استقرار النظام الجديد، اندلعت الحرب العالمية الثانية في عام 1939 ثم شن النازيون هجوما على الدولة الاشتراكية في عام 1941. وقد تسببت هذه الحرب في خسارة كبيرة للبلاد من حيث الموارد البشرية والاقتصادية التي استهلكت في مواجهة  وإيقاف التقدم النازي ثم تحرير أراضي روسيا بالكامل من بقاياه.  ميخائيل كورباجيف هو المرتد الذي تولى قيادة الدولة الاشتراكية عام 1985 وبدأ في تدميرها من الداخل. لم يكن لديه هدف سوى إنهاء النظام الذي أسسه الثوريون والمقاتلون من أجل العدالة والمساواة. خلال خمس سنوات من حكمه، أوقف كورباجيف عملية البناء الاشتراكي وأحدث حالة من الانهيار والفوضى في البلاد. كان يجتمع بانتظام مع رئيس الولايات المتحدة رونالد ريغان، الذي كان يحارب الاتحاد السوفييتي بكل الوسائل الممكنة. وفي ظل حكم كورباجيف، ازدهرت مافيات الفساد والسوق السوداء، وتدهورت حالة الشعب السوفييتي إلى مستوى لم يشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

بعد أن تولى كورباجيف السلطة لمدة ثمانية أشهر، عقد اجتماعًا مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان استمر يومين. في نهاية الاجتماع، أعلنا عن بعض الاتفاقات حول تخفيف التوتر بين البلدين والحد من عدد الصواريخ النووية ذات المدى القصير والمتوسط وتقليل المخزون النووي إلى أدنى مستوى ممكن. كورباجيف بدا وكأنه مفاوض قوي وأجبر الجانب الأمريكي على التنازلات، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا. فقد حقق كورباجيف أهم أهداف رونالد ريغان التي كان قد خطط لها قبل أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة وهي إنهاء النظام الاشتراكي واستبداله بالنظام الرأسمالي. ريغان كان لديه برنامج محدد للقضاء على النظام الاشتراكي وبدأ في تطبيقه منذ أول يوم في منصبه في عام 1980، قبل خمس سنوات من تولي كورباجيف منصبه في عام 1985. فما هو برنامج ريغان؟؟. في شهر كانون الثاني- يناير 1977 اربعة سنوات قبل دخوله البيت الأبيض صرح لبعض المقربين له من الحزب الجمهوري انه يفكر بالحرب الباردة وانه يحمل حلا قائلا " نحن سننتصر وهم سيخسرون" وكان يعني بذلك الانتصار على المعسكر الاشتراكي . وما أن انتخب رئيسا للبيت الأبيض باشر سياسته الهجومية ضد الاتحاد السوفيتي معلنا ان وقت سياسة الاحتواء قد ولى وعلينا العمل من أجل الفوز. السياسة الخارجية الأمريكية المتبعة حينها ولفترة طويلة هي تحاشي الصدام مع الدولة السوفيتية والتركيز على السبل الدبوماسية ، وهو ما حاول مستشاراه للسياسة الخارجية والاقتصادية اقناعه به وهما البروفيسورJohn Kenneth Galbraith و Arthur Schlesinger مبررين ذلك بالقول " ان الاتحاد السوفيتي قوي اقتصاديا وعسكريا وان استمرار سياسة الاحتواء والحوار هي افضل لأمريكا . باعتباره الرئيس الأمريكي المنتخب، أكد في أول مؤتمر صحفي له أن الاتحاد السوفيتي يهدف إلى إحداث ثورة عالمية لإقامة دولة شيوعية عالمية، وأنه لن يسمح بذلك. وقال: "الشيوعية في حالة تراجع وانهيار، وأنا مسؤول عن استراتيجية الفوز". واستند في هذا الموقف إلى تحليله الشخصي وإلى التقارير الاستخبارية التي تلقاها. وعقد 57 اجتماعا لمجلسه الوطني في العام الأول من حكمه لوضع سياسة تتماشى مع هدفه المتمثل في تدمير الاتحاد السوفيتي.  بدأ بإلقاء خطابات موجهة لشعوب الدول الاشتراكية عن طريق وسائل الإعلام التي زادت من نشاطها بناء على تعليماته ووعد الذين عاشوا خلف الستار الحديدي لمدة حوالي 40 عامًا بأن الحرية قادمة وأن العالم الحر لم يتخلى عنهم. كما تحدث إلى الهنغاريين بشكل خاص وأشاد بمظاهراتهم التي نظموها في عام 1956 وما تلاها. وفي عام 1981 في الذكرى الخامسة والعشرين لانتفاضتهم ألقى خطابًا خاصًا بهذه المناسبة قائلاً: "إن نضالكم من أجل الحرية جعل الأمريكيين أكثر حرصًا على العمل من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية لجميع البشر". وكرر ذلك في خطابه في مجلس العموم البريطاني عندما زار بريطانيا في عام 1982.

 

الرئيس ريغان واصل ما بدأه الرئيس هاري ترومان، الذي أطلق الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتي في عام 1949، بناءً على سياسة خارجية وضعها وزير خارجيته دين أجيسون. وكانت هذه السياسة مستندة إلى تقرير سري للغاية أعده جورج كينون، السفير الأمريكي السابق في موسكو ومدير وكالة المخابرات المركزية، بالتعاون مع بول نيتز، رئيس مجلس الأمن القومي آنذاك. وحمل هذا التقرير السري اسم NSC- 68، وفيه زعم أن الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي هو "صراع بين مجتمع الحرية ومجتمع العبودية". لذلك، لا يُستغرب أن نجد ساسة أمريكا الذين خلفوا ترومان يتبنون سياسات معادية للشيوعية، تهدف إلى التقليل من نفوذ النظام الاشتراكي، الذي ازداد قوة وشعبية بعد هزيمته للنظام النازي في الحرب العالمية الثانية. لقد ورد بذلك التقرير العالي السرية ان على الولايات المتحدة انتاج القنبلة الهيدروجينية لدفع سياسة سباق التسلح الى أعلى مستوياتها منطلقين من اعتقاد بأن ضعف الولايات المتحدة يقود الى العدوان عليها. لكن بعد اجراء التجربة الناجحة للقنبلة النووية من قبل السوفييت عام 1949 دب الفزع في نفوس القادة السياسيين الأمريكيين بسبب فقدانهم ميزة التفوق العسكري على الاتحاد السوفيتي حيث تحول الاحتكار الأحادي للسلاح النووي الى احتكار ثنائي.

 

 انتشر الاعتقاد بأن الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين يخطط لإنتاج سلاح ثرمونووي هائل، يمكن أن يساوي قوة ألف قنبلة نووية عادية. وقد أظهر الخبراء الأمريكيون اهتمامهم بهذا الأمر وبدأوا في تطوير هذا النوع من السلاح الفتاك، لإجبار الاتحاد السوفيتي على المشاركة في سباق تسلح باهظ التكاليف. ولكن لم يثبت التاريخ أن هذا السلاح تم إنتاجه أثناء حياة ستالين، الذي كان له دور كبير في كسر احتكار الولايات المتحدة للسلاح النووي، أو في عهود قادة سوفيت آخرين بعده. ولكن بعد وفاة ستالين، تم إطلاع القيادة السوفيتية على مضمون التقرير الأمريكي السري NSC – 68، الذي دعا إلى إنتاج القنبلة الهيدروجينية، مما دفعها إلى رد الفعل على تلك المخططات وتحذير الأمريكيين من خطورة تصعيد سباق التسلح. وفي خطابه أمام مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي، بعد انتخابه أمينًا عامًا للحزب، صرح جورجي مالنكوف ردًا على تلك التقارير قائلاً: "إن من يضرب على بابنا سيلقى جوابًا، وإن الاتحاد السوفيتي قادر على إنتاج القنبلة الكوبالتية وليس فقط الهيدروجينية".

 

يتبع في الجزء الرابع

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.