حسن الخفاجي

 مقالات اخرى للكاتب

    موسم الرشاوى 

في مقال سابق  بعد سقوط بن علي كتبت: الدنيا مواسم وهذا موسم تساقط العروش والتيجان. لم أكن احسب  ان يتزامن هذا الموسم مع موسم آخر هو موسم الرشاوى. اعتادت الشعوب الخائفة  المقهورة على تقديم القرابين والرشاوى إلى الحكام المحاطين بمجاميع من الكرادلة والمستفيدين .جاء الموسم  الذي تعيد فيه هذه الأصنام جزءا من هدايا الشعوب ونذورها وهي ذليلة خانعة , بعد ان أسقطت قوة الشعوب هيبتها وأهانت كرامتها , ها هم  يسبحون أمام أنظارنا عراة , كاشفين عن عورات ضعفهم وانهزامهم,  أذلاء دون هالة الكرامة  التي اصطنعوها لأنفسهم , بعدما اغتصبوا حقوق الشعوب, ليصبحوا مالكين لحاضرنا ومستقبلنا , متحكمين بلقمة عيشنا وكرامتنا وحريتنا .

بدأت أسطورتهم تتهاوى مع سقوط أولهم , هاهم يقدمون لنا القرابين بعدما مللنا دور البائس الضعيف .

ها هو الزمان يعود إلى مجراه الصحيح , ويلف الخوف الطغاة , ويأتون زاحفين كما  يزحف الأطفال , لا يرفعون جباههم في معابد الشعوب المقدسة , يقدمون النذور والقرابين والرشاوى من اجل الصفح عنهم .

ان كل ما يقدموه من رشا , هي من مالنا المسروق , و من كرامتنا المنتزعة , ومن حريتنا المغتصبة .

أيها الثوار المقدسون , أيها المنتفضون الأحرار في كل الدول العربية , أرى فيكم ومن خلالكم روح الله  , ودم الحسين , وثرى كربلاء , لم لا , فثورة الحسين ثقافة ثورة المظلومين وصيحة المنتفضين  على من ظلموهم. محصلتها النهائية انتصار الدم على السيف , شاهدناها هذه الثقافة وهذه الروح وقد انتصرت في ساحات تونس ومصر, وستنتصر في كل البلدان التي تسفك فيها دماء المظلومين بسيوف الظلم في: البحرين وليبيا , واليمن , وفي باقي بلدان العرب.

 أيها الثوار شاهدت من خلالكم: شموخ وقوة قبضة المظلوم وصبره , وجبن الظالم المستبد وهزيمته . كنتم  بلا حول ولا قوة وانتم تقدمون قرابين الشهداء, وتقدمون أجسادكم الطرية لنهش سياطهم  , تذكروا أجساد أخوة لكم تعفنت في ظلمة ورطوبة سجونهم ,  تذكروا إخوتكم وأهاليكم الغرباء المنفيون الهائمون في الغربة بلا وطن , تذكروا رؤوس مناضليكم التي قطعت , وشرف ومحرمات انتهكت, تذكروا جوعكم وذلكم وخوفكم .

ما الذي سيقدمهم الحكام  ليعوضوكم عن كل هذه الجرائم ؟

 انتم في أوج قوتكم وهم في قمة ضعفهم . جاء اليوم الذي تفتحون فيه فواتير الحساب. جاء اليوم الذي تأخذون فيه السوط من أيدي الجلادين , لتجلدوهم مثلما جلدوكم جاء اليوم الذي تدوسون بما تبقى من كرامة لهم بإقدامكم , فلا تقبلوا ولا تقنعوا برشاوى الطغاة, التي  يقدمونها ساعة ضعفهم , لأنهم سيأخذونها أضعافا مضاعفة منكم إذا وهنتم وعادت القوة بين أيديهم . تجربة انتفاضة شعبان في العراق مازالت ندية في الذاكرة , حين قدم صدام بساعة ضعفه التنازلات , لكنه عندما تمكن منا عاد وانتزع كل ما قدمه وانتقم منا, واخذ أضعافا مضاعفة من شبابنا .

عندما يثور الجياع والمكبلون في الأغلال فأنهم لن يخسروا غير جوعهم وأغلالهم , لا يمسككم خوف أو تردد , لان الظروف التاريخية المواتية للثورات والانتفاضات لن تتكرر كل مرة .لا تقبلوا بأقل من حريتكم , وتطلعكم نحو مستقبل لا خوف فيه ولا قتل تعيشون بحرية وكرامة .

موسم الرشاوى التي يقدمها الحكام وجوقتهم في بعض البلدان العربية , كان وقت الانتخابات , وهذا موسم آخر استثنائي  يقدم فيه الحكام فروض طاعة خادعة .

ابتدأ موسم الرشاوى بن علي بوعود لم يسعفه الوقت لتنفيذها, وتلقفها حسني الذي لم يعمر أكثر من صاحبه , وفي الجزائر خفض حاكمها أسعار المواد الغذائية الرئيسية , وتذكر بقانون الطوارئ ووعد برفعه , وفي ليبيا أفرج حاكمها عن معتقلين سياسيين ,  ثم أنابه ابنه سيف الإسلام وخيّر أهل ليبيا بين البيعة للقذافي , التي تحمل لهم الشبع والأمن والمستقبل , وبين الرفض الذي يحمل لهم الموت والجوع والمستقبل المظلم , وفي البحرين وزع حمد رشوة نقدية لكل عائلة ألف دينار , في سوريا وزع الأسد مواد غذائية مدعومة وخفض الضرائب عن المواد الغذائية  ودعم المزارعين  , اغرب الغرائب ان تنضم الحكومة العراقية المنتخبة إلى الحكومات القمعية , التي قدمت الرشاوى لشراء رضا مواطنيها , لأنها ظلت تنتظر فترات طويلة إلى ان وعدتنا بتوزيع حصة تموينية إضافية , ومبلغ 15 ألف لكل مواطن شهريا , ووعدونا بإنهاء مشكلة الكهرباء خلال عام ونيف , وكان الأجدر بالحكومة ان تمد خيوط التواصل مع مواطنيها , دون الحاجة إلى ضغط الاحتجاج والتظاهر. الترقيع لا ينفع لان معاناة الشعوب كبيرة , لا ينفع معها مبدأ الترقيع والرشاوى , (الشكَ جبير والركَعة زغيرة). كل ما يقدموه لا يساوي نقطة دم أريقت , ولا يساوي دموع أم انتظرت عودة ولدها المغيب , ولا تعوض شرف وحرمات انتهكت, ولا تساوى ذلة أيام سوداء عاشته الشعوب: بخوف , وجوع , وقهر, وحرمان , واستبداد , وجرائم كبيرة وخطيرة ارتكبت بحق شعوب آمنة .

العفو عن الظالم جريمة بحق المظلوم

حسن الخفاجي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.