اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

حكاية ونَص.. بركة الدم.. 23 شباط 1963!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

حكاية ونَص.. بركة الدم.. 23 شباط 1963!

محمود حمد

 

الحكاية:

في منتصف الثمانينات وفي مكتب مجلة (دنيا العرب) بدمشق قال الكاتب والروائي الفلسطيني (محمد ابو عزة) سكرتير تحرير المجلة:

في ضميري (مشهد) لم يغب عنه، ولابد ان ارويه، ولكن ليس في سورية، لان الامر يتعلق بحقبة من تاريخ البعث، وان كان الامر يتعلق بالبعث العراقي.

 

المشهد يعود الى العام 1963 وتحديدا في الأيام الاولى بعد انقلاب 8 شباط...

كنت ضمن طاقم الحرس القومي في مديرية الامن العامة، ومن بيننا مجموعة من العرب والفلسطينيين تحديدا، ولاسيما بعض ممن اصبح في الخط الاول من قيادات منظمة التحرير ضمن حركة القوميين العرب، كـ “أبي علي مصطفى" الذي قال يوما، بأنه يود لو يقطع يده التي ساهمت في تعذيب الشيوعيين والمناضلين العراقيين في تلك الفترة.

 

وفي نهار يوم كان لدينا ضيف "دسم" اقمنا له "وليمة دسمة" هي الاخرى من صنوف التعذيب والهتك الجسدي والنفسي على مدى ساعات.

(الضيف) كان "سلام عادل" السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي.

كانت طاقتنا على الابداع في التعذيب والقهر لا توصف، وكانت طاقته هو على الصمود والتماسك لا توصف أيضا...

وحين بدا ان الرجل في طريقه الى النهاية الاكيدة، جاءتنا اوامر بالإبقاء على الرجل، لان شخصية مهمة في الطريق الينا.

ولم تكن تلك الشخصية سوى "علي صالح السعدي" وزير الداخلية والامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وفي "صالون ابداعنا" بدا المشهد طويلا، حين وقف السعدي يحدق في "سلام عادل" الذي لم يبد انه على وشك الإنطفاء بعد.

ثم قال "السعدي" مقربا فمه من “سلام عادل" :

"انت منتهي وليس عليك الا الاعتراف".

ثم كرر طلبه غير مرة، وفجأة رفع "سلام عادل" رأسه وحدق في وجه "السعدي" طويلا، ثم قال بكلمات متقطعة، ولكن واضحة ومفهومة:

انت سكرتير حزب يفترض انه من ضمن احزاب التحرر، وتطلب مني انا سكرتير حزب شيوعي ان اعترف.. انت لست اكثر من شرطي مثل هؤلاء.

ثم سكت "سلام عادل" لحظات، وبدا وكأنه يستجمع قواه مرة اخرى، ثم فجأة بصق في وجه السعدي بصقة يخالطها الدم...

لم يبد من السعدي للحظات اي رد فعل سوى ان يمسح البصقة، وبدت منه حركة واشارات عصبية فهمنا المقصود منها:

اجهزوا على الرجل.

ولا اريد ان اسهب في كيفية اجهازنا عليه، ولكن الامر بدا وكأنه قريب من نهاية واستشهاد الكثير من الرموز التاريخية العظيمة).

 

وبين اعتقال (سلام عادل) في 19 شباط واستشهاده في 23 شباط... يقول (أمين هويدي) أول سفير لمصر بعد الانقلاب:

(إن وفداً "من الانقلابيين" برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية علي صالح السعدي سافر يوم 21 شباط للقاء جمال عبد الناصر، وضم الوفد عبد الستار الدوري "مدير عام الإذاعة والتلفزيون"، وطالب شبيب "وزير الخارجية" وصالح مهدي عمّاش "وزير الدفاع" وفؤاد عارف "وزير الدولة" وحردان التكريتي "آمر القوة الجوية" وخالد مكي الهاشمي "آمر الدبابات"، ومعهم وفد شعبي ضم "حسين جميل" و"جلال الطالباني" و"أديب الجادر" و"عبدالله سلّوم السامرائي")!

 

وجاء في كتاب (سلام عادل.. سيرة مناضل) بقلم "ثمينة ناجي يوسف “و"نزار خالد":

(إنه بعد تعذيبه " تغَيَّرَ جسده ولم يعد من السهل التعرف عليه. فقد فُقِئَت عيناه، وكانت الدماء تنزف منهما ومن أذنه، ويتدلى اللحم من يديه المقطوعتين، ورش الملح والفلفل فوق جسده المدمى لزيادة آلامه، وبقي على هذه الحالة في سرداب تغطي أرضه المياه القذرة والحشرات، ويعلو فيه أنين المعتقلين وهذيانهم وحشرجات الموت، حتى لفظ انفاسه")!

 

ونحن لن ننسى الثالث والعشرون من شباط 1963... كي لا نسمح لـ(البغاة من كل لون!) ان يعيدوا الكرة مع أي (انسان) بسبب فكره او معتقده او انتمائه السياسي...

وبعد مرور 60 عاماً على تلك الجريمة... كان لابد لي ان استذكر تلك الأيام العصيبة لأكتب:

بركة الدم... 23 شباط 1963؟!

 

في تلكَ الليلة كُنّا جوقةُ فتيانٍ مرصوفين إلى جدرانِ الرملِ الباردِ...

جاءت غيمةُ أشباحٍ دون رؤوسٍ في أعقابِ كثيب الدخان الأسود...

دارَتْ موتاً حول الآثار المسفية للأقدام العريانة...

قطعوا عَنّا مَديات الرؤية...

قبرونا في جوف الليل الأخرس...

وقفوا في طابور يمتد من الأنفاس المقموعة...

حتى الفوهات "العربية"(1)!

****     

سألونا عن أسماء الحفّارين لقبر السلطة... فأجبنا:

"منشورٌ" يتلألأُ في أعمدة الظُلمة...

رجلٍ فارعٍ من حارات النجف المأسورةِ (2)...

استفهاماتٌ تتشظى في الطرقات...

حشودٌ للرفض الصاخبِ...

لهيبُ دموعٍ يحرق أصنام السلطة التبنية!

قالو دون صتيت:

(جئنا كي نبقى) عَدَماً...في أرض النهرين!!!

صَدقوا ما قالوا...

للساعةِ تَدوي مَطحنةُ الموتِ العَبَثي المتفاقمِ...

في ارجاء الوطن المسلوب!

_______________________________

(1) العربية: إشارة إلى رشاشات "بور سعيد" التي استخدمها الانقلابيون في ذبح الوطن وأبنائه.

(2) الشهيد سلام عادل.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.