مقالات وآراء
تجمعنا كرة القدم وتفرّقنا كرة السياسة// محمد حمد
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 20 تشرين2/نوفمبر 2025 21:07
- كتب بواسطة: محمد حمد
- الزيارات: 119
محمد حمد
تجمعنا كرة القدم وتفرّقنا كرة السياسة
محمد حمد
من حسن الحظ أن كرة القدم، رغم صغرها وتدحرجها بين ارجل اللاعبين، لا تعرف المحاصصة ولا التفاهمات ولا تعترف بالأحزاب السياسية. ليس في العراق فقط، بل في جميع أنحاء العالم. وكرة القدم هي الحزب الوحيد، إذا جاز القول، الذي يتبعه الناس بعيونهم وقلوبهم واصواتهم دون أن يطالبونه بمناصب ومكاسب سوى الفوز على الخصوم وداخل المستطيل الأخضر فقط.
لقد عمّت الفرحة الغامرة أرجاء العراق بفوز المنتخب الوطني على نظيره الاماراتي وتأهله إلى ملحق كاس العالم لعام ٢٠٢٦. ولم يبق عراقي واحد، باستثناء الموتى، الا وعبّر بهذا الشكل او ذاك، عن سعادته وفرحه، بل واعتزازه وفخره، بفوز اسود الرافدين. وكانت ليلة أمس واحدة من الليالي التي جعلت من السياسة وتشكيل الحكومة والرئاسات الثلاث اخر اهتمامات وهموم العراقيين. فسدّدوا ضربة جزاء قاتلة لسياسة المحاصصة التي جعلت من العراق دولة مكونات لا دولة مواطنة.
وما أضاف لفرحي نكهة خاصة وفرحا آخرا هو مشاهدتي لعشرات، بل مئات السيارات، تجوب شوارع محافظات الاقليم والشباب الكرد يلوّحون بالعلم العراقي، وبشكل خاص في قضاء عينكاوا في اربيل. وكان لمشهد آخر في كورنيش البصرة مغزى عميقا ودليلا ساطعا على أننا عراقيون وان اختلف أعراقنا وأصولنا ولغاتنا وتوجهاتنا السياسية. في كورنيش البصرة رقص الجميع، العربي والكردي والتركماني وغيرهم، رقص المسلم والمسيحي والصابئي ومن لا دين ولا ملّة له، رقصوا كل على طريقته ورقصته المفضلة.
لا ينكر أن السياسة، وبشكل خاص في العراق، هي الميدان الوحيد الذي يتقاتل فيه الناس. وهي السبب الوحيد في خراب الاوطان وتمزيق نسيج المجتمع وجعله في حالة خصام وتناحر مستمرة من أجل حفنة من (الزعماء) المصابين بجنون الغواية وعقدة التسلّط والهيمنة.
ليت كل ايامنا كرة قدم. يت كل ضربة جزاء تدخل في شباك السياسيين وتسقطهم في ملعب السياسة وتحرمهم من فرصة التاهل إلى (مونديال) المناصب العليا، ولو لفترة وجيزة. فالشعب العراقي، بكل مكوناته واعراقه واديانه، بحاجة ماسة إلى جرعة فرح مركزة تأتيه من خارج مقرات الأحزاب وتغريدات اصحاب الدشاديش والعمائم والسراويل.
وعلى العراقيين جميعا، من الشمال إلى الجنوب، أن يستعيدوا وطنهم قبل أن يضيع في متاهات المحاصصة ودهاليز التفاهمات وضباب الوعود الكاذبة...


