اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

العراق وتركيا وملف المياه المشتركة (4)// د. حسن الجنابي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

العراق وتركيا وملف المياه المشتركة (4)

 د. حسن الجنابي

أولا:

تستمر تركيا في تشييد سد اليسو على نهر دجلة على مسافة 65 كم عن الحدودالعراقية، وقد قرأت في اكثر من موضع تصريحات مسؤولين اتراك اشارت الى ان بناء السد سيكتمل في العام 2015، بعدما اعلن في نهاية القرن الماضي عن اكتمال مشروع "غاب" عام 2010. وحقيقة فان الاستمرار في اعمال تشييد السد ينطوي على تحد واضح للرأي العام العالمي، فضلا عن المحلي والاقليمي، خاصة بعد ان سحبت الحكومات الاوروبية الثلاثة، المانيا وسويسرا والنمسا، تأييدها لتمويل نسبة تقدر بحوالي ثلث كلفة المشروع، الذي تزيد كلفته الكلية على مليارين ونصف المليار دولار.

هنا لا بد من ملاحظة قضية هامة وهي ان المبلغ الذي كانت ستحصل عليه تركيا من الكونسورتيوم المالي الاوروبي بحد ذاته ليس كبيرا، لان تركيا قادرة على ايجاده من ممولين آخرين، بينهم وكالات عربية، لكن الانسحاب من تمويل المشروع بعد الموافقات الاولية، مثّل ضربة كبيرة لطموح تركيا بكسب الموقف الاوروبي الى جانب مشروع "غاب" والقبول بالمقاربة التركية حول ادارة واستخدام مياه الرافدين دجلة والفرات، وبالنتيجة تعزيز فرص تركيا بدخول الاتحاد الاوروبي.

ثانيا:

لقد كان الدعم الاوروبي في البدء، دافعا لتركيا شجعها على الامعان في تجاهل تأثير مشروع "غاب" على العراق، وبدرجة اقل على سوريا، وقد اضعف الوضع العراقي منذ حرب الخليج الاولى قدرات العراق على الوقوف بحزم ضد إلحاق الاذى بحقوقه المائية، او تقليل الاضرار التي لحقت او ستلحق به، او في الضغط للاتفاق على صيغة مقبولة للطرفين (او الاطراف الثلاثة في حالة نهر الفرات)، اي تحقيق اتفاقية طويلة المدى لادارة مياه الرافدين المشتركة، فقوة العراق في السبعينيات والثمانينيات كانت متكافئة الى درجة كبيرة مع تركيا وسوريا، والاقوياء المتكافئون اكثر قدرة على اتخاذ القرارت، واقرب الى الاتفاق على الحلول العادلة والمرضية لجميع الاطراف، لكن تلك النافذة الزمنية لتحقيق اتفاقية دولية حول مياه الرافدين، اهدرت بعد تحطيم قدرات العراق اثر دخوله نفق الحروب والعزلة فاستبيحت سيادته على المياه والارض والسماء، واستكملت تركيا، ودول الجوار الاخرى، والى حد كبير، انشاء منشآت السيطرة والسدود الكبرى، وأدخلت بذلك عوامل اضافية الى طاولة التفاوض لتزيدها تعقيدا، لان هذه المنشآت اقيمت بقرارات انفرادية من دون التشاور مع العراق، بل واعتراضه، وهي تعمل لمصلحة طرف واحد وتسبب في غالب الاحيان اضرارا في دولة المصب.

 

ثالثا:

لا يضيف الخوض بالتفاصيل الفنية لمشروع سد اليسو شيئا مهمّا للنقاش، وهي تفاصيل بعضها معروف ومتاح، وسبق لي الكتابة عنها في الصحف العراقية، لكن من الضروري تذكير غير المختصين بمعلومات اساسية لغرض ادراك مخاطر المشروع على نهر دجلة ومنها ان سعة خزين سد اليسو تبلغ (11) مليار متر مكعب وهي اكثر من نصف معدل تصريف دجلة السنوي على الحدود العراقية البالغ (20) مليار متر مكعب، واكبر من التصريف السنوي في اوقات الشحة، حيث يتدنى الى (9) مليار متر مكعب سنويا، فمن المؤكد ان ايرادت نهر دجلة على الحدود العراقية ستنخفض الى حوالي النصف في السنوات الاعتيادية،  وان هناك احتمالا كبيرا بقطع ايرادات النهر تماما عن العراق في السنوات الشحيحة، خاصة عند اكمال سد جزرة الاروائي على دجلة الى الاسفل من سد اليسو، والذي سيستخدم لإرواء مئات الآلاف من الاراضي المستصلحة. كما سيقلل سد اليسو من اهمية سد الموصل وفائدته في العراق الى درجة كبيرة، لان نصف ايراده السنوي في موسم الربيع حيث الذروة ستستخدم لملء سد اليسو، وذلك في وقت يستعد العراق فيه لانفاق مبلغ ضخم لتصليح اسس سد الموصل التي تعاني من خلل مزمن، وبذلك تتعرض الزراعة في حوض دجلة في العراق الى مخاطر واضرار كبيرة، وتنكمش مساحات الاهوار التي تتغذى من دجلة وغير ذلك الكثير.

رابعا:

اعتقد ان من يقلل من مخاطر سيطرة الجوار على موارد الرافدين المائية، او يهملها، يرتكب خطأً كبيرا في التقدير، إذ إن الامر يتعلق مباشرة بالامن الوطني العراقي. وينطبق الامر بنفس الدرجة على الذين يعتقدون ان لا حقوق لتركيا في الرافدين لمجرد انها لم تستغل مياه الرافدين قبل هذا التاريخ. هناك ايضا اصوات قليلة تروّج احيانا، عن سذاجة او جهل، الى فكرة ان يقوم العراق بمباركة وتمويل سد اليسو لكي يكون للعراق دور في تشغيله لاحقا، وهذه فكرة مرفوضة جملة وتفصيلا.

ان العراق بحاجة الى موقف تفاوضي ذكي وصارم وقابل للتحقيق، بعيدا عن التلويح بالحرب بقدر ابتعاده عن العواطف والشعارات، بل بالانخراط الواعي اقليميا ودوليا وثنائيا في عمل دبلوماسي مكثف، وبرامج ومشاريع وطنية واقليمية عابرة للحدود من اجل خلق شروط تشجع على التفاوض المباشر من موقع الشريك القوي، وليس الضعيف المستجدي الذي لا يملك غير الشكوى من دول الجوار في حالتي الفيضان والجفاف!!.

خامسا:

اقتبس فيما يلي فقرة من إحدى مقالاتي المنشورة قبل عامين عن نهر دجلة حيث قلت: "ان عددا قليلا من المواطنين يدركون، ان مياه الشرب التي يستهلكها سكان مدينة الناصرية الفراتية هي من مياه نهر دجلة وليس الفرات، وكذلك الامر مع مدن أخرى كسوق الشيوخ وغيرها، حيث يقع مشروع إسالة المياه الذي يغذي الناصرية وأقضيتها، في منطقة البدعة على نهرالغراف المتفرع عن نهر دجلة. كذلك الأمر مع مدينة البصرة، لان مياه نهرالغراف (وهو من فروع دجلة) تضخ لها خلال قناة مفتوحة يبلغ طولها (240) كم من منطقة البدعة الى البصرة، تسمى الآن "قناة ماء البصرة" وكانت تسمى  "قناة الوفاء للقائد" وهي مخصصة لنقل مياه الشرب لسكان مدينة البصرة منذ منتصف التسعينيات!. قد يبدو ذكر هذين المثالين لمياه الشرب في الناصرية والبصرة، طريفا للبعض، لكنه امر محزن، لانه مؤشرعلى هول الكارثة التي حلت بالعراق وخاصة في الجنوب. فمياه الفرات في مدينة الناصرية غير صالحة للاستهلاك البشري حتى بعد معالجتها لأغراض الشرب بسبب ملوحتها العالية . لذلك لجأ سكان المدينة الى الاعتماد على مياه دجلة الواقعة على مسافة (50) كم من أجل الحصول على احتياجاتها من مياه الشرب. اما البصرة، التي كانت تطفو على بحيرات من المياه العذبة، سواء في شط العرب اوفي قنواتها الستة الشهيرة (السراجي والخورة والعشار والخندق والرباط وجبيلة)، فقد أصبحت منذ التسعينات اسيرة  "قناة الوفاء للقائد"  وهي كما ذكرنا من قبل، قناة صغيرة مفتوحة تجري لمسافات طويلة جدا من منطقة البدعة على الغراف الى شمال مدينة البصرة، وبذلك تكون عرضة للتخريب او الانهيار او التلوث، بعد ان تحولت المياه العذبة في البصرة الى مياه ملوثة ومالحة، وقنواتها الست الى حفر لقذف القمامة، منذ الحرب العراقية الايرانية وما تلاها من حروب".

(يتبع)

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.