مقالات وآراء
إجابة جديدة ومختلفة على سؤال: لماذا انهار الاتحاد السوفيتي ومتى؟// علاء اللامي
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 17 كانون1/ديسمبر 2025 11:11
- كتب بواسطة: علاء اللامي
- الزيارات: 313
علاء اللامي
إجابة جديدة ومختلفة على سؤال: لماذا انهار الاتحاد السوفيتي ومتى؟
علاء اللامي*
في الذكرى الأربعين لوصول ميخائيل غورباتشوف إلى رئاسة الاتحاد السوفيتي وبدئه سياساته التي عرفت بالبيريسترويكا "إعادة الهيكلة" والغلاسنوست "الشفافية" بعد عام من هذا التاريخ، تلك السياسيات التي انتهت بحل الاتحاد والحزب الشيوعي معا، نشر الأكاديمي الروسي أليكسي فينينكو، مقالة تعتبر جديدة من حيث المضمون باللغة الروسية. حاول الكاتب فيها معالجة هذا الموضوع معالجة مختلفة مضمونا عن كل ما نشر من مقالات ودراسات وكتب.
وقد ترجم المقالة "وحللها" السيد زياد الزبيدي. وكنت قد أشرت في منشوري على صفحتي على الفيسبوك يوم 13 كانون الأول 2025 " فائدة لغوية إملائية" إلى الأخطاء الإملائية الهائلة في النص المترجم وخصوصا في عدم التفريق بين همزتي القطع والوصل. هذه الأخطاء تسجل نقطة لمصلحة المترجم لأنها تدل على أنه اعتمد على نفسه في الترجمة ولم يعتمد على الترجمات الآلية الرقمية لمحرك بحث غوغل أو غيره، لأنه لو اعتمد على تلك الأنظمة لجاءت الترجمة أقل أخطاء إملائية بكثير.
أما من الناحية المضمونية فلا جديد في تحليلات المترجِم لنص فينينكو. والحقيقة فلو أن المترجم ترجم نص مقالة فينينكو بعد أن قدم له بهذه التحليلات لكان ذلك أفضل كثيرا من ناحية الأمانة في الترجمة الأصولية ولكان ذلك أكثر فائدة القارئ وتبقى تحليلات المترجم ملكا له وهو المسؤول عنها. ولكننا لم نجد نص المقالة المترجَم كاملا ومنفصلا لنتعامل معه مباشرة، ولهذا سأدلي بهذه الملاحظات السريعة على شيء من المضض لأنني لا أستطيع تمييز كلام المحلل المترجم من كلام الكاتب الأصلي ناسبا الكلام إلى فينينكو على ذمة مترجمه ومحلل كلامه السيد زياد الزبيدي ولو توفرت ترجمة أمينة واحترافية للنص لكنت اعتمدتها مباشرة وبسلاسة أكثر في التعليق والتحليل:
*لا يأتي فينينكو – والعهدة على مترجمه - بجديد حين يعتبر الصراع الذي دار في قيادات الاتحاد السوفيتي بداية منذ عصر بريجينيف وصولا إلى عصر غورباتشوف ليس صراعا بين محافظين وإصلاحيين، بين ستالينيين كانوا قد انتهى وجودهم وقضي عليهم منذ المؤتمر العشرين وصعود خرتشوف، بل بين أجنحة داخل الإصلاحيين أنفسهم. وقد نلمح في هذه القراءة شيئا مما تحدث عنه تروتسكي في سنواته الأخيرة عن رهانه على "ثورة سياسية" كما سماها يقوم بها جناح يساري في البيروقراطية السوفيتية. والمفارقة أن هذه الثورة حدثت فعلا لكنها جاءت كثورة مضادة رجعية أنهت وجود الاتحاد نفسه وليست يسارية ثورية تعيد الاتحاد إلى أيام ديموقراطيته السوفيتية حين كان الحكم بيد السوفيتات لا بيد الحزب البلشفي ثم الستاليني لاحقا، والتي يتحمل تروتسكي شأنه شأن القادة البلاشفة الآخرين مسؤولية طمسها والتخلي عنها لمصلحة الحزب الأوحد. ويزداد ثقل مسؤولية تروتسكي حين نعلم أنه لم يستمع لتحذير لينين له بأن لا يجري أية "صفقة نتنة مع ستالين" بعد موته ويواجهه بقوه ولكن تروتسكي آثر السلامة وعدم الاصطدام بستالين حتى وجد نفسه منفياً في مدينة ألما-آتا (كازاخستان حالياً) جنوب الاتحاد لسوفيتي قبل أن يطرد نهائيا من الاتحاد إلى المكسيك حيث قُتل بفأس عميل ستاليني!
ويمكن أن تعتبر فرضية فينينكو (والتي خلاصتها: صراع بين أجنحة إصلاحية وليس بين إصلاحيين ومحافظين) جديدة من حيث الشكل، وقد أورد الكاتب الروسي أدلة وأمثلة موثقة تؤكدها ولكنها من حيث المضمون تعتبر قديمة نسبيا. فثمة من شكك بثورية وديموقراطية القيادات السوفيتية مبكرا قبل برجنيف بل وفي عهد ستالين حين اكتملت عملية القضاء على الطابع السوفيتي للديموقراطية المباشرة "ديموقراطية السوفيتات "المجالس"، واحتكرت الحزب الشيوعي الحكم باسم الطبقة العاملة. ولكن الحقيقة هي أن المكتب السياسي هو الذي احتكر الحكم، وفي داخله احتكر الأمين العام منذ صعود ستالين الحكم فأصبح حكما فردانيا استبداديا لا علاقة له بالديموقراطية السوفيتية ولا بالاشتراكية الإنسانية. ولولا القمع الرهيب الذي ذهبت ضحيته قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي نفسها قتلا واختفاء (لم يمت من أعضاء القيادة بعد لينين موتا طبيعيا إلا كالينيين وستالين نفسه وأعدم أو اختفى الباقون جميعا بأوامر من ستالين/ الصورة).
وحتى محاولات الإصلاح ومنها إصلاحات كوسيغن وأندروبوف وغورباتشوف فقد سبقتها محاولات لينين نفسه ضمن ما عرف بسياسات النيب لتشجيع القطاع الخاص في ظروف الحصار الإمبريالي والحرب الأهلية الضارية ومقاومة الطبقات المهددة بالزوال ففقدت المواد الأولية والغذائية ودخل الاتحاد السوفيتي في حالة مجاعة فعلية مدمرة نجح ستالين بعبورها ولكن بثمن باهظ إنسانيا.
في مقالته الجديدة يذهب فينينكو – كما يقول مترجمه إلى العربية إلى أن "البيريستروكا "إعادة الهيكلة" لم تكن حدثاً عشوائياً أو نتيجة خيانة فردية، بل كانت الخاتمة الطبيعية لعصر بريجنيف الذي امتد عقوداً من الركود الخفي والتغييرات الاجتماعية العميقة. وهذه الفرضية صحيحة شكلا ولكنها ليست دقيقة مضمونيا وتأريخيا فالمشكلة لم تبدأ مع بريجنيف بل سبقته إلى أواخر عهد لينين (وفي المناسبة فلينين نفسه لم يحكم مباشرة إلا أقل من خمس سنوات، أي من سنة الثورة تشرين الأول-أكتوبر1917، وحتى إصابته بثلاث جلطات دماغية سنة 1922 حيث أدخل المستشفى وظل فيه حتى توفي بعد سنتين).
وحين يقول فينينكو أن الصراع في قيادات الاتحاد في عهد غورباتشوف لم يكن "بين محافظين وإصلاحيين، بل بين مجموعات من الإصلاحيين.." مدللا على ذلك بأن محاولة الانقلاب في أغسطس 1991 من قبل "لجنة الطوارئ الحكومية" ضد غورباتشوف لم يقم بها ثوريون "أو محافظون بلغة الليبراليين" بل كانوا إصلاحيين ولذلك لم يطالب أعضاء اللجنة الانقلابية بالعودة إلى الماضي؛ وكان أعضاؤها من فريق غورباتشوف، ولم يذكروا إحياء الإيديولوجيا الشيوعية أو إلغاء الإصلاحات. "بمعنى آخر، لم يطرح الانقلابيون حتى العودة إلى الاتحاد السوفياتي عام 1988، ناهيك عن أزمنة أقدم".
كما يرفض فينينكو فكرة وجود "ستالينيين" حقيقيين يقاومون الإصلاحات، مشيراً إلى أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي عام 1956 أنهى وجودهم في القيادة..وفي السياسة الخارجية، لم يكن هناك انقسام بين "ليبراليين" و"محافظين"؛ فقد اقترض غورباتشوف فكرة "البيت الأوروبي المشترك" من بريجنيف وغروميكو، وفكرة "بقاء البشرية" من نادي روما.
ويسجل الكاتب ملاحظة ثاقبة حين يتوقف عند ظاهرة انتشار "ثقافة الإستهلاك" وانتشار الفساد الإداري في الدولة، حيث "أصبح الإنسان السوفياتي يصطاد الأشياء المستوردة، التي غالباً ما تُحصل عليها ب "ال blat أي الوساطة أو المعارف أو من الfarsovshik" أي من السوق السوداء بسعر أعلى*، يكتب، مقتبساً من فلاديمير فوينوفيتش: "الآن، ينطق الشاب السوفياتي وغير الشاب بتأثر نفسي ليس بشعارات ثورية، بل بأسماء شركات غربية وأشياء. كلمات مثل باناسونيك أو مرسيدس تتحدث إلى قلبه أكثر من الحرية، المساواة والأخوة ... هذا غذى الإستياء، خاصة أمام "الحياة الحلوة في الخارج". مع قوانين عمل ناعمة وضمانات إجتماعية عالية – تعليم مجاني، طب، إجازات مدفوعة – أصبح الشعب منتقداً دائماً، معتبراً الضمانات أمراً مفروغاً منه. "كان الإنسان السوفياتي غير راضٍ دائماً عن السلطة، لكنه يعتبر ضمانات ومزايا الاشتراكية أمراً طبيعياً. فكرة مراجعتها كانت تبدو للسوفيات خارجة عن الحدود"، يقول الكاتب" كما ينقل المترجم الزبيدي.
إن هذه ظواهر كلها نتائج وليست أسباب، أو -إن شئنا الدقة - لنقل إن فينينكو يخلط النتائج بالأسباب ليخرج بنتائج ترضيه هو، ولكنها لا ترضي المنطق المنهجي العلمي في تحليل ظاهرة تفسخ الحكم الاستبدادي وثم انهيار الاتحاد السوفيتي المأساوي بهذا الشكل مع أن الانهيار كان ممكنا تفاديه مبكرا وبطريقة أخرى وهذا موضوع آخر.
مما يحمد للمترجم هو العدد الكبير نسبيا من الهوامش التي ألحقها بنصه وهي هوامش مفيدة عموما ومتساوقة مع نص هذه المقالة التي يمكن ان تنسب إلى المترجِم وليس إلى المترجَم له.
*الصورة التي نشرتها مع هذا النص على صفحتي في مواقع التواصل: تجميع صوري أنجز في ثلاثينات القرن الماضي من قبل شيوعيين معارضين لستالين ويحدد مصير 24 قائدا بلشفيا من رفاق لينين في اللجنة المركزية للحزب البلشفي سنة 1917، وكيف كانت نهاياتهم في عهد ستالين: أعدم ستة منهم بالرصاص، بينهم قادة الخط الأول، بوخارين وكامينييف وزينوفييف، واختفى أو فقد سبعة منهم، وانتحر واحد، وسجن واحد، واغتيل واحد في المنفى هو مؤسس وقائد الجيش الأحمر ليون تروتسكي، ومات الباقون وبينهم لينين بعد الثورة بسنوات قليلة ولم يبق حيا سوى ستالين!
ملاحظة أرسل لي أحد الأصدقاء النص الكامل لمقالة الأكاديمي الروسي أليكسي فينينكو ولكن باللغة الروسية، وقد ترجمتها إلى اللغة العربية مستعيناً بنظام غوغل للترجمة الفورية وسأراجعها لغويا وأنشرها غدا أو بعد غد على هذا الموقع على جزأين نظرا لطولها (تحتوي على أكثر من 6700 كلمة) ومعها الرابط المحيل إلى النص باللغة الأصلية.
*رابط ترجمة وتحليل السيد زياد الزبيدي لمقالة فينينكو:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=896846


