مقالات وآراء

حميد الشطري إلى رئاسة الوزراء: حين يتقدّم الأمن بعقل الدولة// حسين باجي الغزي

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 19 كانون1/ديسمبر 2025 11:24

كتب بواسطة: حسين باجي الغزي

الزيارات: 130

حسين باجي الغزي

للذهاب الى صفحة الكاتب 

حميد الشطري إلى رئاسة الوزراء: حين يتقدّم الأمن بعقل الدولة

حسين باجي الغزي

لم أجد صورة للسيد حميد الشطري وهو يبتسم، وهي دلالة على جديته العالية والتزامه بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه، وحرصه الدائم على أداء واجبه بروح رسمية تعكس ثقل المهام التي يتحملها."

السيد حميد الشطري شخصية تتسم بالغموض الإيجابي، يجمع في حضوره بين الهدوء والثبات، وفي مواقفه بين الحكمة والقوة. لا يكثر من الظهور، لكنه حين يحضر يترك أثراً واضحاً، مستنداً إلى شخصية متزنة وثقة بالنفس. يُعرف بسلامة قراره ورصانة تعامله، ما يمنحه احترام من حوله ويجعل حضوره لافتاً دون ضجيج.

وفي خضم التعقيدات السياسية التي يمر بها العراق، يبرز اسم حميد رشيد فليح الشطري بوصفه أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل والاهتمام في آن واحد، ليس لكونه مرشحاً محتملاً لمرحلة ما بعد حكومة محمد شياع السوداني فحسب، بل لأنه يمثل نموذجاً مختلفاً لرجل الدولة، تشكّلت خبرته ووعيه في قلب الملفات الأمنية الأكثر حساسية، بعيداً عن الشعبوية والظهور الإعلامي.

الشطري، المنحدر من محافظة ذي قار – قضاء الشطرة، ومن مواليد عام 1969، لم يكن نتاج مرحلة ما بعد 2003 كما هو حال كثير من الأسماء المتداولة اليوم، بل هو ابن تجربة معارضة قاسية بدأت منذ منتصف الثمانينيات، مروراً بمشاركته في الانتفاضة الشعبانية، ثم اعتقاله مع أفراد أسرته لمدة عامين، في محطة شكلت اختباراً حقيقياً لصلابة الموقف والالتزام السياسي. هذه التجربة لم تكسره، بل صقلته، ودفعته لمواصلة نشاطه المعارض رغم المخاطر.

تنقّل الشطري بين الأهوار وإقليم كردستان، ثم خارج البلاد إلى إيران وسويسرا، حيث انخرط بفاعلية في النشاط السياسي المعارض وشارك في مؤتمرات دولية هدفت إلى إسقاط النظام السابق، ما أتاح له فهماً عميقاً للتوازنات الإقليمية والدولية، وهو فهم نادر لدى كثير من الفاعلين في المشهد الحالي.

ما يميّز الشطري ليس تاريخه السياسي فقط، بل بنيته المعرفية والأكاديمية، إذ يتقن الإنجليزية والألمانية والفارسية إلى جانب العربية، ويحمل بكالوريوساً في الفيزياء، ودبلوماً في الاتصالات من جامعة زيورخ، إضافة إلى شهادة الدكتوراه في القانون عام 2020. هذا التنوع العلمي يعكس شخصية غير نمطية، تجمع بين التفكير العلمي والفهم القانوني والخبرة الأمنية.

بعد عام 2003، دخل الشطري عمق الدولة من بوابة الأمن الوطني، وتدرّج في مناصب شديدة الحساسية، كان أبرزها: إدارة ملف الأمن الوقائي لسنوات مفصلية والإشراف على خلية الصقور الاستخبارية، ثم توليه مناصب قيادية في جهاز الأمن الوطني وصولاً إلى رئاسته.

كما عمل مستشاراً للأمن القومي، وأدار ملفات معقدة مثل الحشد العشائري، وتولّى أمانة سر هيئة الحشد الشعبي بتكليف مباشر من الشهيد المهندس، وأخيراً رئاسة جهاز المخابرات العراقي حتى الوقت الراهن.

هذه المسيرة لا تعكس مجرد تراكم مناصب، بل تشير إلى ثقة سياسية وأمنية متراكمة، محلية وإقليمية ودولية، وإلى قدرة واضحة على إدارة الملفات الصامتة التي لا تحتمل الخطأ ولا تقبل الارتجال.

يُحسب للشطري أنه رجل دولة يعمل في الظل، بعيداً عن الاستعراض الإعلامي، معتمداً على شبكة علاقات دقيقة ومتوازنة، جعلته مقبولاً لدى أطراف متباينة وفي وقت واحد. وهذا ما يمنحه أفضلية واضحة في مرحلة تتطلب شخصية قادرة على التهدئة، لا التصعيد، وعلى إدارة التوازنات لا كسرها.

صحيح أن الشطري يُصنَّف بوصفه شخصية أمنية أكثر من كونه شخصية اقتصادية، لكن هذه النقطة تحديداً قد تُقرأ كعامل قوة لا ضعف، في بلد يقف على حافة تحديات وجودية – أمنية واقتصادية ومالية – تحتاج أولاً إلى استقرار القرار، وانضباط الدولة، وإعادة هيبة المؤسسات، قبل الدخول في مغامرات اقتصادية غير محسوبة.

إن الحديث عن حميد الشطري لا يدور حول طموح شخصي بقدر ما يتصل بنموذج مختلف للقيادة، نموذج يعرف دهاليز الدولة، ويدرك حجم المخاطر، ويعمل بصمت، ويقدّم النتيجة على الخطاب. وفي مرحلة مفصلية كهذه، قد يكون هذا النوع من الشخصيات هو الأكثر حاجة، لا الأكثر ضجيجاً.

...

• < السابق
• التالي >