اخر الاخبار:
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• بيت "فهد"

علي حسين

 بيت "فهد"

 

صنع شيوعيو العراق ارثهم النضالي والسياسي من حكايات الناس ومعاناتهم، جاء مؤسس حزبهم "فهد" من أسرة بسيطة ضربت جذورها في ارض العراق، كان والده مثل معظم العراقيين آنذاك كادحا فقيراً مثل الموت، ومثل الأسى. وتزوج من فقيرة أخرى، صبية موصلية تتقاسم خبزها مع أناس أكثر فقراً، وقد سكن الأب في بغداد، بيتاً عتيقاً ورطبا، مع مستأجرين آخرين، وكأن القدر أراد أن تقع هذه الأسرة في عذاب أليم طويل من أجل وطن مفدى سلفاً في أعماقهم الإنسانية، فبعد وفاة الوالد تبدأ الأسرة هجرة ثانية إلى البصرة ثم هجرة ثالثة إلى الناصرية هناك يبدأ الفتى يوسف  سلمان يوسف "فهد" يعارك الحياة، حيث كان في الصباح يدير معملاً صغيراً لصناعة الثلج، وفي المساء يقطع تذاكر ماكنة سينمائية، وهو في هذا الزحام كان يكتب تقارير عن الفلاحين الفقراء في الناصرية وعن كابسي التمور في البصرة ويرسلها الى جعفر ابي التمن لنشرها في الصحف البغدادية، وفي يوم التقى الاثنان في مقر الحزب "الوطني" حزب ابي التمن، وقال ابو التمن: "يا يوسف انت نقي ومجاهد ولهذا جعلتك عضواً في (الوطني)".

ومن ذلك العالم القاسي، كتب البيان التأسيسي للحزب الشيوعي العراقي، درس أشياء وتعمق بأخرى.

يكتب مصطفى علي: "انه لو كان لهذا العالم شعور وذكاء يوازيان مقدرته على إعطاء العظماء قدرهم، لتذكر وقفة يوسف سلمان يوسف يوم إعدامه كما يتذكر شهداء الإنسانية، فهو يمثل الشهادة الدائمة للشعب العراقي".

لم يلتفت أحد بادئ الأمر إلى كتابات هذا الشاب الذي أحبه أهل الناصرية جميعا، كان يطبع مقالاته على آلة طابعة عتيقة هي نفسها التي طبعت أول منشور للحزب الشيوعي العراقي.

وعندما أصدر رفائيل بطي جريدته (البلاد) واصل فهد نشر تقاريره وأعمدته فيها مراسلا للصحيفة من الناصرية، فاضحاً الأيادي الخفية التي تدير لعبة الكراسي في الوزارات العراقية.

في تلك الفترة يتعرف على الفكر الماركسي ليبدأ العمل على تشكيل حلقات تضم مناضلين يهتمون بهذا الفكر، وحرر في بداية الثلاثينيات بياناً بتوقيع (عامل شيوعي) قدم بسببه إلى المحاكمة التي قال أمامها: "لقد كنت وطنياً وعندما أصبحت شيوعياً صرت أشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني".

الكتابة عن الحزب الشيوعي العراقي ومؤسسة "فهد" تفترض فريضتين: التوله بالناس، والوله بالوطن، وربما كان لهم مساوون في هذا الوله، أو ذاك. ولكن ما من احد قاربهم في كليهما معاً، وما من أحد في درجتهم أو في مرتبتهم، و ما من أحد في عشقهم  وحرصهم وبذلهم.

يخبرنا كتاب سيرة باني الحزب الشيوعي بان الرجل قرر منذ العشرينات أن يتفرغ إلى عشقه الخاص "الناس" حتى أن كثيرين ظنوا، أن هذا المسيحي  اختلى بنفسه وعاهدها: أن يكون الكفاح الوطني  الطريق إلى حياة حرة وكريمة.  هكذا عاش على النضال في سبيل الحرية واستشهد  على وله حب الناس.

لم يكن مجرد سياسي بل كان ثائرا جامحا.. ساحرا إذا حضر، وساحرا إذا غاب، ولا يغيب الذين يهيمون في قضايا الناس ويتيهون في ربوع الوطن، ويتنقلون بين قراه ومدنه ليصنعوا أثرا  بعد اثر.

نقرأ سيرة فهد اليوم بعد 77 عاما على زرعه الذي نثره في ارض العراق من شماله إلى جنوبه، لنكتشف هذه التجربة المثيرة على طريق الأحزان والآلام والظلم.. الظلم الذي عادى الشيوعيين وعادوه منذ أن قال فهد كلمته الأولى وحتى اليوم.

نقرأ سيرة العراقي يوسف سلمان يوسف، دائما نتعلم منه، دائما نستدل على القضايا الإنسانية في عالم بالغ التوحش والأسى، هذه المرة يعلمنا "فهد" كيف يكون الإنسان متبصرا يعطي لنفسه حق الذكر والفخر، وتذهلنا الجرأة التي كان يملكها، والشجاعة التي رافقته، والإقدام الذي رفعه شعاراً.

بعد 77 عاما ننظر إلى صورة "فهد" التي تؤكد لنا كل يوم أن لا حياة  لوطن ليس فيه رفاق فهد، ولا مستقبل لبلاد يغلق فيها بيت لـ "فهد".

ــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "المدى" ص الاخيرة

السبت 2/4/2011

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.