اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الأغبياء يخدمون أعدائهم// د. عبدالخالق حسين

اقرأ ايضا للكاتب

الأغبياء يخدمون أعدائهم

د. عبدالخالق حسين

 

قالوا: "يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه". وهذا ينطبق كلياً على الإرهابيين الجهلاء. ولو لم يكونوا جهلاء لما نجح المحتالون النصابون من مشايخ الإرهاب في غسل أدمغتهم الفارغة وملئها بالأفكار التكفيرية التدميرية. فهؤلاء الجهلة هم أيضاً ضحية آلهة الشر الذين أسسوا القاعدة ولقيطاتها: داعش، وجبهة النصرة، وبكوحرام وغيرها، ورضوا أن يقدموا أنفسهم طواعية كقنابل و روبوتات بشرية لتنفيذ ما أملي عليهم، بقتل الأبرياء وقتل أنفسهم، بعد شحنهم بثقافة تمجيد الموت واحتقار الحياة، والكراهية ضد الآخر المختلف، والهوس الجنسي بحور العين والولدان المخلدين في جنة وهمية من صنع الخيالات المريضة لأناس عاشوا في العصور الغابرة، عندما كانت الحضارة في مراحلها الجنينية، أي مرحلة الخرافة واللاعقلانية.

 

فبعد جريمة باريس (7/1/2014 )، نسأل: من الخاسر ومن الرابح من هذه المجزرة الرهيبة؟

الخاسر الأول والأكبر هو الإسلام والمسلمون. والرابح الأكبر هم المستهدفون من هذه الجريمة، أي الشعوب والحكومات الغربية وإسرائيل، التي أراد الإرهابيون الانتقام منهم. وكذلك اليمين الأوربي المتطرف، الذي يغذي العداء ضد الأجانب وبالأخص الجاليات الإسلامية في الغرب، فيريدون إظهار الإسلام كدين بدوي متخلف، وايديولوجية للإرهاب ضد الحضارة الإنسانية، وتشويه صورة المسلمين وإبرازهم كبرابرة معادين للحضارة البشرية والقيم الإنسانية النبيلة و الحرية والإخاء والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة وغيرها كثير. وقد نجح الإرهابيون بامتياز في تحقيق هذه الأغراض لأعدائهم.

 

فعلى أثر هذه الجريمة، تمسكت الشعوب الغربية وحكوماتها بوحدتها، وتصلبت عزيمتها، واشتد تصميمها على السير قدماً في الدفاع عن قيمها الحضارية، إذ دائماً هناك "نتائج غير مقصودة لأفعال المقصودة" كما يقول آدم سميث. حيث عبرت الجماهير في كل أنحاء العالم، وخاصة في الدول الغربية عن إرادتها، وتضامنها، ووحدتها ورفضها الشديد للابتزاز، وعدم التخلي عن قيمها الحضارية الإنسانية النبيلة التي كانت شعار الثورة الفرنسية (الحرية والإخاء والمساواة)، والتي هي نتاج  تراكمات الفلسفات الغربية ابتداءً من اليونانية القديمة ومروراً بمرحلة النهضة والتنوير، وإلى يومنا هذا، ولا يمكن أن يتخلوا عنها بالإرهاب ليتبنوا أفكار الوهابية وتعاليم بن لادن والقرضاوي وصالح الفوزان وغيرهم من الدينصورات البشرية. فالذي حصل هو بالضبط عكس ما أراد له الإرهابيون ومن وراءهم. وهذا هو منطق التاريخ.

 

وعلى سبيل المثال، ورغم اهتمامي بالقضايا السياسية و الإعلامية والفكرية، لم أسمع يوماً بمجلة اسمها (تشارلي إبدو). وهاهي اليوم صارت المجلة أشهر من نار على علَم، حيث كان عدد النسخ المطبوعة أسبوعياً لا يزيد على 60 ألف نسخة، وإذا بها وبعد أسبوع من الجريمة طبعت يوم 14/1/2014 ثلاثة ملايين نسخة، فنفدت بعد ساعات، فقامت الإدارة بطبع مليونين نسخة أخرى "فبلغ مجموع النسخ المطبوعة من العدد الأخير خمسة ملايين بعدما كانت تطبع في الماضي 60 الف نسخة اسبوعياً. كما وطبع العدد الجديد بست لغات، من بينها الإنجليزية، والعربية، والتركية، ...". كما وشاهدنا من على شاشات التلفزة، الطوابير أمام محلات بيع الصحف لشرائها، و يظهر على صفحتها الأولى الرسم الكاريكاتيري للنبي محمد وهو يبكي بينما يحمل ورقة مكتوبا عليها "أنا شارلي".(1)

 

فمن الرابح في هذه الحالة؟

المشكلة أنه بعد "غزوة باريس"، طلع علينا عدد غير قليل من الكتاب بمقالات يحاولون فيها تبرير الجريمة وإلقاء اللوم على الدول الغربية. بل وبلغ التطرف بالبعض ليقول أن الحكومة الفرنسية وإسرائيل هما وراء هذه الجريمة لأغراض دعائية ولتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وإيجاد المبررات لضرب الشعوب العربية والإسلامية، نفس المعاذير التي سمعناها بعد جريمة 11 سبتمبر 2001، إذ أدعوا أن القائمين بها هم من الاستخبارات الأمريكية (CIA) والإسرائيلية (موساد)، من أجل خلق الذريعة لاحتلال أفغانستان والعراق، وإضعاف الدول الإسلامية. ومازال البعض من ذوي النوايا الحسنة يؤمنون إيماناً قاطعاً بهذه النظرية. في الحقيقة، هذا التفسير والتبرير لا يقل خطورة من الإرهاب نفسه. ولا أدري لماذا تقوم هذه الحكومات بقتل الأبرياء من شعوبها لتوفير الذريعة لإسقاط حكومة طالبان الإرهابية في أفغانستان، وحكومة البعث الصدامية الفاشية في العراق، وكل المبررات موجودة مسبقاً.

 

كما وأود التوكيد أني لا أريد هنا تبرئة بعض الدول الغربية في تشكيل المنظمات الإرهابية الإسلاموية لخدمة أغراضها، إذ بات معروفاً دور أمريكا في تأسيس "القاعدة" بأموال السعودية وأيديولوجتها الوهابية من أجل طرد القوات السوفيتية من أفغانستان، والإطاحة بالحكومة الشيوعية فيها، وهذا الموضوع يحتاج إلى مقال مستقل. ولكن أن نقول أن الحكومة فرنسية وإسرائيل خططتا لجريمة باريس الأخيرة ولأغراض دعائية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين فهو غير قابل للتصديق مطلقاً، ومثير للضحك والسخرية. فالذي يقوم بتشويه صورة الإسلام والمسلمين هم الإرهابيون الإسلاميون أنفسهم ومن يدعمهم من حكومات قبلية رجعية مثل السعودية وقطر وتركيا، وأصحاب الفتاوى المضحكة المسيئة لٌلإسلام.

 

يجب أن يعرف الإرهابيون ومن وراءهم، أنه لا يمكنهم مطلقاً إلحاق الهزيمة بالغرب المتسلح بالعلم والفلسفة، والفنون، والتكنولوجية المتطورة، والذي بإمكانه أن يحوِّل أكبر كارثة إلى فرصة للنجاح له، وإلحاق الهزيمة بالعدو. وعلى سبيل المثال استغلت إسرائيل هذه الجريمة لمصلحتها، فعملت على نقل جثامين القتلى اليهود الأربعة وهم مواطنون فرنسيون، إلى إسرائيل لدفنها هناك، للكسب الدعائي وإظهار نفسها بالضحية، وأنها مهددة بالإبادة من قبل العرب والمسلمين، وبذلك فهي معذورة لما تقوم به من إجراءات ضد الفلسطينيين !!

 

فالعقلية الوهابية البدوية هي التي تقدم المبررات لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومنظمو الإرهاب  هم المسؤولون عن هذه الحملة ضد العرب والمسلمين في العالم. إذ كما قال الباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور غسان ماهر السامرائي: " ولكننا نحن الذين نقدم أنفسنا بأنفسنا على طاولة المشرحة، أولاً بالفكر الهمجي البعيد عن الدين الحق، وثانياً بإشاعة الجهل وغسيل الدماغ لهؤلاء "الصبية" ليكونوا أدواة بيد من لا يرحم...". 

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــ

روابط ذات صلة

1- بي بي سي: شارلي إبدو تطبع 5 ملايين نسخة من عددها الجديد ورسم النبي محمد على غلافه

http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2015/01/150114_france_paris_charlie_new_issue

 

2- عبدالخالق حسين: الحضارة في مواجهة البربرية

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=708

 

3- سعيد ناشيد: ما هو النفاق؟

http://www.alarab.co.uk/?id=9033

 

4- عادل نعمان : أنتم منافقون وفى الدرك الأسفل من النار

 

http://www.elwatannews.com/news/details/640902

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.