قراءة في ديوان (من البحر تأتي الجبال) للشاعر التونسي د. مُنصِف الوهايبي// د. عدنان الظاهر
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 19 كانون1/ديسمبر 2025 20:48
- كتب بواسطة: د. عدنان الظاهر
- الزيارات: 134
د. عدنان الظاهر
قراءة في ديوان (من البحر تأتي الجبال)
للشاعر التونسي الدكتور الأستاذ مُنصِف الوهايبي
د. عدنان الظاهر
يناير( شباط ) 2004
قراءة في ديوان (( من البحر تأتي الجبال )) للشاعر التونسي الدكتور الأستاذ مُنصِف الوهايبي. دار أُميّة، تونس 1991 .
مقدمة :
يحملُ هذا الديوان الأنيق الصغير (107 صفحات) كمّاً لا حصرَ له من الأسماء والمسميات والرموز والمجازات والأحداث التأريخية وهموم المدن العربية وحال فلسطين ومحنة الشعب الفلسطيني حتّى ليُخيّلُ إليَّ في أغلب الأحيان أنَّ هذا السِفر المتفرد يوشك أن ينفجر بما فيه من أحداث ناطقة وشحنات نفسية متوترة وأفكارٍ نجح الشاعر مقتدراً وبصبر وتؤدة وتخطيط دقيق في نقلها إلى عالم الشعور كيما يُضاعف من قوّة وزخم التأثير في قلب وعصب وفكر القاريء والمتلقي، وتلكم من أصعب مهمات الشاعر وعلى رأس فضائل رسالة الشعر: نقل الفكرة المجردة من الرأس إلى شعور وحواس القاريء، الإنتقال من المجَرّد إلى المحسوس.
نجح الشاعر في توظيف طاقاته جميعاً، الروحية منها بوجه خاص، وطاقات مفرداته الحركية والكامنة، ومن ثم جُمله التي هي في النتيجة النهائية الحاصل الدينامي لمجموع هذه الطاقات… نجح في جعلها تحمل ما أراد من مغازٍ ومعانٍ وبشكل مُضاعف أو مُركّب. الشاعر هنا لا يحتاجُ إلى وسيط لغوي مُفتعل مصنوعٍ صناعةً أو وساطة مادية لنقل صوره إلى عصب المتلقي، ذاك لأنَّ طاقات جُمله جمعاً وفُرادى تقوم بهذا الدور. ولكل شاعر (أُؤكّد، شاعر) أُسلوبه وطرقه وتقنياته الخاصة في إكتشاف ثم توظيف هذه الطاقات كلاًّ في زمنه المناسب ومكانه المناسب. هذا النوع من الطاقات خاص جداً وذاتي جداً، وهو مختلف ومتفاوت القدر بإختلاف البشر ولاسيما الشعراء منهم. لا أعني هنا طاقة الشاعر الروحية التي هي في الحق من أبرز خصائص الفرد على وجه الإطلاق، إنما أقصد الطاقات الظاهرة (الحركية) والطاقات الكامنة التي تحملها مفردات الشاعر والتي تشعُّ كالحرارة من جسم معدني دائم السخونة. فإذا كان الإنسانُ معدناً بنفسه فرداً لا يتكرر فستكون له حرارته الخاصة، والحرارة طاقة، والحرارة علامة الحياة. قبل أن يستطيع الشاعر توظيف هذه الطاقات في عملية الإبداع الشعري عليه أن يكتشفها أولا، وعليه أن يزن مقدارها. أجلْ، أن يزنها لأنَّ المعادلة واضحةٌ وجدَّ بسيطة مفادها أنَّ (الكلمة = طاقة) أو لكل كلمة طاقتها الخاصة. ولكي يحافظ الشاعر على إنسجام الميزان ووحدة قانونه عليه أن يضبط التوازن ما بين الطاقة وقدرة المفردة على تحملها. الطاقة حملٌ والكلمة هي حامل هذا الحمل. قدرة المفردة على التحمل ليست قدرة ميكانيكية ثابتة (ستاتيكية)، بل هي قدرة ديناميكية بمعنى أنها تتغير بتغير موضع المفردة في الجملة والسطر وطبيعة ما يجاورها من كلمات. الحروف تخضع لنفس هذه الظاهرة ولكن بدرجة أقل. وذلكم أمر منطقي ما دام الحرف جزءاً من الكلمة. الكلمة طاقة والحرف طاقة. توظيف الطاقات المناسبة بالأوزان المناسبة في الفضاء المناسب هي من خصائص الشاعر المبدع وهي آية تجليه وتميزه عن سواه من الشعراء. إمتلاك ناصية اللغة لا يكفي. اللغة ملك الجميع. ليس علماء اللغة شعراء وليس كل الشعراء علماء لغة. علينا أن نبحث إذن عن سر التفاوت في شعر الشعراء، وقد بحثنا عنه وأحسب أننا وجدنا فكرة ربما تصلح لتفسير هذه الظاهرة الطريفة بقدر ما هي خطيرة. مجرد إجتهاد.
تشريح الديوان
بعد سَوْق هذه الفرضية النظرية أسمح لنفسي أن أُغامر وأن أحاول الولوج في (سُم الخِياط) لعلي أظفر بشيء من النجاح في فهم شعر وشاعرية المُنصِف الوهايبي وتقنيات أسلوبه في عرض فنه الشعري وآليات إيصال طاقاته المذكورة في أعلاه إلى صميم قلب ورأس المتلقي تارةً بالإختراق الطولي والعرضي المباشرين وطوراً بالإيحاء بالصورة والإيماء بالرمز وكلها آليات لا تستقيم إلاّ بالتكثيف الشديد للجُمل الشعرية وإختصار الكلمات إلى أصغر كمٍّ ممكن.
هل يفكّرُ الشاعر حين يكتب شعره بمن سيقرأ هذا الشعر، ما هي مواصفات هذا القاريء وما هي مؤهلاته الثقافية والحضارية ؟ بقدر تعلّق الأمر بشاعرنا المنصف أقول نعم. أقرأُ شعر المنصف في هذا الديوان فأجد نفسي وجهاً لوجه مع وأمام الشاعر. قلّةٌ من الشعراء من يملك هذه القدرة على إستحضار القاريء وإفراد المكان الذي يستحق في نصوصه. لا أُبالغ إذا قلتُ إني أجد نفسي على صفحات الديوان، بل وفي كل سطر، بل وما بين كلمات السطر الواحد. الفراغ الأبيض يملأه القاريء ضيفاً كريماً مُكرّماً على الشاعر. يدعوه الشاعر أن يُشاركه فيما يقرأ من تصورات وأفكار وإنفعالات ومشاعر ومن ثُمَّ في أن يقفَ منه ومن شعره موقف الدارس والمحلل والناقد. لا يدع القاريء أن يمرَّ على شعره مرَّ الكرام. يُرغمه على التفكير وعلى التساؤل وأن يقاسمه جميع معاناته. وهذا ضرب جديد من الشعراء.
كثافة حضور المدن
للشاعر ميلٌ خاص لبعض المدن والعواصم العربية التي يؤثرها على ما عداها من الحواضر. له الحق في أن يؤثر ما يشاء من بلدان ومدن. فلكل مدينة في وجداننا طعم خاص خاصةً تلك التي لنا فيها ذكريات نحنُّ أبداً إليها. أقوى الذكريات وأوجعها صدىً تلك التي تؤسس في أعماق أرواحنا جسوراً عاطفية خفيّةً ومحسوسة (تطفو حيناً وترسبُ أحيانا) نتبادل خلالها الأشواق الصامتة التي يصعب علينا تحديد ألوانها وأطيافها مع من أحببنا من البشر والأمكنة والمناسبات الخاصة (جلسات في المقاهي) والعامة (مهرجانات ومؤتمرات وإحتفالات وطنية أو أدبية أو أعياد). ذكر الشاعر في ديوانه مدينة القيروان التونسية وتوزر وفاس المغربية وصنعاء عاصمة اليمن وبغداد والكاظمية العراقية القريبة من بغداد ثم البصرة مرفأ العراق الجنوبي وأخيراً سراييفو.
أسماء الأعلام
كما ذكر الشاعر أسماء أشخاص تبدو عزيزة عليه، فلقد إستشهد بهيروقليطس وذكر إبن غلبون القيرواني وإبن مسرّة الأندلسي وإستعار فقرات من كتابٍ للسهروردي المقتول. وأهدى قصيدة إلى الرسّام بول كلي بل وأعطاها إسم إحدى لوحاته (عند أبواب القيروان). كما حملت إحدى قصائد الديوان إسم مريم كبديل لقديسة أهداها إلى الشاعر الإسباني القتيل لوركا ضحية فرانكو والفاشية وصاحب مسرحية عُرُس الدم. ذكر إسم وديعة (1) والشاعر التونسي الأشهر أبي القاسم الشابي والشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب. كما أهدى قصيدة "حديث كلب/ الصفحة 91" إلى الجاحظ. لم تأتِ أسماء هؤلاء الأعلام في الديوان موضوع الدراسة بمحض الصدفة. فالسهروردي القتيل كان صوفياً كما كان إبن غلبون وإبن مسرّة. ثلاثة من متصوفة المسلمين. كما كان هناك ما يجمع ما بين الشابي والسيّاب ولوركا حيث فارقوا الحياة في عزِّ الشباب بين عليل لا رجاء في شفائه (الشابي والسياب) وقتيل مجهول القبر (لوركا). من الواضح أنَّ الشاعر كان يسعى جادّاً في البحث عن القواسم المشتركة لمواضيع قصائده قاصداً إلى وحدة نسيج موضوعات قصيده وإشاعة أكبر قدر ممكن من جو الإنسجام الهارموني بلغة الموسيقى. هذه الجسور والقواسم المشتركة إنما هي كالأعمدة والقوائم الكونكريتية المُسلّحة بالحديد التي يقوم عليها البناء المعماري العملاق.
الإبدال والبديل
إفتتح الشاعر كتابه بحديث للسهروردي إسمه بديل الإبدال. نقرأ في هذا النص ما يلي:
((… عندما صعدتُ الجبل ورأيتُ أبي شيخاً طاعناً, تكادُ السماواتُ والأرضُ تنشقُّ من تجلّي نوره، فبقيتُ باهتاً متحيراً منه!… فسلّمتُ عليه ثم بكيتُ أمامه وشكوتُ إليه من حبس القيروان! إلاّ أنَّ أبي ذكّرني أنه لا بُدَّ من العودة إلى الحبسِ الغربي!)).
الشاعر المنصف الوهايبي من القيروان… وآخ ألف آخ من الحبس الغربي!! وآخ ألف آخ من السجن الشرقي الذي يُعاني منه المبدعون والمثقفون والأحرار نزلاء السجون والمعتقلات والمقيمون في منافي الأرض مُشردين مُشتتين ينشدون الحرية وما يسدُّ الرمق. هذا هو حديث الإبدال فماذا عن البدائل وما مغزى التركيز عليها حتى أنَّ الشاعر كرر لفظة البديل إحدى وعشرين مرّةً جعلها رأساً لعناوين إحدى وعشرين قصيدة مثل: بديل الرائي، بديل الأمير، بديل القديسة؟ هل هناك من وجه للشبه بين بدائل الوهايبي ومرايا الشاعر أدونيس (الآثار الكاملة/ ديوان المسرح والمرايا ثم مرايا للمثل المستور. دار العودة، بيروت 1971)؟ أجلْ، أُحسُّ أن هنالك خيطاً رفيعاً متواضعاً من القربى ما بين الفكرتين وإن إختلفتا من حيث الجوهر. مرايا أدونيس تتعامل مع شبح الصورة المنعكس على وجه المرآة. وصورة الوجه في المرآة كما نعلم هي معكوس الصورة الحقيقية لوجه الإنسان من حيث الوضع المكاني. فالخد الأيسر في وجه الإنسان يشغل على سطح المرآة الجانب الأيمن والعكس بالعكس. الشبح هو مقلوب الوجه الحقيقي. أي أن ما تُرينا المرآة هو ما يُسمى في عالم الفيزياء Image . الوضع مختلف تماماً بالنسبة لبدائل الشاعر المنصف. إنها ليست أشباحاً مقلوبة، إنها بدائل مادية من لحم ودم. إنها تُمثل موضوعات ملموسة محسوسة أي Objects . الفرق شاسع بين الشبح المقلوب أُحادي البعد الفضائي والجسد المادي ذي الأبعاد الثلاثة. ليس هنا مجال بحث فلسفة مرايا أدونيس تفصيلاً لكنها تستحق الدراسة الجدية.
مدائن الشاعر السبع
أعطى الشاعر بدائل لسبع مدن كانت مسقط رأسه القيروان المدينة الأولى في مسلسل ورود ذكر هذه المدن (بديل المدينة الأولى). جاءت فاس في السياق الثاني ثم صنعاء الثالثة والكاظمية الرابعة لكن الشاعر لم يُعطِ إسماً للمدينة الخامسة التي يذكر فيها رطوبة بغداد والنخيل العراقي. أما المدينة السادسة فكذلك ظلّت غفلاً لكنَّ الشاعر لم يشأ أن يترك مكانها فارغاً موحشاً فملأه بإسم الشاعر السياب وتمثاله الشهير المنتصب في أحد شوارع مدينة البصرة المُطلِّ على شط العرب. هل نستنتج أن البصرة مدينة السياب هي المدينة السادسة؟ لا بأس. شغلت مدينة سراييفو المكان السابع في جدول تسلسل هذه المدن (بديل المدينة السابعة). هل لهذه الأرقام من مغزى رمزي يستبطنه ويستهدفه الشاعر؟ لماذا أعطى مثلاً مدينة فاس الرقم الثاني ومنح صنعاء الرقم الثالث والكاظمية الرقم الرابع؟ تلك أسئلة مشروعة يجهد القاريء في أن يعرف أسرارها، لأنها في رأيي تمثل بعض مفاتيح شخصية الشاعر وعالمه الشعري وعقله الباطن. فضلاً عن تجاربه العيانية وسياحاته في هذه المدن. يستوقفني على سبيل المثال أمر إهتمام الشاعر بمدينة الكاظمية إذْ خصّها بقصيدة وأعطاها رقماً متميزاً زوجياً ( أربعة ). مُفتتح القصيدة يوحي بشدة وطأة الغربة على الشاعر فجاء متسربلاً بظلالٍ من الميلانخوليا (الكآبة السوداء) المشوبة بشيء من الرهبة والحذر والإحساس بالوحدانية:
داخلاً
في المدينة… لا أصطفي غير ظلي
ومُنحدِراً
في الضواحي
أتهجى خريفَ بساتينها
وأقولُ الربيعْ .
في مدينة الكاظمية، وهي قضاء تابع إدارياً للعاصمة العراقية بغداد، مرقد الإمام السابع موسى الكاظِم (أي كاظم الغيظ) إبن الإمام السادس جعفر الصادق بن محمد الباقر. ومن إسمه جاءت تسمية هذه المدينة. فوق مرقده قبة عالية من الذهب وحوله منارتان من الذهب. إنها كاظمية الشريف الرضي وأخيه الشريف المُرتضى (من أحفاد موسى الكاظم) حيث إختلف أبو العلاء المعري إلى مجلسيهما حين زار بغداد وأقام فيها ردحاً من الزمن، ثم حين إرتحل عنها قال فيها :
شربنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ
وزرنا أشرفَ الشجرِ النخيلا
كتب الشاعر هذه القصيدة في خريف عام 1982 يوم أن كانت الحرب على أوجها بين العراق وإيران. هل روح الشاعر المتصوفة التي أتته من القيروان وإبن غلبون وإبن مسرّة قادته في العسير من الأوقات إلى ضريح أحد أئمة المسلمين يلتمس أجواء النشوة الروحية الصوفية ثم الهدوء وراحة النفس في البلد الغريب ((… ها هي الكاظميةُ تفتحُ للمغربيِّ مغاليقها)). كان الشاعرُ كريماً مع الكاظمية بحيث أنه يرى الربيع في خريفها ((أتهجّى خريفَ بساتينها وأقولُ الربيعْ)). كما ألقت بظلالها الحربُ على الشاعر ضيف العراق وقدكانت الصواريخ يومذاك تتساقط على بغداد وسواها من المدن العراقية ليلاً ونهاراً. عبّرَ الشاعر عن ذلك أبلغ تعبير حين قال :
وأنا داخلٌ في متاهاتها
ما الذي يتعقبني في الظلامْ ؟
ما الذي يتربصُ بي مثل ريبِ المنونْ ؟
لغةٌ أم جنونْ ؟
أجل، جنون… الحرب جنونٌ جنونٌ جنونْ.
تظلُّ أمامي أرقام الشاعر عصيةً مُغلّفةً مُغلقةً، وتُذكّرني بإفتتاحيات بعض سور القرآن الكريم (كهيعص) و (ألف لام ميم)…، التي ما زال تفسيرها موضع خلاف بين علماء اللغة وفقهاء الدين. هل من نسب أو علاقة حتى لو كانت شكلية بين أرقام المعلقات السبع وعجائب الدنيا السبع وأيام الأسبوع السبعة والكواكب السبعة السيّارة والسماوات السبع؟ وهل لسنوات مصرٍ السبع العجاف من صلة بأرقام المنصف؟ الجواب في قلب الشاعر.
الشاعر وفلسطين
شغل الهاجس الفلسطيني حيزاً كبيراً في ديوان الشاعر، فلقد غطى هذا الموضوع عشر صفحات كاملة ( 57 – 67 ). ولقد أجاد إذ أعطى قصيدة (بديل الطفل الفلسطيني) عنوان (مزامير الفصول). مزامير داوود ليست ببعيدة عن ذاكرتنا بالطبع. كتب الشاعر هذه القصيدة والتي تليها (من البحر تأتي الجبال) صيف 1982 أي في الوقت الذي إجتاحت فيه إسرائيل الجنوب اللبناني وحاصرت بيروت ودمّرت ما دمرت وعاثت في المدن وفي الأرض فساداً. إنشغال الشاعر بالقضية الفلسطينية وبمحنة شعب فلسطين جعله يمنح ديوانه إسم إحدى قصائده في فلسطين : (من البحر تأتي الجبال). هنا وللمرة الثانية يذكّرنا الشاعر ببعض فصول كتاب العهد القديم في إشارة ذكية بارعة إلى أن لكارثة فلسطين جذوراً تأريخية مُغرقة في القِدَم. تأريخ هذه المحنة هو تأريخ نزوح إبراهيم الخليل من أور الكلدانيين في العراق وإقامته في أرض كنعان. وهو تأريخ إنتقال البشرية من طور أو عصر الكنعانيين إلى ما يُسمى بعصر الحديد كما تقول كتب التأريخ. ولقد جاء ذكر الحديد في القرآن الكريم مقروناً بداوود صاحب المزامير (( ولقد آتينا داودَ منّا فضلاً يا جبالُ أوّبي معهُ والطيرَ وألَنا له الحديدَ. سورة سبأ، الآية العاشرة )).
تأتي قمّة مأساة فلسطين مع قدوم عام 1947 ، عام التقسيم ثم عام حرب 1948 حيث لم تستطع جيوش سبع دول عربية أن تحسم الحرب لصالح فلسطين في ظل ميزان دولي للقوى كان يميل إلى صالح دولة إسرائيل الجديدة التي إنبثقت ولأول مرة في التأريخ المعاصر بالتصويت أمام هيئة الأمم المتحدة في نيويورك. لقد أعطى الشاعرُ آخر أشعاره في فلسطين عنوان (الطُوفان) وقد أجاد (2). وضع القاريء مباشرةً أمام جذور الكارثة وأصل البلاء حيث أشار إلى أسباط بني إسرائيل (الإثني عشر) وكانوا أقواماً من البدو المترحلة ترعى المواشي والأنعام وتبحث عن الماء والكلأ وتتنقل ما بين أرض العراق ومصر وبلاد الشام. ثم قرن قصة هؤلاء الأسباط بقصة الطوفان حيث أُمر نوح بصنع الفُلك وشحنه من كل زوجين إثنين كما ورد في القرآن الكريم. هل من باب الصدفة المحضة أن تأتي قصيدة الطوفان على الصفحة 67 من الديوان ؟ إذنْ لنتذكرْ نكبة حرب الأيام الستة عام 1967 !!! قال الشاعر في مطلع هذه القصيدة :
ها هم الأسباطُ من بدوٍ وأفّاقينَ
في باب السفينةْ
حملوا من كل زوجين وهمّوا
هاهمو في بابها يدّافِعون.
هذه صورة سفن المهاجرين الأُول جاءوا فلسطين من روسيا وبولونيا وسواهما من أقطار المعمورة كيما يستعمروا (وطناً بلا شعب) كما كانوا يقولون من قِبل (شعب بلا وطن) كما كانوا يزعمون!!
حيوانات المُنصِف الوهايبي
تحت عنوان ( حديث الحيوان ) كتب الشاعر ما بين الأعوام 1982 – 1989 تسع قصائد لتسعة حيوانات هي الخفّاش والجمل وسراج الليل والأفعى والحرباء والسلحفاة والقنفذ والكلب ( أهداها إلى الجاحظ، صاحب كتاب الحيوان ) ثمَّ العظاية. لِمَ نحا شاعرنا منحى كليلة ودمنة فتكلم مرّاتٍ بلسان الحيوان وأنطقه وتكلم هو نفسه عن الحيوان مرّاتٍ أُخَر. تكلم مثلاً عن الخفاش فقال (( كان إذا استوحش يستفتي الليل بعيني خُفّاش…)) في حين أنطق الجمل فجعله يقول (( كنتُ أعمى ولكنني لم أضيع طريقي إليها ولو مرة واحدة…)). لا سبيل للمقارنة بين نهج كليلة ودمنة ولا الحِكم التي يشير إليها مؤلف هذا الكتاب. هنا تتكلم الحيوانات مباشرة وكلها منقادة للأسد ( الملك ) تخشاه وتتقرب إليه وترجو رضاه وعفوه. وفي كل الحوارات عظة ومحاججة لطبيعة السلطة والسلطان الحاكم وصرخة ضد المظالم. في حين خاطب الشاعر المُنصف أو أنطق حيواناته بهمومه وإخفاقاته ومتاعبه الشخصية وأمنياته في الحياة وبكل ما يسبب له القلق أو الألم. بإختصار كان الشاعر يُسقط نفسه على حيواناته لكنه لا يطلب منها حلاً ولا هي تُزجي نصيحة أو حكمةً ولا تشكو سلطاناً إلاّ سلطان وسطوة الزمن وعثرات الحظ التي هي في نهاية المطاف ليست سوى عثرات حظ الشاعر نفسه.
أجاد الشاعر كما عوّدنا دائماً إذ ذكر الجاحظ ضمن إطار عالم الحيوان هذا فللجاحظ كتابٌ إسمه ( الحيوان ). هنا من حقنا أن نتساءل لِمَ إختص الشاعرُ الجاحظَ بالكلب أو الكلبَ بالجاحظ (3) ؟!
في ( حديث الجمل ) وضع شاعرنا هذا الحيوان الصحراوي في مناخه وجوه الطبيعيين فذكر لثام طارقي الصحارى وذكر أزهار العرار الصُفر التي لا تنبت إلا في الصحارى حيث ذكرها شاعر قديم فقال :
تمتعْ من شميمِ عَرارِ نجدٍ
فما بعد العشيةِ من عَرارِ
في البيت إشارةٌ إلى قرب مغادرة مكان أثير أو فقد شيء عزيز. وفيه حث واضح على التعجيل في إهتبال الفرصة الأخيرة التي ربما لا تسنح ثانيةً وقد لا تتكرر. كرر الشاعر في ديوانه الرقم ثلاثين بضعة مراتٍ. ففي حديث الجمل قال (( وها هو بعد الثلاثين قلبٌ كليلٌ… وعينانِ معصوبتانْ / الصفحة 77)). هل هو عمر الشاعر إبّان كتابة أشعاره ؟ جائز. وردت في القرآن الكريم أسماء الكثير من الحيوانات وبصيغ لغوية شتّى وخدمت أغراضاً شتى كالفيل والبقر والغنم والخيل ( والعادياتِ ضَبحاً. فالمورياتِ قَدحاً. فالمُغيراتِ صُبحاً. فأَثرنَ بهِ نَقعاً. / سورة العاديات ) والعنكبوت والنمل والنحل والعجل والبغال والحمار والحُمْر والحمير والكلب والجمل والناقة والضأن والمعز والإبل والقِرَدة والبعوضة والقُمّل والجراد والضفادع والثعبان والغراب والطير عامة والهدهد وطائر السلوى والحيّة والحوت
( السمك ) والأسود ( قَسْوَرة ) والسَبُع والخنزير والجوارح والأنعام.لم يأتِ منها في ( حديث الحيوان ) إلاّ إسم الجمل والأفعى والكلب. الكلب صديق الإنسان وحاميه والجمل واسطة نقله وكسائه وغذائه والأفعى عدوه الألد.
لا أحد يملك أو يدّعي أنَّ يملك الحق في أن يسألَ الشاعر لِمَ لمْ يوظفْ أسماء كل ما ورد في القرآن الكريم من أسماء الحيوان. مثل هذا السؤال غير واردٍ أصلاً. غنيٌّ عن القول أنَّ الشاعر لم يوظّف في أحاديثه عن الحيوان إلاّ ما وجد في شكله أو طبعه ما يتجاوب مع ما في نفسه من متاعب ومشاغل وهواجس وهموم. هي رموز متحركة صامتة جعلها تنطق فتعرب عن هموم الشاعر وما يمور في أعمق أعماقه من ذكرياتٍ أو مخاوف أو هذيان أحلام اليقظة. الحيوان هنا ليس أكثر من صدى يردد صوت الشاعر ومرآة سحرية تعكس دواخل الشاعر الدفينة عميقاً. لا تعكس شكله أو مظهره أو لون بشرته وعينيه. إذا كان الشيء بالشيء يُذكر فلا بأس من ذكر أنَّ أبا العلاء المعري كان قد ذكر في قصيدة " متى اللقاء " أسماء عشرة حيوانات هي الحمامة والنسر والأسد والفراشة والحية والناقة والحرباء والجنادب والضب والنعّام. ذكرَ الحمامة في خمسة أبيات والأسد في عشرة أبيات والأفعى في تسعة أبيات. لقد عالجتُ هذه الظاهرة في كتابي (( نقد وشعر وقص / الناشر: مركز الحضارة العربية، القاهرة 2001 )).
الآن، ماذا في عالم حيوانات الشاعر المنصف الوهايبي ؟ نقرأ في ( حديث الجَمَل ) :
وها هو بعدَ ثلاثينَ
قلبٌ كليلٌ… وعينانِ معصوبتانْ!
وها هو يمشي
إلى القيروانْ وئيدا
ولا يبلغُ القيروانْ!
ويقولُ : لعلَّ صليلَ حصى!
ولعلَّ شميمَ عَرارِ!
ويطرُقُ بيتكَ
في مُدلهمِّ الظلامْ
ويَظلُّ يدورُ بهِ
ويدورُ على نفسهِ…
ثمَّ تَثقُلُ أجفانهُ
وينامْ!.
وفي حديثه عن حشرة سراج الليل يعود المُنصِف الوهايبي القهقرى إلى أيام طفولته فيقول:
طفلينِ تحلّقنا
حولَ " سراجِ الليلْ "
ننفخُ في عينيهِ… فلا تنطفئانْ!
ونقولُ لهُ :
يا نجماً يتوهّجُ في ليلِ البستانِ!
من أي سماءٍ جئتَ؟
حديث الموت
إختتم الشاعر كتابه الطريف بحديث الموت فخص الموت بثلاث قصائد،لم يشأ أن يذكر تواريخ كتابتها. الموت نهاية حياة الإنسان، إذن لا بأس في أن ينتهي الكتاب بالحديث عن الموت. الخواتم تتشابه في أغلب الأحيان. حديث الموت أو الحديث عن الموت حديث لا ريب متشائم، فما هي أسباب تشاؤم الشاعر الواثق الصابر المتمكن من ظرفه ومن زمانه والناجح في كل ما قد سعى إليه في مسيرة حياته التي ما زالت في بداية الطريق؟ إنه تشاؤم وحزن الأقوياء الذين لا يرون حدوداً لمطامحهم وآمالهم في الحياة. إنه تشاؤم الحزن على ما قد يضيع منا وعلى ما قد ضاع منا وفات. إنه حزن الرجال شديدي الحساسية الذين يضعون نُصب أعينهم بيت الشاعر المتنبي :
أُريدُ من زمني ذا أنْ يُبلّغني
ما ليس يبلغهُ من نفسهِ الزمنُ
ماذا في حديث الموت؟
تحمل قصيدة حديث الموت الأولى عنوان ( حديث النعي ). يبدأها بكلمتين إستعارهما من أحد أبيات أبي العلاء المعري الموصوم هو الآخر بالتشاؤم :
خفف الوطءَ ما أظنُّ أديمَ ال
أرضِ إلاّ من هذه الأجسادِ
أمّا في حديث ( الزائر ) فلقد حقق إبداع الشاعر ذروة ما بعدها من ذروة. قال :
أنظرُ من ثُقبِ البابِ
إلى الرُدهةِ :
لا شيءَ !
ولكنْ ثَمّةَ ضوءٌ
يتنقلُّ بين الحُجُراتْ !
…
(- من يبحثُ عنكَ ؟
لعلكَ لم تُحكمْ غلقَ البابِ؟
لعلّي…!)
لغة الشاعر
تمتاز لغة الشاعر في هذا الديوان بإسلوب يثير الإنتباه : المحافظة على سمت لغوي وبياني واحد إنتظم جميع قصائد الديوان. بخلاف المنصف، يتفاوت شعر الشعراء على صعيد الديوان الواحد ويتفاوت حتّى على صعيد القصيدة الواحدة. ما تفسير ذلك ؟ هل نجد التفسير في شخصية الشاعر حيث ينعكس تماسكها وتناغم أركان عمارتها ثم إنسجام مكونات عالم الشاعر الداخلي بكافة أبعاده ومستوياته ودقة ما يجري فيه من تفاعلات…هل ينعكس ذلك كله على ما يقول الشاعر من شعر؟ أسلوب الشاعر والشاعر صنوان، بل هما توأمان. لا يكفي أن يكون الشعر مرآة الشاعر. يأتي الشعرُ الشاعرَ عفو خاطر السجية وحسب طبيعة تركيب فطرته مضافاً إلى ذلك ثقافته وقدرته على الرؤيتين القريبة والبعيدة ثم عمق قناعته بما يكتب. رغم تفاوت موضوعات قصائد ديوان المنصف الوهايبي، أشعر وأنا أقرأ هذه القصائد كأنَّ شيئاً ما خفياً وظاهراً يجمع فيما بينها، يزنها ويوازنها ويسوّي سطوحها حتى يستوي لها سطح أُفقي مستوٍ صقيلٌ وسمتٌ رأسيٌّ ثابت الإرتفاع في فضاء واسع غير متناهٍ. هذا السطح الأفقي الصقيل وهذا السمت الرأسي السامق تخللتهما بعض العثرات والهفوات التي تركت بعض الخدوش الهينة على مجمل نسيج هذا السجّاد الفاخر والنادر. سأضرب أمثلة :
إعتساف البناء الإعرابي لبعض المفردات/
لكي يحافظ الشاعر على إلتزامه بإيقاع التفعيلةِ يُضطرُ إلى تشويه بناء الكلمة. ينحر الكلمة من أجل الإيقاع. سأجمعُ السطور لإنها أساساً قصيرة. في قصيدة ( مريم/ الصفحة 19 ) قال الشاعر :
… وإسترابت إذ إنثلمَ الكونُ والتامَ في ثمْرةٍ يابسة. لقد سكّنَ حرف الميم بدل أن يتركه مفتوحاً. تكرر الحال مع كلمة ثَمَرة (4) في قصائد أخرى ولا سيما قصيدة ( وديعة ). في قصيدة ( القابلة ) إعتسف الشاعر كلمة الحَشَرة (4) فجعلها كأختها الثمرة ( حَشْرة ) بتسكين حرف الشين. وفي قصيدة ( حرباء ) إعتساف ونشاز عن الإيقاع السائد لا يمكن السكوت عليه. قال الشاعر :
أيتها التميمة المعلّقةْ
على جدار البيتْ
لا غُصْنَ ولا ثمْرةْ ( هنا وقع الإعتساف ثم الإنحراف عن إنسجام النغمة بإيقاع التفعيلة )
لم يبقَ من ذاكرة الألوانِ في العينينْ
غيرُ بياضِ الحزنِ والحسرة!
في قصيدة ( حديث النعي/ الصفحة 97 ) يقع الحيف الأخير على كلمة الثمرة فيجمد الشاعر إنسيابية إعراب هذه الكلمة بتسكين حرف الميم. وقعت بعض الأخطاء في تصريف بعض الأفعال أو طريقة كتابتها. فقد كتب الشاعر في قصيدة ( أتبعُ الغاوين / الصفحة 27 ) الفعل الماضي ( مَلؤوا وحشتها ) والصواب هو ملأوا (5). الفعل الماضي هو ملأَ وليس ملؤَ . كما أخطأ في كتابة الصياغة الصحيحة للفعل ( أطفأَ يُطفيءُ ) (5) إذ جاء في قصيدة ( من البحر تأتي الجبال / الصفحة 65 ) كما يلي :
… ويصيحُ في أحفادهِ المتحفزينَ
على تخومِ فجيعةٍ أخرى :
لا تُطفؤوا اشجاركمَ ( هكذا وردت. الصواب هو لا تطفِئوا…الهمزة على الكرسي لأنَّ ما سبقها مكسور). ثم على الصفحة 94 من قصيدة ( عظاية ) أخطأ الشاعر في كتابة فعل الجمع الماضي
( جاءوا )… فكتبه وقد جانبه الصواب على شكل ( جاؤوا ). هل لتونس الخضراء طريقتها الخاصة في تصريف وكتابة بعض الأفعال بحيث أنها تختلف عمّا ألِف وإعتاد عليه الناس في المشرق العربي ؟ للهمزة بشكل خاص قواعد ثبّتها أئمة اللغة العربية منذ القرون الخوالي. في قصيدة ( من البحر تأتي الجبال / الصفحة 63 ) جعلَ الشاعر لا النافية العادية تأخذ حكم لا النافية للجنس فنصب ما جاء بعدها بدون أي مبرر (6). إيقاع التفعيلة يمشي سليماً مع تنوين آواخر هذه الكلمات. قال الشاعر :
لا صحراءَ تحشدُ رملها وخيولها
لا نخلَ ينهضُ عارماً
لا برقَ يقبلُ
لا غمامةْ.
ليس من ضير في أن تكون السطور بشكل ( لا صحراءٌ لا نخلٌ لا برقٌ…).
كذلك الأمر فيما ورد في قصيدة ( الزائر/ الصفحة 99 ). قال الشاعر :
أتلفّتُ…
لا بيتَ ولا ضوءَ ولا أشياءَ ( الصحيح : لا بيتٌ لا ضوءٌ لا أشياءُ… مع إسقاط واو العطف مرتين) (6).
في قصيدة ( القابلة / الصفحة 69 ) خطأ إعرابي واضح (7)، قال الشاعر:
… والشجرُ الناهضُ في الأغوارِ
والحَشْرةُ والمياهُ ( إعتساف آخر نال الحَشَرة )
تولدُ الإنسانَ ذو النجدينْ ( هكذا وردت… بدل ذا النجدين ).
في قصيدة ( حديث الكلب / الصفحة 91 ) إشتق الشاعر فعلاً لا تعرفه العربية. قال :
حتى رأيتُ الظلامْ
بارداً يتكوّمُ
والكونَ يَعتِمُ (8) ( هكذا ورد الفعلُ. العرب تقول يعتوتم ولا تقول يعتم . يعتمُّ الرجلُ إذا لبس العمامة ).
في قصيدة ( عظاية / الصفحة 94 ) كرر الشاعر الفعل الناقص (كان ) ثلاث مرات في سطر واحد دونما أية ضرورة لا جمالية ولا إيقاعية ولا لغوية، في حين كان بإمكانه أن يختزله إلى مرة واحدة فقط (9). جاء البيت كما يلي :
أزرقَ كان أبيضَ كانَ اصفرَ كانَ أحمرَ..
في حين أن البديل الذي أقترحُ هو :
أزرَق… أبيضَ… أصفرَ… كان أحمرَ .
السجع والقافية
لا بأس إنْ أفاد الشاعر من جمالية الأصوات كمُحسّنات بديعية حسب لغة إبن المُعتز، أو كفواصل في سُلّم النوتة الموسيقية، لكن المحذور في أن يسرف الشاعر أو يسهو فيقع فريسة في مصيدة القوافي والسجع الصوتي ( إيقاعات أصوات صنوج غجر الفلامنكو الإسبان، أصدقاء الشاعر لوركا ). لم يفلت من هذا المحذور لا السيّاب ولا محمود درويش، ونهج شاعرنا المنصف نهج هذين الشاعرين المعروفين فأوقع نفسه في أمرٍ مُستحبٍّ ميسور سهل التناول لكنه غير واجب، بل وينبغي الحذر منه وأخذ الكثير من الحيطة والإنتباه حين التعامل معه. قد يكون بعض السموم حلو المذاق فحذارِ حذارِ. السجع والقافية في شعر التفعيلة مصيدتان وحفرتان يكبو الشاعر حين يخبُّ على الطريق ممتطياً صهوة حصان الشعر المُجنّح فيسقط في واحدة منهما أو في كلتيهما. ليس فيهما ضرر كبير على القصيدة لكنهما أمارتان على ضعف الشاعر إذْ يركن إلى طلب العون من مصادر خارجية لا علاقة لها بذبذبة نَفَسهِ الشعري ولا بنغمات أوتار روحه العميقة الخفاء ولا بإيقاع القصيدة الذي رَكِبَ الشاعرَ فمضى في تياره نشواناً مسحورا. الشاعر آنئذٍ كالغريق الذي يطلب عونّ من يساعده أو من يمد له طوق النجاة لإنقاذه من إشكالية تعترض إنسيابية إيقاع قصيدته. لو تمهل هذا الشاعر وأعمل الفكر قليلا لوجد الحل المناسب ولإستعاض عن المفردة التي إستعصت عليه وسببت له شيئاً من صداع الرأس بأخرى تستطيع أن تشغل مكانها المناسب لغوياً وحسياً وذوقياً في الجملة أو البيت أو السطر. لو تمهّلَ الشعراءُ قليلاً إذن لإجتثوا هم قبل غيرهم هذا الدغل والأشواك التي تنبت في حديقة أوراد شعرهم متطفلةً على تربتها ومائها وشذى عطر زهورها. لو تمهلَّ الشعراءُ قليلاً…!! سأضرب بعض الأمثلة على ما أقول (10).
في قصيدة ( قنفذ / الصفحة 89 ) نقرأ ما يلي :
كان يملأُ خاويَ أوقاتهِ بالكلامْ
كان يمحو الذي يعتريهِ ويلحو
إلى أنْ تبينَ العظامْ
ويهُشَّ على زاحمِ السابلةْ!
غيرَ أنَّ الذي كان يمحو الذي كان يلحو
ظلَّ يسقطُ مُغترِزاً في قراراتهِ ثمَّ يطفو
إذا عادَ من فسحةِ الليلِ…
هذا السجع ( يمحو… يلحو…) لا ضرورة له يقتضيها سياق المعنى ولا لزومَ له بالنسبة لقدرة القاريء على إستيعاب مقاصد الشاعر وتقصّي أساليبه في الكشف عن شاعريته سواء بالصورة أو الإيحاء أو بالرمز. ثم ما معنى يلحو في هذا المقام ؟ هل من الإلحاح، ألحَّ يُلِحُّ ؟ وجدت جناساً وسجعاً آخرَ في قصيدة ( إبن غلبون القيرواني / الصفحة 15 ). قال المنصف الوهايبي (11):
بين المجذوبينَ سأجلسُ مُنفَرِداً
أو بين المجذومينَ وأربطُ في عُنُقي جَرَساً
فاغنمْ ما شئتَ ودعني
فبلائي في قلبي
لا بُرءَ له أبداً !
أردف الشاعرُ كلمة ( المجذوبين ) بكلمة ( المجذومين ) رغم البون الشاسع ما بين المعنيين. فلا علاقة لمرض الجُذام بالعُته وإنحراف العقل. قد نجد هنا تبريراً للجمع بين هاتين اللفظتين في طبيعة تقاليد وطقوس بعض المدارس الصوفية وشعبذة الدراويش وطرق إستحضارهم لأرواح الموتى والجن والملائكة الصالحين ( حسبما يدّعون ) في جو من أدخنة البخور الكثيفة و قراءة التخت والرمل وإستجلاء نوايا المرايا لكشف السُّراق والسرقات وغيرها من الأساليب والطرق المنتشرة في زوايا وتكايا بعض مدن العراق والشمال الإفريقي. من الواضح أنْ لا شيء أغرى الشاعر إلاّ الجِناس والسجع ثم التقفية… التفاحة التي أسقطت أبانا آدم من ملكوت السماوات العُلى إلى أديم الأرض.
الشاعر والسيّاب والعراق
خصَّ المنصف الوهايبي العراق بثلاث قصائد، فما سرُّ حب الشاعر للعراق ؟ بعد قصيدة
" الكاظمية " كتب قصيدةً للشاعر العراقي المرحوم بدر شاكر السيّاب بإسم " تمثالٌ للسياب " ثم قصيدة أخرى لمدينة البصرة ميناء العراق الجنوبي بعنوان " نخلُ البصرة ". أُكرر : ما سبب تعّلق الشاعر بالعراق وببعض مدائن العراق ؟ تكلمتُ عن قصيدة الكاظمية وها إني متكلم عن السياب وقصيدة " تمثال السياب ". لم يُعمّر السياب طويلاً ( 1926 – 1964 ) فلقد توفي مبكراً معلولاً شأن الكثير من مشاهير الشعراء إبتداءً بالشاعر الجاهلي طَرَفة إبن العبد ( يُقال مات في الرابعة والعشرين من العمر ) مروراً بالشاعر الإنجليزي لورد بايرون ( 37 عاماً / مات في جزيرة كريت بمرض غامض ) والشاعر الروسي بوشكين ( 37 عاماً / قتله ضابط فرنسي بطلق ناري في مبارزة تمّت بينهما.كان الضابط يغازل ويراود زوجة الشاعر) وكيتس ( 26 عاماً / مات بالإلتهاب الرئوي ودُفن في روما ) وشيللي ( 27 عاماً / مات غرقاً في خليج مدينة جنوة الإيطالية ) ثم الإسباني لوركا ( 38 عاماً / قتلته الفاشية ) وأبي القاسم الشابي ( 26 عاماً / مات بالسل الرئوي ) والشاعرين الروسيين يسينن ( 27 عاماً / إنتحرشنقاً) وماياكوفسكي ( 37 عاماً / مات منتحراً بعد أن أتلف مرض السفلس حنجرته ) والشاعر اللبناني خليل حاوي ( مات منتحراً ربما في السابعة والثلاثين من العمر). هل فقد الموت صبره فعاجل إلى قصف حياة هذه النُخبة الممتازة من الشعراء، ولأيما غرضٍ كانت عجلة الزمن هذه ؟ كتب الشاعر المنصف قصيدة " تمثال السيّاب " على الأرجح في عام 1982، عام كتابته قصيدة " نخل البصرة ". ونخيل البصرة من أشهر معالمها حيث التمور النادرة إسماً ومذاقاً. كان الشاعر موفقاً حين قرن البصرة بالنخيل أو النخيل بالبصرة. هل تذكّر تمور ( دقلة نور التونسية ) ساعة كان يستمتع بتذوق تمور البصرة أيام مهرجانات المربد الثقافية التي كان يُدعى إليها، أم أنَّ الحرب العراقية – الإيرانية وقتذاك كانت قد أحرقت جُّلَّ نخيل البصرة وأبي الخصيب ونخيل ضفتي شط العرب حتى مدينة الفاو ؟ إعجاب المنصف بالسياب جاء مشوباً بالخوف على مصير مدينة البصرة. يتكلم عن السياب لكنه لا ينسى نخيل البصرة، لكأنَّ السياب = البصرة، والبصرة = السياب، وجهان لا ينفصلان.
ظهرهُ للنخلِ والنهرِ
وعيناهُ لوجهِ البصرةِ المنتظِرةْ!
من وراءِ النهرِ تأتي طلقةٌ..
يُعوِلُ طفلٌ
وتُسوّي خُضرةٌ أوراقها
يبحثُ نسغٌ في رماد الأرضِ عن خيطٍ فلا
يلقى سوى جمرِ الأحاجي ورثيثِ الأكفنةْ!
النخيل، البصرة، ضريح، طلقة، طفل وعويل، الأرض رماد، جمر وأكفنة. هذا هو حصاد الحرب. هذا ما قد رأى الشاعر رأي العين من خراب وما جرّت الحربُ على شعب مغلوب على أمره من ويلات ومصائب. قصيدة حزينة لظرف سياسي – إجتماعي غاية في الشدة والتعقيدلم يجد الشاعر من يلوذ به ومن يلتجئ إليه ومن يشكو له في هذا الظرف إلاّ زميله شاعر المحن والمآسي وإبن البصرة بدر شاكر السياب. ماذا تنتظر البصرةُ بعد خرابها؟ ماذا ينتظرُ البصرةَ ؟ ماذا تتوقع عيون السياب من البصرة المُنتَظَرة ؟ تنبأَّ السياب في حياته القصيرة بما سيصيب العراق والعراقيين فكتب ديوان
" المعبد الغريق " ثم ديوان " منزل الأقنان ". أضحى العراق معبداً غريقاً حقّاً لا مجازاً ثم أصبح منزلاً لعبيدٍ أقنان.
نخيل المنصف الوهايبي نخيلٌ حزين تضربه قنابل المدفعية الثقيلة والصواريخ بعيدة وقريبة المدى (( وسلاماً يا نخلاً أعطاني العُنقودَ المُتداولَ بين الموتى والأحياءْ )). في حين أنَّ نخيل السياب في قصيدته " أُنشودة المطر " كان نخيل غّزّلٍ وإطراء ووصف لعيون من كان يُحب. يقول مطلع هذه القصيدة (( عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَحَرْ ، أو شُرفتانِ راحَ ينأى عنهما القَمَرْ )). سعف نخيل السياب هو أهداب من يحب. أما تمور نخيل المنصف فإنه غذاء الموتى والأحياء على حد سواء. أصبح التمر غذاء أغلب العراقيين في زمن الحرب التي إستمرت ثمانيةَ أعوامٍ عجاف. كما كان وجبة الغذاء الرئيسة للجندي العراقي والإيراني صيفاً وشتاءً يأخذانه معهما إلى جبهات القتال فيكون شاهد موتهم إنْ سقطوا أمواتاً في سوح قتال المعارك الضارية. (( التمر عنقود يتداوله الموتى والأحياء )).
ختامُ السياحة في الديوان
أعجبتني كثيراً قصيدة " دُمية " لكنْ آلمتني جملةُ تقديمِ هذه القصيدة التي تقول ( بديل الأخت الميتة ). لقد خسرت عائلتي شقيقتي الصغرى ( عدوية ) بعد أن جاوزت عامها الأول بقليل. إختفت ليلاً من فراشها في ظرف شديد الغموض. بعد عناء وتحرٍ شامل ودقيق وجدناها صباح اليوم التالي غرقى طافيةً في بئر ضحلٍ مُلحقٍ بحديقة منزلنا. مرّت على هذا الحادث عقودٌ وعقود لكني لم أستطع نسيانه ولم أستطع التخلص من ذكريات طفولتي معها على قلّتها وقصرها. ولا من هيئتها طافية على سطح البئر بملابسها الصيفية الزُرق. يقول الأهل إني بعد الحادث لم أُفارق البئر… أبكي وأصرخ : ها هي أختي تطفو على سطح ماء البئر. أريد أختي، أريد أن ألعب معها، أريد أُختي ، أبي…أُمي… أريد أختي عَدَوية !!! كنتُ أكبرها بعامين لا غير. لا عجبَ إذن إنْ ألفيتُ نفسي متعلقاً بهذه القصيدة، ففيها أخت ميتة وفيها – يا للعجب – بئرٌ وبستان. جعل الشاعر دمية أخته المتوفاة بديلاً عنها. كانت الأخت إذن هي الآخرى طفلةً كالدمية صغيرةً. غادرت الحياة تاركة لأخيها المنصف وباقي أفراد العائلة دميتها الأثيرة التي كانت تلاعبها وتقضي معها، شأن كل الأطفال، الكثير من الوقت، تحادثها وتناغيها وتبثها ما يضايقها من باقي أخوتها الصغار. الدمية هي الأخت الأصغر للطفلة والرفيق المحاور. لكنها حين تغضب منها تقطّع أوصالها فتنتزع منها الأذرع ثم السيقان وأخيراً تقطع الرأس… تنفيساً عن غَيرة من أخيها أو أختها أو ربما بدافع الملل منها ومن مصاحبتها اليومية. تريد دميةً أخرى سواها مختلفة عنها شكلاً وألواناً وتصميماً وحجماً. الطفل يكبر مع الأيام جسماً وإدراكاً فلماذا لا تكبر الدمية – الصديقة ؟ لِمَ لا تتكلم ؟ لِمَ لا تُجيب عن أسئلة صاحبتها؟ لِمَ لا تبدّل أثوابها ؟ لِمَ لا تطلب ماءً أو طعاماً ؟؟؟؟ رحلت أخت الشاعر لكنها تركت دميتها ممزقة أشلاءً في تخت الأم. فهمنا لماذا تركتها ممزقة لكن علينا أن نفهم لماذا تركتها في أو على تخت الأم ؟ الطفل لا يُفارق بل ولا يستطيع أن يفارق أمه حتى يبلغ حداً معيناً من العمر. الأم – كما أحسب – هي التي تخاطب الشاعر(12) وتطلب منه أن يأخذ دمية أخته الممزقة وأن يُعيد إليها الحياة. أن يرد لها السيقان والأذرع والهيكل. الرمز هنا واضح الدلالة : تريد الأم من ولدها المنصف أن يُعيد الحياة لأخته التي غابت وأن يردها لأمها. تريد الوالدة إعادة عجلة الزمن إلى الوراء لكيما تُبعث البنتُ المتوفاة كرّةً أخرى حيةً تنبض بحرارة الحياة لتجد دميتها مثلها سالمةً معافاة. نقرأ القصيدة معاً :
في تخت أُمّي
دُميةٌ… كانت لأُختي
دُميةٌ مخلوعةُ الأعضاءْ.
خذها
مضمّخةً بريحِ العودِ والكافورْ
وردَّ لها
ذراعيها
وساقيها
وهيكلها الرميمْ
عسى أن يستوي زمنٌ قديمْ !
وقلْ :
للبئرِ في البستانِ أنْ تدعو صغيرتنا
لأجنحة السنونو أنْ تبُلَّ طفولتي بالماءْ !
أختي عَدَوية، فما هو إسم أختك عزيزي الشاعر المنصف الوهايبي ؟ ماء البئر الذي أغرق أختي عدوية لا ولن يُطفيء ظمأي وشوقي لها ولن يبُلَّ طفولتي. إستوقفتني طويلاً قصيدة " مريم " . وأنفقتُ وقتاً أطول متسائلاً عن سبب إهداء هذه القصيدة إلى الشاعر الإسباني لوركا. ما هي علاقة لوركا بمريم ؟ لوركا بالطبع ليس عيسى المسيح لا ولادةً ولا نبوّةً.
تتكون هذه القصيدة من ثلاثة محاور أساسية هي (1) آيروس جنسي واضح (2) مريم العذراء أم السيد المسيح (3) ثم ينتصب بينهما لوركا شاذاً غريباً لا مكان له من الإِعراب. فلنتلمس الرومانس الآيروسي في شعر المنصف:
ليلةَ العيدِ غافلتُهم
وانتظرتُ الصبيّةَ تحتَ شُجيرةِ تينِ
فرشتُ لها بُرنسي وخلعتُ حزامي
فاستدارتْ إلى الظُلمةِ الدامسةْ
يابسُ العُشبِ يختضُّ من تحتها
ومياهٌ تخوّضُ في دمها…
فلِمَ ارتاعت الروحُ ليلتها واسترابتْ
إذْ إنثلمَ الكونُ والتامَ في ثمْرةٍ يابسةْ ؟!
ما هي دلالة العيد وشجرة التين بالنسبة لعالم الشاعر الداخلي، لعقله الباطن ؟ وما علاقة الإثنين بمريم وبقصة مخاضها بالمسيح تحت جذع النخلة (( فأجاءها المخاضُ إلى جذع النخلةِ قالت يا ليتني متُ قبلَ هذا وكنتُ نسياً منسيّا. فناداها مِن تحتها ألاّ تحزني قد جعلَ ربُكِ تحتكِ سريّا. وهُزّي إليكِ بجذعِ النخلةِ تُساقطْ عليكِ رُطباً جنيّا / سورة مريم )).
مريم والثمرة اليابسة سلطتا الضوء على قصتها ( تُساقطْ عليكِ رُطباً جنيّا )). ولكن أين ولادة الطفل المعجزة يسوع الناصري ؟ هل نفهم أن لوركا القتيل هو هذا الوليد الذي بشّرَ مجوسُ الشرق بمولده في بيت لحم ؟ خلاف ذلك لن يكون للشاعر لوركا مكانٌ هنا وفي مثل هذه الأجواء. وحضوره لا يُزيد ولا يُنقص بل ويبقى هامشاً عَرَضياً كالزائدة الدودية. أو أن يكون لوركا هو ( يوسف النجّار ) والد عيسى كما تقول بعض الأناجيل. قد تكون ( مريم ) القصيدة إمرأة أخرى لا علاقة لها بالعذراء. أي أنها بديل تلك. وهذا بالضبط ما قد قاله الشاعر ( بديل القديسة ). القراءة الآخرى للقصيدة تقدّم للقاريء تفسيراً أيسرَ وغير مُعقّد : عملية إغتصاب لصبيّة تمت في ليلة عيد تحت جُنح الظلام. حَمَلت الصبيّة نتيجةً لذلك حِملاً غير شرعي عبّر الشاعر عنه (( إذ إنثلمَ الكونُ والتامَ في ثَمْرةٍ يابسةْ )). الحِمل غير الشرعي هذا والذي سيوُلد سِفاحاً هو هذه الثمْرة اليابسة.
أين مكان لوركا في كلا التفسيرين ؟ هل تتغير نظرتنا لهذا الإشكال إنْ عرفنا أنَّ للوركا مسرحية إسمها ( عُرُس الدم ) ؟ إذا قرأنا هذه المسرحية سنعرف ما إذا كان للوركا مكان في هذه القصيدة (13).
هوامش/
بعد أن قرأ الشاعر الوهايبي دراستي لديوانه (( من البحر تأتي الجبال )) أرسل لي التعقيبات والتصويبات التالية. أثبتها كما وردت وحسب تسلسلها علماً إني أختلف معه في بعضها كما أتفق معه في البعض الآخر، وذلكم أمر طبيعي.
الوديعة في القصيدة جمعها ودائع أي ما يودع.
تحملُ قصيدة الطوفان عنواناً فرعياً سقط عند الطباعة وهو بديل الأب والمقصود به إبن نوح.
أهديتُ قصيدة الكلب إلى الجاحظ إشارةً إلى نص ورد في كتاب الحيوان مفاده أنَّ العربَ كانت تستهدي بنباح الكلاب فكان العربي يستنبح أي ينبح مثل الكلب عندما يضيع في الصحراء فتجاوبه الكلاب فيهتدي إلى مضارب القبيلة.
لديَّ كتاب شعري هو كتابي الخامس عنوانه فهرست الحيوان يصدر قريباً. قصيدة حديث الجمل مستوحاة من جمل بئر روطة في القيروان وهو جمل يدور بالبئر معصوب العينين لإستخراج الماء.
يُقال في العربية ثَمَرة بفتح الميم وثَمْرة بتسكين الميم أُنظرْ اللسان أو المُنجد في اللغة والأعلام ص 74 مع العلم أنَّ العربية لا تُسوّغُ من حيث الإيقاع توالي أربع حركاتٍ. حَشْرة بتسكين الشين هذا جواز شعري ومثله كثير عند القدماء والمعاصرين. للأسف لم تقرأ السطر قراءة سليمة على جدار البيت بكسر التاء لا بتسكينها كما فعلتَ وغصن بتنوين النون فليس ثمة إعتساف ولا نشاز والأسطر تجري كلها على تفعيلة الرجز.
وقعت في الكتاب أخطاء مطبعية مثل رسم الهمزة مع العلم إنَّ كثيراً من التونسيين
يرسمون الهمزة على نحو ما وردت في الكتاب وهو من الأخطاء الشائعة. هذا لا يعفيني من المسؤولية إذ كان ينبغي عليَّ مراجعة الكتاب أثناء الطباعة من ذلك سقوط بعض الكلمات من قصيدة صنعاء ص 45 السطر الثاني نحن نرضى بهذا الذي يتبقّى لنا.
ملاحظة: هذا غير صحيح فهذا المقطع جاء على تفعيلة الكامل متفاعلن والتنوين يُخلُّ بهذا الإيقاع. " لا " هي " لا " النافية للجنس أو التبرئة بعبارة النُحاة وعلى هذا الأساس يكون إسمها مبنياً على الفتح نحو قولك: لا رجلَ في الدار أو قول المتنبي: لا خيلَ عندك تُهديها ولا مالُ. أما التنوين فينجرُّ عنه حتماً خلل في الوزن.
هي لم ترد أصلاً مشكولة في الديوان تجد الرد لاحقاً. لم تقرأ السطر تولّدَ الإنسانُ ذو النجدين قراءة سليمة بسبب غياب الشكل وهو مستقيم لغةً ووزناً الإنسانُ فاعل وذو النجدين نعت.
عتم يعتم إستعمال عربي أصيل أنظرْ اللسان والمنجد في اللغة والأعلام ص 486 جاء فيه عتم عتما قرى الضيف ابطا وعتم الليل مرت منه قطعة.
ملاحظة: التكرار سمة من سمات الشعر لما ينهض به من وظائف دلالية وإيقاعية. وإقتراحك غير وجيه إذ ينجر عنه حتماً خلل في الوزن والإيقاع- القصيدة منظومة على تفعيلة الكامل " متفاعلن ".
لحا لحوا الشجرة قشرها انظر لحو المنجد ص 717 ولك أن تربط هذا الفعل بالفعل يسقط في السطر الذي يليه عسى أن توافقني في إنها صورة إستعارية للكائن وهو يلحو ذاته أو يتقشر كما البصلة بعبارة ناقد تونسي كتب عن هذه القصيدة.
إبن غلبون كان مجذوباً ومجذوماً وكان من عادة العرب أن يعلقوا جرساً في عنق المجذوم حتى يتحاشاه الناس إذ يسمع للجرس رنين كلما تحرك المجذوم والأمر عندي أعمق من طلب جناس وإنما هي إشارة سيميولوجية.
الحق إنَّ الشاعر هو المتكلم وليس الأم وقد توخيتُ أسلوباً جميلاً في العربية هو أسلوب الإلتفات أي العدول من المتكلم إلى الخطاب أو الغيبة أو العكس.
هذه القصيدة على صلة بقصيدة للوركا عنوانها الخائنة ولذلك أهديتها إليه وسميتها بديل القديسة والتأويل الذي ذهبتَ أنتَ إليه بعيد جدا.
المتواجون الان
361 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع



