اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• أميركا والمنطقة بعد الزلزال المصري

د. جابر حبيب جابر

مقالات اخرى للكاتب

    أميركا والمنطقة بعد الزلزال المصري

13/02/2011

 

أكتب هذه المقالة يوم الخميس، حيث يبدو أن انتقالا وشيكا للسلطة في مصر سيحدث، ويبرز الجيش المصري كسلطة جديدة لإدارة العملية الانتقالية، وتأتي هذه التحولات بعد ساعات من تبادل للانتقاد العلني بين حكومة مبارك والإدارة الأميركية عكس اختلافا في رؤية الطرفين حول سبل إدارة المرحلة الانتقالية التي يبدو أن الأميركيين يفضلون أن يروا في صدارتها شخصيات جديدة. والسؤال هنا هو هل تعكس الكيفية التي أدارت بها الولايات المتحدة الأزمة الراهنة تحولا في التفكير الاستراتيجي الأميركي تجاه المنطقة، وما هي طبيعة التغيير الذي تريده أميركا في مصر، وربما غيرها من دول المنطقة؟

 

ليس جديدا القول إن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تحكمت بالاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، الأول هو ضمان تدفق النفط إلى الأسواق العالمية وألا تخضع الموارد النفطية في المنطقة إلى سلطة معادية لأميركا، وثانيا حفظ أمن إسرائيل وبقائها، والثالث هو الحيلولة دون صعود تيارات مناهضة للمصالح الأميركية في المنطقة التي يعبر عنها بشكل خاص العاملان السابقان. وقد كانت الثورة الإيرانية وما أفرزته من صعود للقوى الأصولية إلى سدة السلطة بمثابة باعث رئيسي في تشكيل السياسة الأميركية في المنطقة التي باتت تركز على تفضيل بقاء النخب الحاكمة الراهنة التي بدورها وظفت «التهديد الأصولي» عبر التلويح به كبديل وحيد محتمل لها فوفرت لنفسها «شرعية خارجية» عوضتها عن الشرعية الداخلية. غير أن هذا الوضع ظل يسبب إحراجا للأميركيين والقوى الغربية عموما التي تعتبر الديمقراطية، لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة، المصدر الوحيد الشرعي للسلطة، ولكنها ظلت تتنازل عن مقولاتها الآيديولوجية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ويجري الحديث بدلا من ذلك عن «الاستقرار». ولكن ما هو أهم من الإحراج كان الخطر الذي تمثله حالة الجمود المطبق في المنطقة التي تحميها الوصاية الأميركية لأنها يمكن أن تفرز أوضاعا اجتماعية وتيارات سياسية معادية وخارجة عن السيطرة، فضلا عن التكلفة الكبيرة للحفاظ على الوضع القائم، سواء أكانت تكلفة مادية أم عسكرية أم أخلاقية. وقد أحدثت 11 سبتمبر (أيلول) تغييرا في هذا التفكير عندما جرى ربط ظهور جماعات إرهابية مثل «القاعدة» بغياب الأفق في المنطقة، وبوصفه حدثا يجسد مستوى الكراهية التي تستشعرها شعوب المنطقة تجاه الولايات المتحدة لدورها كحامية وضامنة للأوضاع القائمة.

 

من هنا تبنى المحافظون الجدد وإدارة بوش تفكيرا جديدا تجاه المنطقة، فبمواجهة معضلة الخيار بين الحفاظ على الأنظمة القائمة أو التخلي عنها اختارت تلك الإدارة مبدأ يقوم على أن تتولى الولايات المتحدة إطلاق عملية التغيير عبر إسقاط نظام صدام في العراق والحديث عن دمقرطة المنطقة. لكن السنوات التالية أظهرت أن الدمقرطة عن طريق الاحتلال هي ذات تكلفة تفوق الحفاظ على الوضع القائم، كما أنها تنتج تناقضات بين منطق تمكين الشعب ومنطق صياغة نظام جديد منسجم مع المصلحة الأميركية، أضف إلى ذلك أن هذه الخطوة حصلت في بلد شديد التعقيد في تركيبته الإثنية والطائفية فتحولت الدمقرطة إلى عملية إعادة بناء للأمة وتعريف لماهيتها وهويتها. من هنا كانت هزيمة الجمهوريين وصعود الديمقراطيين مجددا للسلطة مدخلا للتراجع عن مبدأ بوش والتحرر من تكاليفه.

 

ويمكن القول إن إدارة أوباما ورثت ارتباكا استراتيجيا تجاه المنطقة وإنها لم تبلور مبدأً جديدا غير التعامل مع الوقائع كما هي، غير أن هذه الوقائع بدأت تتغير بفعل الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلدان المنطقة لتكون الثورتان التونسية والمصرية تعبيرا عنها، وهنا وجد الأميركيون أنفسهم بمواجهة وضع يتطلب بلورة سياسة جديدة والاختيار بين دعم النظام في معركة تبدو خاسرة أمام تحد جديد ومختلف، أو الاصطفاف إلى جانب قوى التغيير باعتبارها القوى الصاعدة التي ستتسلم السلطة عاجلا أم آجلا ومن الأفضل عدم دفعها إلى راديكالية أكبر، أو اتخاذ موقف المتفرج بانتظار أن يفرز الصراع نتائجه الطبيعية والتعامل معها فيما بعد. ويمكن القول إن الأميركيين لم يبلوروا بعد استراتيجية نهائية تشمل عموم المنطقة لكنهم تراجعوا عن موقف التحالف مع الأنظمة السياسية ذات الطابع السلطوي عندما تواجه تلك الأنظمة تحديا شعبيا جديا، كما أنهم بدلا من المقاومة قرروا الدفع باتجاه تغيير يمكن السيطرة عليه ولا يؤدي إلى نتائج غير متوافقة تماما مع مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة. إننا هنا بصدد إعادة تعريف العلاقة بين المنطقة والقوى الكبرى، ويبدو أن الاستناد على «الشرعية الخارجية» لم يعد كافيا للاستمرار، وأن استخدام مبرر أن المنطقة «عصية على الديمقراطية» لم يعد مبررا مقبولا، لا سيما في ظل الطابع المدني والعقلاني للتحرك الشعبي الذي دحر نظرية أن البديل الوحيد هم الأصوليون المتشددون.

 

"الشرق الأوسط"

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.