اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• شخبطة على الحائط .. القديس أوغسطين رائد المقاومة الأمازيغية في الجزائر

توما شماني

        شخبطة على الحائط ..

              القديس أوغسطين رائد المقاومة الأمازيغية في الجزائر

بعد الفتح الاسلامي انمحى الكيان الأمازيغي

من ليبيا حتى المغرب اذ حلت العربية وغدو عربا  

 (الامازيغ) او (البربر) كما اطلق عليهم العرب بعد الفتوحات، شعب شغل التاريخ قبل الاسلام، حيث كانت بلاد الامازيغين تمتد في الشمال الافريقي من المغرب ثم الجزائر حتى ليبيا، كما حدث في اسم (العراق) االذي حدث في عصور خوالي بعد العصر العباسي اذ اسم (وادي الرافدين) ابدل بـ (العراق) المشتق من (العرق) الارض الملح السبخة او كل ما اتصل بالبحر من مرعى فهو (عراق) و(العراق) يعني المطر الغزير. قيل انه حل في عصور الحكم الفارسي الناكرين لحضارات (وادي الرافدين) العريقة. في مصر العريقة في حضارتها الفرعونية الرائعة ابدل اسمها في الفتح الاسلامي من (ايكبتس) الى (مصر من الامصار). (الامازيغ) كان لهم رصيد هائل من الحضارة المكتوبة  باللغة الامازيغية التي اندثرت بعد الاسلام. كان من ابرز الامازيغيين في اذهان المغاربة الآن شخصية القديس الجزائري (أوغسطينيوس) أو (أوغسطين) الذي يعد أكبر مثقف أمازيغي عبقري في التاريخ القديم إلى جانب الملك المغربي (يوبا الثاني)، القديس (أوغسطينيوس) المؤسس الفعلي لفن السيرة الذهنية اوالأوتوبيوغرافية اي (السيرة الذاتية)، يعتبر كذلك من رواد الفكر اللاهوتي المسيحي، صاحب نظريات فلسفية ودينية مازالت تدرس إلى يومنا هذا في علم اللاهوت المسيحي. كما يعد واحدا من بين ثلاثة وثلاثين قديسا في الكنيسة المسيحية الكاثوليكية. لايزال المسيحيون الكاثوليك في 28 اوغسطس يقيمون الذكرى له بعيد موته تكريما له كان من المنظرين اللاهوتيين الذين لهم أهمية في تطوير الفكر المسيحي بعد (القديس پولص) في محاولته تطوير الفكر الديني الكاثوليكي اي انه الثاني بعد الرسول (پولص) احد تلامذة المسيح الاثني عشر. ولد القديس والكاتب الأمازيغي الكبير (أوريليوس أغسطينوس) أو (أغسطين) أو (القديس غستان  Augustinus (Saint  عام 354، أمه (مونيكا) بربرية مسيحية وأبوه (پاتريسيوس) كان وثنيا رومانيا في تاگيسته (سوق الهرج) بالجزائر دافع أوغسطين كثيرا عن هويته الأمازيغية وكنعانيته السامية في رسالة له إلى أهل روما، كان يقول (إذا سألتم سكان البوادي عندنا في نوميديا، قالوا نحن كنعانيون)، يعني هذا أن لغة (أوغسطينيوس) هي النوميدية المتأثرة باللغة الفينيقية الكنعانية أو هي الأمازيغية النوبية ذات الجذور الكنعانية. بيد أن ثقافته كانت لاتينية لايعرف من الإغريقية إلا قليلا. تلقى (أوغسطينيوس) تعليمه في (تاگيسته) و (مودوروس) منذ السادسة عشرة من عمره، سافر إلى قرطاجة ليستكمل دراساته. بعد ذلك، انتقل إلى إيطاليا في مرحلة الغزو اللاتيني لشمال أفريقيا للتعلم والدراسة في روما وميلانو. قبل سفره كان متأثرا بالأفلاطونية الحديثة. مارس (أوغسطينيوس) مهنة التعليم، كان يلقي دروسا في البلاغة في مدينة قرطاجة ومدن إيطالية، في عام 388 انتقل الى مدينة عنابة حيث أقام فيها ديرا الانتقال الى الرهبنة فتقلد مناصبا دينية ثم عين أسقفا في عنابة عام 395، صار بعد ذلك أبا للكنيسة اللاتينية. اتخذ الكثلكة  المسيحية متأثرا بأمه (القديسة مونيكا)، كذلك بأسقف ميلانو القديس (أومبرواز Ambroise) في عام 386. دافع (أوغسطين) بقوة عن المسيحية الكاثوليكية الرسمية التابعة للكنيسة الرومانية، تصدى لـ (الحركة الدوناتية) الثورية الشعبية. كان خطيبا وكاتبا من طراز عال، لم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط.

كان المعروف عن اوغيسطينيوس في بداية حياته ماجنا متهتكا. إلا أنه تاب بعد ذلك وأصبح متدينا وزاهدا متقشفا. وبالتالي غدى (القديس أوغسطينيوس)  ثاقب الفكر واسع المعرفة غزير العلم، ارتوى من مبادئ الديانة المسيحية، فأصبح من أكبر القسس ورجالات الكاثوليكية. كرس حياته في مقاومة الزنادقة ومكافحة المذاهب الأخرى المناقضة للمسيحية؛ وكان سعى لمناهضة (المذهب الدوناتي donatisme) المذهب الذي كان يرمي الكاثوليكية بتسرب الضعف في عقيدتهم الدينية كما حارب (المذهب المانكي Manichéisme) والمذهب الآري الذي انتحله القائد (جنسريق)، ملك (الفاندال) ورغم ان ثقافة (أوغسطينيوس)، فإنه كان يقدم قداسه ومواعظه باللغة المحلية أو اللغة الفينيقية؛ لأن الأمازيغيين في شمال أفريقيا كانوا يجهلون اللغة اللاتينية لكونها لغة المثقفين الذين درسوا بروما وأصبحوا من مؤيدي الحكومة الرومانية، والهدف من نشرها في الأوساط الأمازيغية هو العمل على نشر الرومنة والترومن. وفي هذا يقول الأستاذ الحسن السايح: (ورغم هذا التأثير الروماني فقد ظل الشعب المغربي يتكلم الفينيقية ويحدثنا القديس (أوغسطونيوس) وهو أحد رجال الدين المغاربة، أنه كان يستحيل عليه أن يلقي قداسه باللغة اللاتينية لأن معظم الناس الذين يستمعون إليه لايعرفون حرفا واحدا من اللاتينية، وإنما كانوا يعرفون اللغة الفينيقية،

كان (أوغسطينيوس) مثقفا فيلسوفا لاهوتيا موسوعيا لم يستطع أحد أن يصل مستواه هذا العالم إفي عصره حيث امتلك ثقافة لاتينية عميقة واسعة المدارك متنوعة المستويات والمفاصل، عد في المجال الديني ضمن آباء الكنيسة. لا يمكن أن نضع إلى جانب (أوغسطينيوس) الجزائري إلا شخص واحد يقترب منه فكريا المثقف المغربي الكبير (يوبا الثاني) الذي نهل من معارف عدة، تمكن من لغات مختلفة، تبحر في الكثير من المعارف العلمية والأدبية والفنية والسياسية والإدارية. ومن جهة أخرى، ترك (أوغسطينيوس) نظرية فلسفية دينية متكاملة مازالت تدرس تناقش إلى يومنا هذا في الملتقيات اللاهوتية والفكرية، ينسب اليه مذهب (الأوغسطينية Augustinienne). مرتكزات نظرية (أوغسطينيوس) تدور في الإيمان الروحي، والمحبة والعقل والحكم العادل والقدر الإلهي والإرادة والخير والتذكر بدل الجهل والنسيان والحرب العادلة والخطيئة الأصلية والطبيعة والتعويض والحلولية والملكية الخاصة. أهم مؤلفات (القديس أوغسطينيوس) سيرته الذاتية (اعترافاتي  Mes confessions ) التي أصبحت بمثابة البداية الحقيقية للكتابة الأوتوبيوغرافية في الفكر الإنساني. (القديس أوغسطينيوس) المؤلف الأول في كتابة السيرة الذاتية الروحية الدينية تاريخيا، اذ يقدم في السيرة الذاتية اعترافاته في منتهى الصدق والصراحة، يفصل حياته الغريبة موضحا انسياقه وراء الأهواء والشهوات، خاصة في قرطاجة حيث ولع بالمسرح والحب والجنس، (القديس أوغسطينيوس) يبين كيف تعرف على الله وكيف انتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي. كما يكشف لنا عن تصوره وموقفه من الصراع العقائدي والاجتماعي والتاريخي الذي كان يعيش فيه (القديس أوغسطينيوس) إبان مرحلة الصراع الأمازيغي - الروماني. 

في كتاب (اعترافاتي) يدعو إلى سلام الروح ومحبة الإله والارتماء في أحضان الرب من أجل الاستراحة النورانية. تعني الاعترافات في المفهوم المسيحي (الاعتراف) اي البوح للراهب بالذنوب التي ارتكبها الرجل او المرأة مع مايقال ايضا (فعل الندامة) اي الندم على ما ارتكب للحصول على العفو الالهى كانت هذه الممارسة جارية حتى عهد غير بعيد ازالت اذ ليس على الفرد غير اخذ (الخبز المقدس) مع مراجعة النفس بعدم ارتكاب ممارسات منافية للاخلاق. اعترف (أوغسطينيوس) بكل جرأة بأخطائه ومجونه من أجل الظفر بالتوبة والغفران الرباني. شاهد الغرب الكثير من الكتاب والمفكرين تتبع خطي (القديس أوغسطينيوس)  في سيرهم الذاتية منهم (جان جاك روسو) في كتابه (اعترافات روسو)، على الرغم من أن (أوغسطين) مفكر عبقري أمازيغي لايمت بصلة كبيرة إلى الهوية الأورپية من حيث اللغة والهوية والشعور والوجدان. مهما حاول الرومان رومنة المثقفين الأمازيغيين وتجنيسهم، فقد ظل هؤلاء متشبثين بهويتهم الأصلية والدفاع عن وطنهم كما فعل (أوغسطينيوس)  عندما مات شهيدا من أجل حرية مدينته عنابة. في ريادة سيرة (أوغسطينيوس) وتأثيرها على الأدب الإنساني والعالمي قول الدكتور (إحسان عباس) في كتابه (فن السيرة) قوله في اعترافات (القديس أوغسطينيوس) يقول (فإنها فتحت أمام الكتاب مجالا جديدا من الصراحة الاعترافية، شجعت الميل إلى تعرية النفس، في حالات كثيرة تلتبس بالآثام، أو يثقل فيها عناء الضمير). الواقع ان كتاب (اعترافاتي) كتب بروح شاعرية روحانية وجدانية يسكب فيها دموع المعاصي والذنوب ليعوضها براحة التوبة والغفران مقابلا بين الحياة والموت والدنيا والآخرة.

ألف (القديس أوغسطينيوس) أكثر من مائتي كتاب باللاتينية، تصنف كتبه وردوده ضمن إطار الثورات الدينية والأدبية التي كانت تشتعل في نوميديا بالخصوص بين الدوناتية والكنيسة الأفريقية المسيحية. كان المناضل الأمازيغي (دوناتوس) الذي يقود الحركة الدوناتية ، هذه الحركة ذات طابع ديني شعبي ثوري راديكالي تتشكل من الفقراء والمعدمين والبؤساء والثوار المحليين والعبيد الضعفاء، تدافع عن هوية واستقلال (دولة تامازغا)، تحارب الرومان وتطالب السكان المحليين بطردهم بالقوة من شمال أفريقيا .أما الكنيسة الكاثوليكية الأمازيغية التي يتزعمها (القديس أوغسطينيوس) استهدفت نشر العقيدة المسيحية كما هو متعارف عليها في الكنيسة المركزية الرومانية، بيد أن هذه الكنيسة كانت في خدمة (الإمبراطور الروماني قسطنطين)، تهادن الحكومة الرومانية في حالات السلم والحرب، تعطي المشروعية الدينية للمعمرين الأجانب والمرابين وأصحاب النفوذ، تبرر استغلال الإقطاع الروماني لسكان (نوميديا) بصفة خاصة وشمال أفريقيا بصفة عامة. عليه، لابد من وضع مؤلفات (القديس أوغسطينيوس) ضمن هذا السياق التاريخي الذي ينحصر في الصراع الأمازيغي ضد الرومان والفندال، ضمن الصراع الديني والاجتماعي والعسكري الذ ي كانت تخوضه الكنيسة الكاثوليكية ضد المذهب الدوناتي وحركة الدوارين الاجتماعية. التي كانت لا تناصر في ذلك سوى القوات الرومانية مؤيدة كل القرارات التي تصدرها الحكومة اللاتينية لإبادة المعارضين الأمازيغيين. اكثر الكتب التي ألفها (القديس أوغسطينيوس) كانت باللغة اللاتينية، لكن قداسه الديني كان يقدمه باللغة الفينيقية أو اللغة المحلية التي كان يفهمها الشعب الأمازيغي؛ لأن اللاتينية كانت مقتصرة على كبار المثقفين والموظفين الإداريين التابعية لحكومة روما، وفي هذا يقول (القديس أوغسطينيوس) إن الدولة الرومانية التي تعرف كيف تحكم الشعوب؛ لم تفرض على المغلوبة منها سيطرتها فحسب، بل لغتها أيضا.  ومن أهم تجليات مقاومته الثقافية والتي شرفت الأمازيغيين إلى يومنا هذا، أنه المؤسس الحقيقي للأوتبيوغرافيا اي (السيرة الذاتية) ، مجددا الفكر المسيحي الكاثوليكي مبدع نظريات فلسفية ولاهوتية تركت تأثيرها في الكثير من المفكرين والفلاسفة وعلماء اللاهوت قديما وحديثا منهم (پول أوروز Paul Orose) و (پول ريكور Ricoeur) و (پاسكال Pascal)و (كالڤان Calvin) و (مارتن لوثر Luther) و (توماس الأكويني Thomas d Aquin) و (يوحنا أريندت Hannah Arindt) و (أدولف ڤون هارناك Adolf von Harnack) و (أنسيلم دو كانتوربيري Anselme De Cantorbéry). كانت لأفكار أوغسطين في الحقيقة تأثيرات كبيرة على المثقفين والمفكرين في العصور الوسطى وعلى الپروتستانتية الدينية والمذهب الكنسي الجانسيني. كما كان لها تأثير فعال على التيارات الحديثة والمعاصرة التي تدعو إلى الحرية والطبيعة الإنسانية.

اثر الفتح الاسلامي انمحت معالم المسيحية الامازيغية من كنائس واديرة وتماثيل كما انمحت اللغة الامازيغية واطلقوا على الامازيغين بـ (البربر) المشتقة من (البرابرة) اي (الهمجيين) كما فعلوا بالفرس الذين اسموهم بـ (العجم) فالذي لا ينطق (العربية) فهم من الحيوانات  العجماوات. في النتيجة ان دول البربر التي  تمتد من ليبيا الى المفرب غدت الآن (عربية اللسان) تشارك في منظمة الدول العربية 

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

عضو اتحاد الصحفيين العرب

مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة

تورونتو كندا

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.