اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• الهدر في طاقات شعبنا

تيري بطرس

         الهدر في طاقات شعبنا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

إذا كان الصراع هو أحد السمات الأساسية للتطور في كافة المجالات وبالأخص في المجالات الإنسانية، كالقضايا السياسية والاجتماعية وما يتعلق بها من التربية والقوانين، فإن الصراع الذي لا طائل منه يسمى بالصراع الهدام. الصراع  أو التناقض بين الطروحات والحوار بين المتناقضين، هو الوجه الآخر للصراع والتناقض الموجود بين الجيلين، وهو أيضا وجه آخر للصراع الموجود بين مصلحتين أو بين رؤيتين.

كل أمة أو شعب تتواجد فيه بؤر للصراع أو للتناقضات المختلفة، أي بعبارة أخرى أن الصراع أو التناقضات الموجودة في المجتمع هي من البديهيات الفلسفية، فلا تطور ولا تقدم إلا بوجد مثل هذا الصراع أو تصادم الآراء أو المصالح.

دخل شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) في المرحلة السابقة صراعات يمكن أن تقسم إلى قسمين من أنواع الصراعات وهما الصراع الذي يمكن أن يبنى عليه والصراع الهدام والذي يعمل من أجل هدر طاقات الأمة والشعب. فالصراع التسموي ومن وجهة نظر الوحدويين كان صراعا هداما، فرض عليهم من قبل المتشبثين بآراء تقسيمية أو آراء تحاول فرض واقع معين من غير أخذ إرادة الآخرين بنظر الاعتبار. أو فرض من قبل أطراف لا تؤمن بوحدة شعبنا وأمتنا، وهذا العدم إيمان يتناقض مع كل الحقائق التاريخية والاجتماعية، ولكنه لا يتناقض مع أمرين لا شك فيهما وهما المصلحة الآنية لمن لا يؤمن بوحدة شعبنا، ومع التخندق الطائفي ورؤية مصلحة الأمة من منظار معين أو تشخيص مصلحة الأمة بأشخاص محددين من لون طائفي معين.

ويمكن درج الصراع والاختلاف حول الحكم الذاتي من وجوه عديدة على أنه كان يجب أن يكون صراعا إيجابيا، لو بقي الاختلاف أو الرفض من نواحي قانونية أو تفسيرية أو قلة المعلومات، ولكن عندما تحول إلى الاختلاف إلى الرفض المطلق لمسألة الحكم الذاتي من قبل البعض، عندها تحول إلى صراع إرادات تستقوي بالآخرين من أجل إنجاح أو فشل المشروع، فرفض الحكم الذاتي كمبدأ أساسا هو جريمة ارتكبت بحق شعبنا لأنه رفض لتطور في المفاهيم الحقوقية لشعبنا أو رفض لتطوير حقوقنا وصلاحيات منظومة هذه الحقوق.

عندما نتجول في المدن الغربية، نلاقي محلات أو مواقع عمل أو مصانع عائلية وغيرها، ونجد غالبا أن الكثير منها قد تأسس قبل قرن أو قرنين والبعض ممن وجدتها صدفة كان قبل أكثر من ثلاثة قرون، هذا على مستوى الأمور المادية والاقتصادية. أما في الأمور الثقافية، فلن ااتي بمثال من شعبنا، بل بمثال من الشعب العربي الذي يقدر بأكثر من مائة وخمسون مليون فرد، مع الغنى الذي تتمتع به بعض الدول العربية، كمثال وجد أن ما ترجمه العرب طيلة ما عرفوا هذا الفن (أي منذ أن بداء به الملافنة السريان) ولحد الآن لا يعادل ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة، هذا في نطاق الترجمة فقط وليس في نطاق مجالات الإبداع الأخرى، فلو كان حال العرب هكذا؟ فما حالنا يا ترى؟ أنه السؤال الصعب، فنحن لا نزال نتصارع أن كانت (ܚ) تقرأ حاء أو خاء مع العلم أن الاثنتين صح أن كتبنا الكلمة كتابة صحيحة ف(ܚܡܪܐ) صحيحة أن قراءة خمارا أو حمارا، والأكثر مرارة من كل هذا أن 99% من شعبنا لا يزال أميا بلغته السورث.

ومن المثال الأول سنجد أننا قد لا نملك دارا عمرها مائة عام، وان وجدت فستجد أن أهلها قد تركوها مرات، بحيث إن مردود العمر والتوارث قد زال هنا أيضا. لا بل إن شقاء العمر أو جهد الإنسان في تراكم ثروته قد أزيل ومحا من الوجود في مناطقنا، لأن هذا الجهد تم سلبه وتدميره وجعل الإنسان يعود القهقرى مرارا وأن يبدأ من الصفر تكرارا.  وللتذكير فقط فسنأتي بأمثلة من إخوتنا عرب العراق، فما تناقله التاريخ لنا يرينا أن ما يعرف بالعراق الحالي تعرض للاحتلال أو الأصح للاستيلاء عليه من قبل الترك، (سلاجقة، الخروف الأبيض، الخروف الأسود، والعثمانيين) والفرس مرات عديدة، وأنه حينما كان الفرس يحتلون العراق كانوا يدمرون مساجد السنة وبعكسه حينما كان الترك هم من يستولون على العراق كانوا يدمرون حسينيات الشيعة، هذا في مجال المعابد الإسلامية فقط، فكيف الأمر مع الممتلكات الأخرى؟وكيف الأمر مع ممتلكات أصحاب الأديان الأخرى؟

لقد كان شعبنا عرضة لهدر طاقاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبالتالي هدر مجمل قوته، من قبل الآخرين ومن قبل أبنائه أيضا. ولو فسرنا هدر طاقات وإمكانيات أبناء شعبنا من قبل الآخرين بأنه عمل عدائي، فما تفسيرنا للهدر الذي قمنا به ومنذ أجيال لطاقات شعبنا وبأنفسنا؟ فمنا من استحلى التعريب، وغيرنا حاول وبالقسر وضع جدران وأسيجة بين أبناء الأمة تحت حجج المسميات والمذاهب، وغيرنا أدخلنا صراع لحظة الصفر، أي وضع شعبنا تحت نير المخاوف الدائمة ما لم يؤخذ كل ما يقوله بالحسبان، وهو وضع خطير يعادل الدكتاتورية وإن كان بغير سلطات الأمن والجيش، أنه وضع يجير قدرات الأمة ومستقبلها لأجل قرارا فرد أو مجموعة أو تنظيم لها قدرة الوصول إلى مراكز القرار والعمل ولو بغير رغبة الشعب، ولعل مثال الحكم الذاتي كان  خير مثال للتعامل الغير السليم مع تطلعات شعبنا، وألذ يكاد أن يذهب أدراج الرياح جراء الصراعات الحزبية.

إن قولنا بعدم هدر طاقات شعبنا في صراعات ثانوية لا تجدي،وخصوصا أن هذه الصراعات أو أغلبها معروف النتائج مسبقا ولو بالاطلاع على تجارب جيراننا.ولكن هذا القول لا يعني عدم وجود النقد والتقويم وطرح البدائل، فهذه كلها من مستلزمات الرأي والرأي الآخر، ولكن يعني التفهم للآراء والمصالح المختلفة وعقلنتها وإدخالها في آليات محددة، يمكن أن تقي الأمة من صراعات هدامة يكون فيها الكل خاسرين، فحتى الرابح الاني سيكون خاسرا على المدى البعيد. ولذا فنحن عندما نؤيد التحالف مع القوى الكوردستانية كمثال ونقر بأنه الأقرب إلينا، فإن الأمر، بالمقابل لم يعني ولا يعني أبدا أن

 

نكون صوتا مضمونا يقر بكل ما يقروه دون فحص وتمحيص، فمهما تلاقت مصالحنا، جراء المشاركة في الأرض، والظلم التاريخي المشترك، وحتى جراء الصراع التاريخي المتبادل، إلا أن هذه المصالح يمكن أن تختلف في أمور أو جزيئات محددة وعلينا أن نعمل من أجل مصالحنا أولا، لأن هذه المصالح وتحقيقها سيضمنان بناء وطن مشترك ذو روحية تعددية ونظام ديمقراطي. ولذا فإنه من المدرك في كل القوى السياسية الناضجة أن يقوم كل طرف بالعمل من أجل ضمان مستقبله وضمان مستقبل من يدعي تمثيلهم، وعليه فإننا نرى كمثال أن رد المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري على دعوة الأستاذ مسعود البارازاني حول انضمام ممثلينا في البرلمان الى كتلة التحالف الكوردستاني من خلال بعض ممثليه كان ردا مستعجلا وينمي على عدم وجود الخبرة  السياسية الكافية، في حين أن رد السيد كنا، كان أكثر حصافة ورؤية لتحقيق مصالح معينة، رغم انه يعتبر انقلاب 180 درجة عن ما قيل في فترة الانتخابات. هذا طبعا لا يلغي انتقاداتنا للسيد كنا في أمور أخرى.

أعتقد أن ما قلته في ما سبق، بات معروفا بشكل أو بآخر لكل أبناء شعبنا، ولكن المسألة لم تكن في كونه كذلك أم لا. بل المسألة هي في تفعيل المعرفة وتحويلها إلى فعل إيجابي يساهم في وقف هدر طاقات شعبنا، وعدم المراهنة على الانتصارات التي تؤدي إلى إزالة الغريم والذي هو في الغالب من أبناء شعبنا من الساحة، وتفعيل قوى التلاقي وصنع القرار القومي الموحد، هذا القرار الذي يمكن أن يجد كل واحد أو واحدة من أبناء شعبنا نفسه فيه. سيبقى في شعبنا من هو مستعد للدخول إلى حلبة إثبات الذات على حساب الأمة ومستقبلها، ولأن أمتنا أو شعبنا لا يمتلكان شرعية قانونية أو شعبية تحمي الأمة من المغامرة والمغامرين، فإن الآخرين وأعني بهم شركاءنا في الوطن سيتعاملون مع كل من يدعي أنه يمثل جزء من الأمة، ولو من باب الحريات وحق الفرد في اتخاذ المواقف التي يراها تنسجم مع أفكاره، ولكن في حالة وجود شرعية شعبية أو قانونية يعتبر غالبية الشعب أنها تمثلهم، فإن مجالات مثل هؤلاء المغامرين تبقى محدودة جدا إن لم تكون غير عبارة عن مغامرة ساذجة. إن الشرعية الشعبية أو القانونية ستقي الأمة من تلاعبات كل من يدعي العلم أو معرفة الشيء، وستقي الأمة مغامرات كل من يريد أن يطبق ما يراه ويعتقده صحا مما يساهم في شرذمة الأمة وخلق نقاط تناقض تهدر جهد الأمة في ما لا طائل من وراءه.

اليوم ونحن في بداية القرن الحادي والعشرون الميلادي، ونحن في الثلث الثاني للقرن السابع والستون للسنة البابلية الآشورية فهل سنتمكن من خلق الآليات الضرورية لوقف هدر جهد الأمة، وتحويل الجهد كله لأجل البناء؟ أنه سؤال على كل منا الإجابة عليه.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.