اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

حكاية ونَص: الوحوش يغتالون الإبداع!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

حكاية ونَص:

الوحوش يغتالون الإبداع!

محمود حمد

 

في مثل هذا اليوم.. استشهاد الفنان الشاب – النحات - "كامل سعيد" الذي اغتالته قذائف الوحوش في الاعظمية "منطقة - سبع أبكار" ببغداد في 28 نوفمبر 2006.

الوحوش يغتالون الإبداع!

في مثل هذه الساعات قبل سبعة عشر عاماً زارني صديقي الكاتب (عقيل الكرخي) القادم "مهزوماً" من رصافة بغداد التي افترستها أنياب التوحش... كنت استمع إليه بذهول عن:

المدن المهجورة والناس المغيبين، والظلمة الحالكة، وانغلاق الأفق، ورائحة البارود تزكم الأنوف، والزمن الذي صار فراغاً مظلماً لا قرارة له، والناس فيه يتحركون بلا رَويَّة أو دروب معلومة...

عن المدن التي فُرضت عليها الثياب الكونكريتية المغلقة، والشوارع التي أمست مراعٍ لقطعان الدبابات والعربات المدرعة، والجدران المرقشة بالرصاص التي أصبحت لافتات لتأبين الأحياء... عن المَقْتُ يَمْلأُ الصدور، والطيش الذي بات لغةً للمفخخات عند عتبات البيوت، وَإِزْهَاقُ الأرواح عقارباً للدقائق، وثياب العرائس أكفاناً للفتيان في زَفَّةِ الأهل، و(الجَمال) تُهْمَةٌ... جريرتها قطع الرأس في وضح الصبح، والهلاك مآل الكلمات قبل نشوئها في العقول!

ومن فرط الخوفِ...

صار يعتصمُ الناسُ بالخوفِ خلف جدران الخوفِ كي لا يُفشي الخوفُ سِرَّ خوفهم!

وعيونهم إلى السماء شاخصة وألسنتهم معقودة، ووجيب قلوبهم يردد بصمت وَجِلٍ:

(رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ)!

 

يستطرد (الشوك):

في قاع هذا "العالم الفناء" هناك من يحلم بعودة الرحيق للزهور، والربيع للدهور، والحياة للسرور، والأعشاش للطيور!

فتيان... يَلَمْلِمونَ من الشمس خيوطَها، ومن الأرض عُشبَها، ومن الريح نسائمَها، ومن الأنهار موجَها، ومن المجامِر دِفئَها... لتكون أبجدية للولادة... تنقذ النفوس من الإنطفاء والعقول من التلوث، والأزمنة من الانحطاط، والمدن من الخراب... والعاشقين من الافتراق!

 

يبكي(الشوك)... ويحكي... عن (كامل) كواحد منهم... فيصرخ "عروة" بصوت مكتوم:

الوحوش يغتالون الإبداع!

(كامل) (1) طفلٌ لم يُكمل لُعبتهُ بَعدُ...

و(سعيدٌ) كان سعيداً...أن يولدَ (كامل) قُربَ ضفافِ النهرِ...

يَقطفُ طيناً حُرّاً من وجناتِ الكَرْخِ...

يُصبحُ زهواً لشواطئِ دجلة!

تَنمو حباتُ الطينِ الحُرِّ بأطرافِ أصابعَ (كامل)...

تَغدو مُدُناً يَقصدُها العشاقُ وزهرُ السوسنِ...

يَدخلُ (كامل) من جرحٍ نازفٍ في جسدِ "المَشْغَلِ"(2)...

يبحثُ عن مقذوفٍ قاتِل يَتجَوَلُ في إرجاءِ المنزلِ...

يُلقي كُلَّ سِنيِّ العُمرِ بجوفِ الغادِرِ...

كَيْ يُنقِذَ طِفليهِ!

تتناخى بِضعُ تماثيل كانت طَيَّ الكِتمانِ...

وأخرى...

تتصدى للمقذوفِ القاتِلِ كي لا يُجرحَ (كامل)!

يَتَخَبَطُ رأسُ المَقذوفِ اللاّبِسِ لِحيّة...

بفضاءاتِ الأملِ الغامِرِ لـ “المَشْغَلِ"...

ودفاترَ رسمٍ للأطفالِ المشغوفينَ بأحداقِ أبيهم!

****     

يَتَعقبُ شيطانُ الموتِ السافرِ أقدامَ الفنانِ العريانةِ...

أنّى تَهربُ في أرجاءِ الكَوْنِ المُحتَلِّ؟!

يَبحثُ عن سَيلٍ عارمٍ في أفقِ الفنانِ الزاهدِ...

سيلٌ...

يَكسحُ أدرانَ الوطنِ المُنتَهَكِ الحُجُراتِ...

يَتفاقمُ في رأسِ الفنانِ الحالمِ...

يسقطُ – مشروعاً للموتِ العاجلِ - في فخِ الأدمغةِ الفَحميةِ!

يَنهشهُ المقذوفُ القاتلُ...

يقرأُ سيرتَهُ في رحمِ الأعمالِ المرصودةِ للزمنِ المُقبِلِ...

يَتَذكرُ ما أوصاهُ الناقم" إرا"(3) قبلَ صَلاةِ الفَجرِ:

أن يتسلل..

يَتَوغَلَ تحتَ أديمِ المَجدِ ويَقتلَ (كامل)...

ليُحَرِّرَ عَدَماً يَكمُنُ فيهِ...

وآخرَ يَتَشظى حَوله...

صرخت شرفاتُ "الأبكارِ السَبعةِ"(4) تَنْعى الطينَ الحُرَّ...

واللحمَ المتناثِرَ...غَضَباً...

طوفانُ استفهامٍ لا محدودٍ...

في وجهِ العابدِ والمعبودِ!

يَسقطُ طيرٌ مذبوحٌ من موقِ الغَيمِ إلى "إزميلٍ" يافعٍ ...

بجوارِ الطفلينِ المأسورينِ ببركةِ مَوتٍ ساخنٍ...

كانِتْ قَبلَ رفيفِ العينِ...

نداءَ أبيهم!

 

(1)  الشهيد الفنان الشاب – النحات- "كامل سعيد" الذي اغتالته قذائف الوحوش في الاعظمية "منطقة- سبع أبكار" ببغداد في 28 نوفمبر 2006.

(2)  المشغل: مكان عمل النحات.

(3)  الإله إرا: إله الحرب والوباء عند السومريين.

(4)  سبعة ابكار: المنطقة التي يقع فيها مسكن النحات المغدور.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.