اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

(يوسف الصايغ) ... يقطع "الرشيد" إلى الأزقة الخلفية!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

في مثل هذا اليوم 12/ ديسمبر/2005

توفي الشاعر والصحفي والروائي والكاتب المسرحي والرسام (يوسف الصايغ)

(يوسف الصايغ) ... يقطع "الرشيد" إلى الأزقة الخلفية!

محمود حمد

 

قبل اندلاع حرب الثمان سنوات عام ثمانين وتسعمئة وألف بعدة أشهر؛ تبعثر الأصدقاء بين السجون والمقابر والمنافي والبيوت السرية، إثر حملة المطاردات والاعتقالات والاختطافات والاعدامات التي قامت بها السلطة ضد مخالفيها بالرأي... كنت اسلك الأزقة الخلفية للمدن المرتابة، مثل كثيرين غيري؛ خشية عيون (الرفاق الحلفاء!) جواسيس (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية)!

 

ذات ظهيرة لاهبة في منطقة (المربعة) لمحت صديقي الشاعر (أبو مريم) يقطع شارع الرشيد متهالكاً، ومتفرداً، لينغمر في زحام الباعة والمتسوقين في الأزقة الخلفية لمنطقة (السنك)، ودونما موعد مسبق وجدت نفسي وجها لوجه مع (مالك بن الريب!) ...حيث كنت اكني (أبو مريم) ممازحاً باعتزاز!

 

بعد عناق، وبرهة صمت، تنحيّنا جانبا، وتبدد الشك الذي كان يلازم المتقابلين من الأصدقاء – عادة - خلال تلك الآونة المشحونة بالخوف، والاستدراج، والتَصَيُّد، والفخاخ الأمنية، والترقب، وتفشي الشك وانعدام الثقة برفاق الأمس الذين انقطعت أخبارهم حتى ولو لساعات!؟

 

فكيف بذلك الانقطاع الذي امتد لما يقرب من سنتين؟!

رغم ذلك تبادلنا الارتياح للقاء الصدفة؛ لأن كلينا كان يعتقد بمقتل الآخر أو غيابه في زنزانات السجون!

لكن مسحة الارتياح تلك ما لبثت أن تبددت عن محيّا (أبي مريم) ...

فهو كما عرفته يرعد عندما يحتدم في صدره الغيظ ويخنقه تعسف الآخرين بحقه؛ راح يدمدم، ويبتلع الليّن من الحروف!

 

أمسك بمعصمي مُرتعشا ومُستفهما باستغراب:

هل يمكن للشاعر أن يتنفس دون فضاء الشعر؟!

وهل للكاتب حرفة غير تداول غضب الحروف مع نفسه ومع الآخر؟!

وهل بمقدور المرء المبتلى بشغف الشعر أن يهجره... وينتظر الموت في مخبئ مجهول؟!

واستدرك (أبو مريم):

إنهم يتعقبونني في كل مكان...

(برزان) يتعقبني... حتى خلف جدران مخبئي؟!*

إلتَفَتَ يمينا وشمالا متفحصا بخيبة وجوه المارة من حولنا...

وغادرني مُحبطاً محزوناً... دونما وداع!

كان ذلك منتصف عام 1980...

في عام 1986 كتب (أبو مريم) نصاً يُمجد فيه (الصنم!) الذي أشاع اليباب في روحه والارتياب في أزمنة حياته!

ولمعرفتي به...

استحضرت من ذاكرتي (منهج التمييز بين الموقف الابداعي والموقف الاجتماعي للإنسان المبدع)!

صرت ابحث له عن "عذر" ابرر فيه له موقفه المنكسر كـ (إنسان مرهف من لحم ودم!) ...

 

كشاعر وفنان، ساهم بشعره وقلمه وفكره خلال حياته، الشائكة والمريرة، في خلق مُنتَجاً ثَراً للكلمة الحرة، وحُصنا بهياً للثقافة الانسانية!

 

لكنه عجز كـ(انسان) عن تحمل اساليب الاستجواب العقائدية السادية التي تخنق أنفاسه، وتُعَلِّق الكلمة الحرة على حبل المشنقة!

 

أو أن يواجه أدوات التعذيب والقتل الرهيبة التي تتوعده وتحاصره كل لحظة في أيام حياته وحياة اسرته!

ورغم ألمي لما آلت اليه حالة صديقي في تلك الاوقات التي أعقبت نشر ذلك "النص" المشؤوم الذي فَجَّرَ غرائز الكراهية ضده حتى من بين أقرب الناس اليه!

لكني كنت ومازلت اتساءل:

هل كان لـ(أبي مريم) أن يُجْرَف إلى المقابر الجماعية... كي يكون شاعرا نَعْتَزُّ به؟!

أو أن يهجر الشعر ويغدو أداةً للتناسل والاستهلاك فحسب... كي نَحترمُ وجوده؟!

أو أن ينكفئ (عشر سنوات مثلنا) مقبوراً في المخابئ السرية ليفلت من الموت... كي يقال إنه (لم يَخُنْ مبادئه)؟!

فيما تَفَرق الرفاق والأصدقاء من حوله... وبقي هو عارياً بوجه آلة الموت المكشرة في الشوارع والمؤسسات والبيوت وفي قحفة الرأس؟!

إنهار غيره الكثيرون بساعات وبعضهم بدقائق، ووقعوا أوراق (البراءة!) مما يعتقدون أو يعتنقون.

وافلح البعض منهم في عبور الحدود... بعد (البراءة!)، وستروا سوءاتهم بشيء من بريق بلاد الغربة... وتناسوا (فعلتهم!) بأنفسهم وبرفاقهم أمام المحققين؟!

وما تركته تلك (الفعلة!) الخسيسة من ملاحقات لرفاقهم وأصدقائهم ومقابر للمقربين منهم!

بينما قاوم (أبو مريم) ... وصمد... واستنزف جُلَّ طاقته في تحصين رؤيته وقناعاته، وحرمان مبغضيه من التشكيك بها... ولو إلى حين!

 

هكذا قرأت أيام صاحبي، لأني اعرف تداعيات تلك السنوات المفزعة التي عشتها شخصياً، ومثلي (أبو مريم)، وعشرات الآلاف غيرنا، قبل كتابته ذلك (النص البغيض)!

لكن قطعان الوحوش التي ضَيَّقَتْ الخناق حوله كانت أقوى مما تبقى له من طاقة تَحَمُّلٍ!

فانكسر دون أن يهوي على الأرض، لأن إرثه الثقافي باقٍ!

واليوم بعد الغزو ومنذ سقوط الصنم عام الفين وثلاثة...

 

اتابع مشهد (إعادة إنتاج حثالات المثقفين!) المُرَوِّجين لعبادة الأصنام...

 

عدد غير قليل منهم كان (ذباباً!) لـ(سلطة الدكتاتور) قبل انكسار (أبي مريم)، وكان يَطِنُّ متزلفاً لـ (أبي مريم) عندما صار (أبو مريم) مسؤولاً في سلطة الثقافة زمن (الدكتاتور)!

 

أولئك الذين توارثوا (ثقافة السلطة الدكتاتورية) بعد سقوطها... ومنهم من بالغ في هجاء (أبي مريم) حال سقوط (الدكتاتور) ليثبت نأيه عن ثقافة – الوعيد والتمجيد – التي كان هؤلاء فرسانها، ليَسْتُروا عوراتهم!

 

لكنهم وسط الفوضى المعرفية العارمة التي أشاعها المتحاصصون المتخلفون ورعاتهم الغزاة... لم يستبدل هؤلاء (مدعوا العفة!) سوى قشرة (الحزب القائد!) عن جلودهم وعقولهم... فأطلقوا لحاهم، وتلفعوا بجلباب الوعّاظ والمعممين أو قفطان (المحررين المارينز!) ... دون أن تتبدد في نفوسهم طقوس التذلل لـ(الأوحد... أي أوحدٍ!)، والتضرع للسماء أن تحرس (القائد!) أي (قائد!) يدفع لهم (الفيء!) او (يكرمهم امام عدسات المصورين!) ...سواء كان (قائداً) قائماً... أو (قائداً) في طور التكوين... أو حتى في ظهر الغيب!؟

 

يتكاثر – هذه الأيام - مثقفو الإذعان الخارجون من (خندق الحزب القائد!)، وينتشرون تحت منصات الأصنام الجديدة المتحجرة أو الشحمية... التاريخية منها أو الظرفية... الطائفية أو العرقية... المكشرة الأنياب أو المُدلِّسة النوايا... المُتَلَبِّدة على عقل العراق وروحه... اليوم!

 

انطوت بصمت حياة صديقنا الشاعر والروائي والمسرحي والفنان والصحفي (أبو مريم)، المكتنزة بالإبداع الشعري الفني والإعلامي والنضالي؛ المُكَبَّلة بالسجون العامة والخاصة؛ المتأجِجَة بالتمرد على الذات والمحيط؛ المتميّزة بالتفرد الصحفي المتجدد؛ المشحونة بالحوارات الجادة والشائكة؛ المُفعَمة بالإسهامات الثقافية الغنية؛ المأزومة بالملاحقات الشريرة؛ المُثقَلة بالحزن المتواتر؛ المُنْتَهَكة بالنكبات المتعاقبة؛ المتألقة بالمثابرة الدؤوبة!

 

وأطبق عليه من يعرفه مثلما فعلت السطات في الحكومات باب التهميش والإقصاء والإغفال على منتجه الابداعي... دواوينه الشعرية:

قصائد غير صالحة للنشر 1957 ـ اعترافات مالك بن الريب 1972 ـ سيدة التفاحات الأربع 1976 ـ اعترافات 1978 ـ المعلم 1985 ـ قصائد يوسف الصائغ (مجموعة كاملة) 1993.

ورواياته:

اللعبة1972 ـ المسافة 1974,

ومسرحياته:

الباب 1986 ـ العودة 1987 ـ ديزامونة 1989.

 

مؤلفاته:

الشعر الحر في العراق (رسالة ماجستير) ـ الاعتراف الأخير (سيرة ذاتية).

وهو العضو النشيط (الذي لا يخفى بغربال الإنكار) في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، ونقابة الصحفيين العراقيين.

ولم يتذكر منه (رفاق الأمس) وأصدقائه، من تاريخه الثقافي الإبداعي والإنساني النضالي المديد سوى (اللحظة الطارئة التي انكسر فيها)!

 

وبهذه المناسبة أود أن أقول:

عندما نشهر سيف (الإدانة) و (التخوين!) بوجه (المثقف المنكسر تحت مطرقة الاستبداد!)، لابد ان نضع (معايير) للإدانة عند تقييم (الموقف المنكسر!) ونطبقها على الجميع... ابتداءً من انفسنا... وان لا نستثني احداً من (المثقفين) الذين عجزوا عن الإفلات من قبضة دولة الخوف التي فرضت (التبعيث او الموت على جميع من بقي تحت سلطتها) والهرب خارج العراق أو داخله، ناهيك عن معايير (الخيانة الوطنية) و(العمالة للاجني) التي تزكم العقول الآن، وسُوِّقت بذريعة العداء للنظام السابق، ويتعايش معها مُرغماً جل العرقيين!

و (من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر)!

*(تلك اوقات مرعبة اعرفها ويعرفها غيري... سأكتب عنها في وقت آخر!)

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.