مقالات وآراء
زهير الجبوري: ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر// محمد علي محيي الدين
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 25 تشرين2/نوفمبر 2025 18:24
- كتب بواسطة: محمد علي محيي الدين
- الزيارات: 532
محمد علي محيي الدين
زهير الجبوري: ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
محمد علي محيي الدين
في مشهد نقدي متغير، قلّ فيه النقاد الذين يجمعون بين الحضور المستمر والعمق المعرفي، يبرز اسم زهير محمد حسن الجبوري بوصفه أحد أبرز الأصوات النقدية العراقية التي لم تكتفِ برصد الظاهرة الأدبية، بل خاضت في تحليلها وتأويلها بلغة واعية، ونبرة مثقفة، ورؤية تستند إلى وعي فلسفي وثقافي واسع.
وُلد زهير الجبوري في مدينة الحلة بتاريخ 6 شباط 1972، المدينة التي لطالما عُرفت بثقلها الثقافي وتراثها الحضاري، فشكلت بيئةً خصبة لبذور الوعي الأولى لديه. درس في مدارسها، ثم انقطع عن الدراسة بعد الإعدادية ليتفرغ للنشاط الثقافي، فعمل محررًا في صحيفة الجنائن، حيث بدأ فعليًا مشواره في النقد الأدبي والكتابة الثقافية، قبل أن يعود لاحقًا لإكمال دراسته الأكاديمية في جامعة النجف، ويتخرج فيها بشهادة البكالوريوس في اللغة العربية.
منذ نهاية التسعينيات، بدأ زهير الجبوري يلفت الأنظار بكتاباته النقدية التي نُشرت في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية. وهو ينتمي إلى فئة النقاد "المكثّرين"، لا من باب الكم فحسب، بل لأن اتساع اهتماماته مكنته من تناول الرواية، القصة، الشعر، والنقد الثقافي بمقاربات متعددة، تجمع بين الفلسفة والسوسيولوجيا والتحليل النصي.
شارك الجبوري في تحرير وكتابة صفحات ثقافية في العديد من الصحف البارزة مثل: الثورة، الجمهورية، العراق، القادسية، بابل، الصباح، الزمان، المدى، التآخي، الأديب، القدس العربي وغيرها، كما نشر في المجلات المهمة مثل: الأقلام، الأديب العراقي، فنارات، القصبة، كربلاء، المضايف، المحقق، متون. ولا يكاد يُذكر مهرجان ثقافي عراقي في العقدين الأخيرين إلا وكان للجبوري حضور فيه: من المربد والجواهري والمتنبي وكميت، إلى كلاوويش ودهوك ومصطفى جمال الدين وعالم الشعر وملتقيات الرواية وقصيدة النثر.
تشكل مؤلفاته مساهمات أصيلة في الحقل النقدي، وتكشف عن وعي نظري وقدرة تطبيقية دقيقة، منها:
-إيقونات مفتوحة (2006): قراءات في الشعر العراقي المعاصر، يقدم فيه تحليلات نقدية لقصائد وشعراء يمثلون تيارات وتجارب متنوعة.
-رؤيا العالم (2007): كتاب عن تجربة الشاعر باسم فرات، يتناول فيه الشاعر من زاوية سردية وفلسفية.
-المكانية في الفلسفة والفكر والنقد (2008): حوار طويل ومكثف مع الناقد ياسين النصير، يمزج فيه بين الحوار الثقافي والبحث في الإشكاليات الفكرية.
-جدل الكتابة والمغامرة (2021): عمل يتناول قصيدة النثر من زاوية تنظيرية وتطبيقية، راسمًا ملامح "موضة" أدبية تقاطعت فيها التجريبية مع الشعرية.
-متواليات نصية (2022): مقاربات تطبيقية في الأدب العراقي المعاصر، تظهر تبحره في الأشكال الأدبية الحديثة، من القصة القصيرة إلى الرواية والشعر.
يحظى زهير الجبوري بتقدير واسع في الوسط الثقافي العراقي، ويُنظر إليه بوصفه ناقدًا مواظبًا، متابعًا لحركة الأدب على امتداد الجغرافيا العراقية. يمتاز بأسلوب نقدي مكثف، يجمع بين التحليل الأسلوبي والرؤية الثقافية، وهو ما يجعل نصوصه النقدية محط اهتمام من قبل النقاد والكتاب الشباب على حد سواء.
ويُشيد كثير من النقاد بقدرته على تفكيك البنى النصية دون أن يفقد البوصلة الفكرية، ويُذكر له تفرّده في استخدام مفاهيم فلسفية وجمالية معاصرة في مقاربة نصوص عراقية محلية، دون الوقوع في فخ التغريب أو التنظير المنفصل عن الواقع.
وقد وصفه أحد زملائه في رابطة النقاد العراقيين بأنه: ناقد يمتلك أذنًا شعرية، وعينًا سردية، ولسانًا فلسفيًا... لا يجامل، ولا يهتف، بل يقرأ ويضيء ويترك للقارئ حرية التأمل".
زهير الجبوري ليس ناقدًا مكتبياً؛ بل هو فاعل ثقافي دائم الحضور، سواء من خلال الأمسيات، أو المؤتمرات، أو إدارة الندوات. وكان من المشاركين في مهرجان البيان الدولي الثقافي في الأهواز سنة 2017، كما حصل على جوائز مهمة تؤكد مكانته، منها:
-الجائزة الأولى في النقد الأدبي – مسابقة المفكر عزيز السيد جاسم (مؤسسة الزمان – 2009 و2010).
-جائزة الإبداع – مسابقة المفكر عالم سبيط (اتحاد أدباء وكتاب بابل – 2010).
زهير الجبوري من النقاد الذين لم يكرروا أنفسهم. تنوعت مشاريعه النقدية، وتوسعت أدواته التحليلية، وتعمقت رؤيته للظاهرة الثقافية العراقية التي مرت – ولا تزال – بتحولات سياسية واجتماعية عاصفة. وما زال الجبوري حاضرًا، يكتب، ويُحلّل، ويشارك في صياغة الوعي الأدبي العراقي، متسلحًا بثقافة عميقة، وتجربة ميدانية ثرية، وروحٍ ناقدة لا تهدأ.


