مقالات وآراء
تحريم الغناء والموسيقى والسكوت على سرقات القرن!// علاء اللامي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 28 تشرين2/نوفمبر 2025 11:35
- كتب بواسطة: علاء اللامي
- الزيارات: 66
علاء اللامي
تحريم الغناء والموسيقى والسكوت على سرقات القرن!
علاء اللامي*
هاج رجال الدين من السلفيين الشيعة وجمهورهم المتحزب وماجوا بسبب السماح بإقامة حفلة غنائية في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، ونجحوا في إلغاء حفلة أخرى في مدينة البصرة. وسارعت حكومة السوداني إلى التبرؤ من رعاية هذه الحفلات وكأنها ارتكبت إثما سيجعلها تخسر بعض الأصوات الانتخابية وقالت إنها لا ترعى حفلات غنائية ولكنها لم تمنعها لأنها طرحت كفعالية استثمارية.
وقبل أسابيع قليلة ضُبط أحد كبار المسؤولين "الإسلاميين" ومنصبة يعادل وزير الإعلام في الأنظمة السابقة، وهو يمارس الفاحشة مع إحدى الموظفات في مكتبه الحكومي وعرضت الفضيحة بالصوت والصورة وانتهت الضجة بهدوء بطلب المرتكِب إجازة لمدة عدة أشهر! وقبلها وبعدها يستمر مسلسل الفضائح الكبرى ومنها فضيحة سرقة القرن وبطلها المدعو نور زهير (والذي شوهد في مناسبات دينية وهو يبكي بخشوع جم) واشترك معه في سرقته الكبرى العشرات من المسؤولين الذين لم يتم الكشف عنهم مقابل طمطمة القضية وإطلاق سراح الرأس الكبير فيها! كل هذا لم يحرك شعرة تحت العمائم والكشائد الملتاثة والغاضبة من حفل موسيقي غنائي في عاصمة الغناء الريفي والشعر الشعبي الناصرية مركز محافظة ذي قار!
ولكن، أين المشكلة الحقيقية في موضوع تحريم الغناء والموسيقى والحفلات الغنائية العامة؟ هل هي في أن الغناء والموسيقى حلال إسلاميا وهناك من يخلط الأمور؟ لا، قطعا. فالقائلون بحرمة الغناء والموسيقى هم الأغلبية الكاسحة من الفقهاء وفي مقدمتهم المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة السيد علي السيستاني وتجدون رابطا يحيل إلى صفحته وفيها عشرات الفتاوى الناصَّة على تحريم الغناء والموسيقى بجميع أنواعها، أما الفقهاء ورجال الدين المعتدلون القائلون بجواز الغناء والموسيقى بشروط فهم أقلية دائما. والصورة نفسها لدى الفقه الإسلامي السني تقريبا. ولكن الغلبة كانت للمعتدلين في دول عريقة كمصر مثلا بفعل ما يمكن تسميته علمنة الحياة اليومية والأمر الواقع. حتى أصبح الداعون إلى تحريم الموسيقى والغناء في هذه الدولة موضع تندر وسخرية وكانوا سببا من أسباب تأييد الانقلاب على حكم الإخوان المسلمين وإطاحته بانقلاب عسكري لأنهم حاولوا التحرش بحياة الناس وخصوصياتهم والتضييق عليها.
هل المشكلة في أن الدولة العراقية هي دولة إسلامية تأخذ بالشريعة الإسلامية وتطبيقاتها أم دولة ديموقراطية علمانية لا تفرض على مواطنيها موديلا حياتيا محددا كسائر الدول الشمولية؟ في الواقع الدولة العراقية القائمة اليوم هي "شبه دولة" من نوع خاص جدا، فهي أقرب إلى كونفدرالية دويلات طائفية وأخرى قومية وعشائرية قائمة على أسس المحاصصة والتوافق والنهب العام والتجييش الطائفي والعشائري حيث لا توجد معادلة (حكم مقابل معارضة) بل الجميع يحكمون ويعارضون بعضهم للحفاظ على حصصهم ومناطق نفوذهم وفسادهم. أما الدستور فهو يقسم المجتمع إلى مكونات وهويات فرعية ويقوم على أساس جمع المتعاكسات والمتناقضات لإرضاء الجميع فالمادة الثانية (أ) منه تنص على:
أ ـ لا يجوز سنُّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
تليها مباشرة الفقرة باء من المادة نفسها لتنص على:
ب ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ومع أن صيغ هاتين الفقرتين غامضة وعامة ومطاطة المضمون فلا يوجد اتفاق دقيق بين المشرعين على ماهية "ثوابت أحكام الإسلام" ولا على "مبادئ الديموقراطية"، ولكن الطرفين الإسلامي والديموقراطي يمكن لهما أن يتصارعا طويلا حول أمور شتى بدءا من الموسيقى والغناء وليس انتهاء بحلية الاستيلاء على الأموال مجهولة المالك والتي يعتبر البعض أموال الدولة "ثروات الشعب" من ضمنها. وبما أن الطرف الديموقراطي أقرب إلى الشبح ولا وجود له في الميدان فيبقى شعب الملايين الأربعة وأربعين تحت رحمة المحرضين ورجال الدين السلفيين يعبثون به كما يشاؤون ويشاء فكرهم الظلامي الداعشي. وكأن هذا الدستور الخرافي غير موجود!
*عمليا، يخبرنا التاريخ الوقائعي، أن الدولة الديموقراطية العلمانية حتى في نسختها الأكثر تطرفاُ كالنسخة الفرنسية لا تمنع الناس من الإيمان بقناعات دينية من قبيل حرام وحلال، ويمكن للمواطن أيا كان دينه ان يؤمن بأن الموسيقى والغناء حرام فيمتنع عن سماعها أو الذهاب إلى حفلاتها. ولكن ليس من حقه التظاهر وممارسة العنف ضد نشاطات فنية كهذه ومحاولة منعها أو منع سواه من الاستمتاع بها بالقوة لأنه يكون قد انتقل من الحق في الإيمان بالقناعات الدينية إلى ممارسة الفاشية الداعشية والاعتداء على الغير وهذا ممنوع قانونيا وحينها تتدخل الدولة وتحمي الناس من شرور هذا النفر السلفي.
وبما أن "شبه الدولة" المتفسخة في العراق ليست في وارد الوقوف ضد المعتدين على حقوق وحياة الشعب وهي تحاول تملق رجال الدين والمراجع وتتوسل بهم لكي يمنحوها "بركاتهم" فتنشأ عندنا هذه الظاهرة المخيفة ويتحول المجتمع إلى سجن محكوم بالإرهاب الديني لا تجرؤ الملايين فيه حتى على الغناء والرقص! من الطريف أن إحدى فتاوى المرجع السيستاني -ورقمها 11- تقول "يحرم الغناء في الأعراس كما يحرم في غيرها ... وأما التصفيق فلا باس به".
*هل تعرفون من هو الأشد ظلامية ونفاقاً من الدينيين السلفيين المعادين للغناء والموسيقى؟ إنه مدعي الديموقراطية وزاعم المدنية الذي يسكت على جوهر النظام الطائفي ودستوره المكوناتي وحاميه الأميركي بل ويتملقه أو يهاجم طرفا منه ويسكت على أطراف أخرى منه وخصوصا الطرف الإقطاعي الكردي، ولكنه يستشيط غضباً لأن رجال الدين السلفيين الشيعة وجمهورهم هاجموا حفلا غنائيا أو حطموا دكانا لبيع العرق والبيرة هنا أو هناك!
*رابط يحيل إلى موقع المرجع السيستاني على الانترنيت وفيها نماذج من الاستفتاءات الدينية الموجهة إلى المرجع السيستاني وإجاباته عليها:
https://www.sistani.org/arabic/qa/0625
*كاتب عراقي


