اخر الاخبار:
العراق يسجل 21 هزة أرضية في غضون أسبوع واحد - الثلاثاء, 25 تشرين2/نوفمبر 2025 12:38
مقتل 4 إرهابيين إثر قصف جوي عراقي جنوبي كركوك - الإثنين, 24 تشرين2/نوفمبر 2025 18:56
انفجاران مجهولان يهزان مصفاة نفطية في أربيل - الإثنين, 24 تشرين2/نوفمبر 2025 18:55
البيان الختامي للسينودس الكلداني - الجمعة, 21 تشرين2/نوفمبر 2025 20:20
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

«تَبًّا للقرنفل»… كتابة على حافة القلب- قراءة نقدية موسّعة// رانية مرجية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

رانية مرجية

 

للذهاب الى صفحة الكاتبة 

«تَبًّا للقرنفل»… كتابة على حافة القلب- قراءة نقدية موسّعة

رانية مرجية

 

يأتي كتاب «تَبًّا للقرنفل» للكاتبة ميادة سليمان بوصفه نصاً يخرج من المسافة الأكثر هشاشة في التجربة الإنسانية: المسافة بين ما نشعر به وما نملك القدرة على قوله.

هذا العمل لا يقدم نصوصاً عاطفية، ولا يطرح مجرد خيبات مؤنّثة؛ إنه مشروع كتابة كاملة، يتخذ من الوجع مادةً ومن اللغة بيتاً ومن السؤال طريقاً.

 

منذ العتبة الأولى، نجد أنفسنا أمام كتابة تسائل نفسها قبل أن تسائل قارئها، كتابة تختبر حدود اللغة، وتحرّض النص ليكون أكثر من مجرد حروف:

أن يكون مسافة نجاة.

 

اللغة كجسدٍ آخر… والمعنى كسيرةٍ تحت الجلد

تتعامل ميادة سليمان مع اللغة كما يتعامل النحات مع الطين:

تعجنها، تضغطها، تشكلها، ثم تعيد هدمها لتعيد بناءها من جديد.

 

النصوص تُكتب بصوت داخلي حاد، يتكئ على:

• إيقاع متوتر

• صور حسيّة عميقة

• تشبيه يجعل من الجرح استعارة قابلة للمس

• بنية تعتمد على الانفعال الموزون لا الانفعال الخام

 

لا تتورط الكاتبة في الخطابية، بل تتجنّبها.

نحن أمام لغة مكثفة، ذات حرارة، وذات اقتصاد دقيق يسمح للمعنى أن يشتعل دون أن يُقال مباشرة.

 

الألم في الكتاب… ليس موضوعاً بل حواراً

لا يظهر الألم في «تَبًّا للقرنفل» بوصفه ثيمة وحسب، بل بوصفه طريقة وجود. فهو لا يُقدّم كصدمة نهائية، بل كسلسلة من الاهتزازات الداخلية التي تكشف الذات وتعيد تشكيلها.

 

تكتب ميادة الألم بطريقة تجعل منه:

• مرآةً لوعيها

• وسيلةً لقراءة العالم

• وطريقةً لفهم الحب والانكسار والذاكرة

إنه ألم ناضج، مكتوب من مكانٍ يفهم هشاشته ولا يتبرأ منها.

 

الأنوثة كقوة وليس كعاطفة

يحمل الكتاب صوتاً أنثوياً قوياً، ليس لأنه يكتب عن امرأة، بل لأن الكتابة نفسها تتبنّى منظوراً نسوياً واعياً، يرى الحب والخذلان من زاوية الذات لا من زاوية الآخر.

 

ميادة سليمان لا تقدّم المرأة كضحية، بل كصاحبة قرار، كمن تملك حق الحزن وحق الغضب وحق النجاة وحق إعادة تعريف ذاتها.

وهو ما يضع العمل في سياق الأدب النسوي المعاصر الذي يكتب النساء بوصفهن ذوات كاملة، لا بوصفهن ظلالاً في قصص الآخرين.

 

النصوص كرحلة داخل الذات

تبدو نصوص الكتاب كرحلة تبدأ من حافة الجرح وتنتهي عند حافة السؤال. هي رحلة لا تبحث عن أجوبة بقدر ما تبحث عن صوت، عن لغة قادرة على احتواء ما لا يمكن احتواؤه.

ويتجلّى هذا في:

• الانتقال السلس بين الصور

• القدرة على تحويل المواقف اليومية إلى لحظات وجودية

• التوتر الخلاق بين المعنى والمجاز

• ولادة نصّ جديد في كل مقطع، وكأن القارئ يعبر طبقة بعد طبقة من الوعي

هذه الرحلة ليست خطية، بل حلزونية، تتقدّم ثم تعود، وهذا جزء من جماليتها.

 

المعمار الكلي للكتاب

يحمل الكتاب تماسكاً واضحاً رغم طبيعته التجزيئية. فالنصوص، رغم استقلاليتها، تتحاور فيما بينها، كأنها قطع فسيفساء تشكل صورة واحدة لامرأة تحاول أن تقول كل ما خافت أن تقوله يومًا.

يستطيع القارئ أن يشعر بأن الكتاب:

• مكتوب في لحظة وجودية مشتعلة

• ويعكس وعياً لغوياً ناضجاً

• ويبحث عن «أنا» أكثر وضوحاً عبر تفكيك «أنا» منهكة

وهذه القدرة على الجمع بين الانفعال والوعي هي ما يمنح العمل قيمته الأدبية.

 

خلاصة القراءة

«تَبًّا للقرنفل» ليس كتاباً سهلاً، ولا يريد أن يكون كذلك. إنه كتاب ينتمي للأدب الذي يتطلب أن يتورط القارئ فيه: أن يقرأ بقلبه قبل عينيه.

ميادة سليمان تكتب من مكان عميق، صوتها خاص، وجراحها ليست شخصية بقدر ما هي إنسانية.

لقد قدمت عملاً يستحق أن يُقرأ ببطء، وأن يُعاد قراءته، لأنه من الكتب التي تبقى بعد أن تنتهي.

 

إنه عمل ينحت من الوجع جمالاً، ومن اللغة خلاصاً.

— رانية مرجية

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.