اخر الاخبار:
العراق يسجل 21 هزة أرضية في غضون أسبوع واحد - الثلاثاء, 25 تشرين2/نوفمبر 2025 12:38
مقتل 4 إرهابيين إثر قصف جوي عراقي جنوبي كركوك - الإثنين, 24 تشرين2/نوفمبر 2025 18:56
انفجاران مجهولان يهزان مصفاة نفطية في أربيل - الإثنين, 24 تشرين2/نوفمبر 2025 18:55
البيان الختامي للسينودس الكلداني - الجمعة, 21 تشرين2/نوفمبر 2025 20:20
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

تحليل قصيدة "تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء" لرانية مرجية// د. عادل جوده

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عادل جوده

 

 

تحليل قصيدة "تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء" لرانية مرجية

د. عادل جوده

العراق/ كركوك

 

تُعد قصيدة "تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء" للكاتبة رانية مرجية نصًا شعريًا عميقًا يتجاوز حدود المرض (الذي يتبين من سياق القصيدة أنه قد يكون مرض السكري، "قطرة سكرٍ تاهت في الدم") ليصبح رحلة فلسفية حول التصالح مع الألم، وإعادة تعريف القوة الداخلية. تستخدم الشاعرة لغة مكثفة وصورًا بارعة لتشخيص العلاقة بين الذات و"الآخر" غير المرئي، الذي هو المرض/العبء.

 

المحاور الرئيسية والتصوير الفني

١- التشخيص واستعارة "الكائن الذي لا اسم له"

تبدأ القصيدة بتشخيص المرض كـ "يا ذلك الكائن الذي لا اسم له"، محوّلة إياه من حالة بيولوجية إلى كيان وجودي. هذا الكائن:

* أصل كوني:

"درسٌ كونيّ أُرسل إليّ من جهةٍ عليا." يرفع هذا التشبيه التجربة من مصاب فردي إلى حكمة ممنهجة، وكأن الداء هو مرسال للحقيقة.

* سارق حميم:

"تسير بخفّة لصٍّ... وتقيم في دمي." هذا التناقض بين خفة الحركة والرسوخ (القلب والدم) يصور كيف أن المرض يتسلل بهدوء ليصبح جزءًا أصيلًا من التركيبة الداخلية.

 

٢- تحول مفهوم الوطن والجّسد

الصورة الأعمق في القصيدة هي إعادة تعريف الوطن.

* الجسد المنهار:

كان الجسد "وطنًا مستقرًا"، لكن بدخول "الآخر" يتكسر هذا المفهوم.

* الوطن الحقيقي:

"ما ينهض داخلي حين ينهار شيءٌ مني." هذا نقل لموقع الانتماء من الفضاء الخارجي (الجسد) إلى الفضاء الروحي/الداخلي، وهو جوهر المقاومة والصمود.

 

٣- التفاوض بدلاً من الاستسلام

تصف الشاعرة علاقتها بالمرض بـ "التفاوض"، وهو فعل نشط وواعٍ، يختلف عن "الخضوع" السلبي.

* المعلم القاسي:

يتحول المرض من عدو إلى "معلمٍ قاسٍ يُجيد اختبار قدرتها على إعادة اختراع نفسها." هذه هي ذروة التصالح الإيجابي؛ قبول التحدي كأداة لتطوير الذات.

* التوازن على الخيط:

"علّمتني كيف أوازن روحي على خيطٍ أدقّ من وريد." هذه الصورة مجسّدة ودقيقة، تعكس دقة وحساسية الحياة في ظل المرض المزمن، حيث يصبح الاتزان الروحي ضرورة للبقاء، بل للارتقاء.

 

٤- الضوء والمقاومة الصامتة

يُختتم النص بصورة الضوء التي تمنح القصيدة عنوانها ومعناها. "الضوء" هنا هو الروح، الوعي، القوة الداخلية.

* النافذة الصغيرة:

المرض هو "نافذة صغيرة تشقّ جدار حياتي" تسمح بدخول الضوء، مما يدل على أن العائق قد يكون هو الوسيلة لرؤية ما كان محجوبًا.

* النهاية المنتصرة:

تعلن الشاعرة أن محاولة هذا الكائن لخفت الروح ستؤدي إلى عكس المطلوب: "الضوء الذي —كلما حاولت خفته— ازداد اتساعًا."

* الازدهار بالرغم من:

تختتم القصيدة بتحويل الوجع إلى طاقة للارتقاء: "لا أعيش رغمك، بل أزدهر بك، وأخرج منك، وأعلو فوقك، كأنّ وجعي جناحٌ تعلّم التحليق." إنه تحويل للألم إلى جناح للتحليق، وهي خاتمة مؤثرة وقوية تؤكد على سيادة الروح.

 

الخلاصة

القصيدة هي نموذج لـ "أدب المقاومة الوجودية". إنها ليست مجرد بوح بالمعاناة، بل بيان للقوة التي تُستمد من هذه المعاناة. هي قصيدة حول الوعي بالذات في مواجهة التحدي الأقصى، حيث لا يصبح البقاء "رغم" المرض هدفًا، بل "الازدهار به" هو الغاية.

تحياتي واحترامي

 

--**قصيدة:

“تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”

بقلم: رانية مرجية**

يا أنت…

يا ذلك الكائن الذي لا اسم له،

وُلد من خطأٍ صغير في كيمياء الجسد،

لكنّه تمدّد في حياتي

كأنه درسٌ كونيّ

أُرسل إليّ من جهةٍ عليا

لا تسكن الأرض ولا تتقيد بالسماء.

جئتني بلا صوت،

تسير بخفّة لصٍّ

يعرف الطرقات الخفيّة إلى قلبي،

وتقيم في دمي

كما تقيم فكرةٌ قديمة

رفضت أن تُنسى.

كنت أظنّ الجسدَ وطنًا مستقرًا،

حتى دخلت أنت،

فأدركتُ أن الوطن الحقيقي

ليس ما أعيش فيه،

بل ما ينهض داخلي

حين ينهار شيءٌ مني.

يا رفيقي الذي لا أختاره،

ولا يختار الرحيل،

تعلمتُ معك

أن أُنصت إلى نبضي

كما يُنصت مسافرٌ إلى ساعة القطار،

يعرف أن الوقت ليس عدوّه،

بل الفرصة الوحيدة

لألا يفوته معنى الرحلة.

سمِّه مرضًا…

سمِّه عبئًا…

سمِّه رفيقًا ثقيلاً…

سمِّه ما شئت،

لكنّي رأيته شيئًا آخر:

نافذة صغيرة

تشقّ جدار حياتي

لتذكّرني أن الضوء

لا يحتاج إلى بوابة واسعة

حتى يدخل.

يا من ظنّ أنه سيُروّضني،

ألم تتعلّم بعد

أن الروح التي نجت من العواصف،

ومن حروبٍ لم تُكتب في الكتب،

ومن خساراتٍ

عادت منها أكثر امتلاءً بالحياة،

لن تهزمها قطرةُ سكرٍ

تاهت في الدم؟

أنا المرأة التي

تفاوضك كل صباح،

تتصالح معك دون خضوع،

وتقاومك دون ضجيج،

وتكتبك في دفترها

لا كعدوّ،

بل كمعلمٍ قاسٍ

يُجيد اختبار قدرتها

على إعادة اختراع نفسها.

أنت الذي جئت لتُبطئ خطواتي،

علّمتني أن أمشي بثقة.

جئت لتربك نومي،

فأيقظتَ فيّ وعياً

يجعل كل ليلةٍ معركة نور.

جئت لتكسر اتزاني،

فعلّمتني كيف أوازن روحي

على خيطٍ أدقّ من وريد.

يا ظلي الذي لا يختفي،

أنا لا أكرهك،

ولا أحبك،

لكني أعرفك:

تعرف كيف تُخيف الجسد،

ولا تعرف كيف تُهزم الروح.

فخذ مكانك…

اجلس على حافة حياتي،

راقبني إن شئت،

لكن تذكّر:

أنا لستُ ميدانك.

أنا الرحلة التي لا تنتهي،

والقوّة التي لا تُرى،

والضوء الذي

—كلما حاولتَ خفتَه—

ازداد اتساعًا.

لأنني ببساطة…

لا أعيش رغمك،

بل أزدهر بك،

وأخرج منك،

وأعلو فوقك،

كأنّ وجعي جناحٌ

تعلم التحليق.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.