مقالات وآراء
الدولة ومدنيتها!// د. ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 16 تشرين1/أكتوير 2025 21:16
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 164
د. ادم عربي
الدولة ومدنيتها!
د. ادم عربي
الدولة تعريفاَ، في علم السياسة والاجتماع والقانون، وعلى ما اصطلحَ عليه؛ اجتماع هيئات الحكم والإقليم والشعب أو الأمة، أو الخليط المتنوع عرقياً ودينياً، وهذا التعريف يستصلحه الفكر الليبرالي.
ولقد شذَّ ماركس عن هذا المفهوم في تعريف الدولة وبرر ذلك إذ عرّف الدولة بمؤسساتها وأجهزتها على أنَّها نظام للسيادة الطبقية ثقافياً وسياسياً، وإنْ صُورت دستوريا أنَّها الأمينة على مصالح الشعب.
الدولة المدنية نستدلُ عليها من نقيضها الدولة الدينية أو الدولة البوليسية ، فالدولة المدنية والتي هي نتاج البذور الفكرية لفلاسفة عصر التنوير ، ولذلك هي في المقام الأول ضد دولة يحكمها رجال دين أو دولة ثيوقراطية ، أو الدولة البوليسية ، ومن ثم هي دولة القانون ودولة المواطنة والحقوق لجميع مواطنيها ، وهي دولة الدستور المدني الذي يكفل حماية هذه الحقوق وتطبيق القوانين الدستورية ، إنَّها دولة فصل السلطات القضائية والتنفيذية . إنَّها الدولة المكفولة دستورياً وقانونياً بها تزدهر الديموقراطية بمبادئها وقيمها ، فلا يقع الحكم في قبضة العسكر أو رجال الدين ، إنَّها دولة المواطنة والمواطن ، فكل مواطنيها متساويين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس وعن الانتماء الطبقي .
الدولة المدنية وعلى عكس الفهم السائد عنها ، فهي لا تُعادي الدين ، لكنَّها في الوقت ذاته ؛ تقف ضد تسييس الدين ، فبين الدين والسياسة برزخ فلا يبغيان ، ومن ثم فهي أداة لتخليص الحكم من قبضة رجال الدين ولتخليص الدين نفسه من قبضة السياسيين فلا تسييس للدين ولا تدين للسياسة.
الدولة المدنية تنظر إلى ديموقراطية صناديق الاقتراع المجردة ؛ بأنَّها طريق للفاشية وتحكُّم واستبداد الغالبية ؛ لذلك هي دولة الدستور المدني ودولة فصل السلطات ؛ وفي هذه الدولة تنمو وتزدهر الحياة الحزبية ومن ثم تسود الثقافة المدنية .
الدولة المدنية لا تنظر إلى "الديمقراطية" بوصفها مجرّد صناديق اقتراع، لأنّ هذه الصناديق إذا تُركت وحدها بلا ضوابط ولا مؤسسات ضامنة، قد تتحوّل إلى أداة لشرعنة الاستبداد. فالغالبية العددية يمكنها ـ باسم التصويت الحر ـ أن تفرض إرادتها المطلقة على الجميع، وأن تحوِّل الدولة إلى أداة للقمع والإقصاء، أي إلى صورة من صور الفاشية التي تتزيّن بواجهة ديمقراطية زائفة. لذلك، فجوهر الدولة المدنية ليس مجرد انتخاب حكّام كل بضع سنوات، بل بناء منظومة دستورية راسخة، يكون الدستور فيها مرجعا أعلى يحدد الحقوق والواجبات ويضع الحدود أمام أي سلطة، مهما كانت منتخبة.
ومن هنا ينبع مبدأ فصل السلطات؛ فبدون استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وبدون برلمان حر قادر على مراقبة الحكومة، يصبح صوت الناخبين بلا قيمة عملية. إن الدولة المدنية الحقيقية هي التي تخلق توازناً بين السلطات وتمنع أي جهة من احتكار القرار.
وفي ظل هذه البيئة المحكومة بالدستور والفصل بين السلطات، تزدهر الحياة الحزبية؛ فالأحزاب لا تتحوّل إلى مجرد تكتلات انتخابية طارئة، بل إلى مؤسسات سياسية تعبّر عن مصالح المجتمع المتعددة والمتنوعة، وتتنافس ضمن قواعد متفق عليها، لا ضمن شريعة الغاب السياسية. ومع ازدهار الأحزاب، تتعمّق الثقافة المدنية، أي ثقافة الاعتراف بالاختلاف، وقبول التعددية، واحترام القانون باعتباره المرجعية العليا.