مقالات وآراء
الاشوريون في التاريخ- الحلقة 14// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 18 تشرين1/أكتوير 2025 19:53
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 69
يعكوب ابونا
الاشوريون في التاريخ- الحلقة 14
يعكوب ابونا
اشور ناصر بال الثاني ( 884 – 859 ) قبل الميلاد
اشوريون بركة في الارض .......... النبي اشعيا 19 : 24
اكمالا للحلقة السابقة، عن مسيرة اشور ناصر بال الثاني، ذكرنا بان االملك اشورناصربال، في اثناء وجوده في المنطقة الشمالية، ورد خبربان مدينة آرامية تابعة لاشور اعلنت العصيان، وهي في وادي الخابور الاسفل، فسار مسرعا ايها اذ قطع مسافة مائتى ميل في عز الصيف ليصلها، لنقرأ ما يذكرها عنها:
يقول (إقتربت من مدينة "سورو" التابعة لمملكة بيت حالوبي "حلب" فأخذ اهلها الرعب من عظمة إلهي آشور وسارع رؤساء وشيوخ المدينة إلي لينفذوا بجلودهم وعانقوا القدم ولسانهم يقول، ان كانت تلك مشيئتك، فاذبحنا او ان شئت فدعنا أحياء. إفعل بنا كل ما يتوق اليه قلبك.... وبشجاعة قلبي وبحد سيفي عصفت بالمدينة، فامسكوا بكافة العصاة وسلموهم إلي).." 1 " ..
قد يكون هذا الذي حدث برد فعل لدى الاراميين بان يتوجه سرا للاتفاق مع الملك البابلي "نبو- بلودان – على محاربة اشور، فالملك بلودان ارسل قسما من جيشه تحت قيادة اخيه زبدان والقائد بيلبلدان لمساعدة ملك الزوحيين، فاستولى الملك الاشوري بدون مشقة على مدن خيتداني وخاريدى وعانه، فانهزم الملك الزوحي الى بلاد العرب ووقع زبدان وبيلبدان اسيرين بيد اشور ناصربال، وساقاهم الى كالح ، " 2 " .
كانت زامو تقع في وادي السليمانية المسيطر على جميع الممرات التي من الممكن ان يغلقها في الجهة الشمالية الغربية من اراضي اشور الاصلية وفي جبال كاشياري كانت المنطقة تابعة لاشور في الماضي، ولكنها تمرد ووقفت عن الاعتراف بالسلطة المركزية، "3" فوجه حملات تأديبية ضدهم، وتم احتلال المنطقة وانشاء ولاية جديدة ادارية مركزها في توشخان حيث استقرت المستعمرات الاشورية،.
وما ان استتب الامن في تلك المناطق حتى قام آشور ناصر بال بأول خطوة لفتح سوريا وبلوغ ساحل البحر الابيض المتوسط وهو الهدف الذي سعوا اليه الملوك من قبله ولم يتحقق. فتوجه بفتوحاته ما راء الخابور والبالخ نحو مدينة كركميش فخرج ملك الحثيين "سنغار" واستسلم له، وقدم له عشرين وزنه فضة وسبائك وادوات ذهبية ومائة وزنه نحاسا ومائتي وزنه حديد واقمشة وغير ذلك من الاشياء الثمينة والنادرة، ووصل بجيوشه اطراف حلب متجها نحو بلاد الفينيقيين "لبنان" فاحتل مدنهم منها صور وصيدا وارواد وغيرها . " 4 "
كما توجه لدولة آرامية مهمة مملكة بيت- اديني، فاجتاحها واحتل بواسطة المناجيق القاصفة وآليات الحصار (مدينة " كابرابي، ربما هي نفسها مدينة اورفا) التي كانت بالغة القوة، وقد دفع حاكم بيت – اديني "احوني" الجزية وايداع الرهائن في أيدي الآشوريين فانفتح بذلك الطريق أمام الحملة السورية العظيمة في السنة التالية وكان ذلك سنة " 877 " ق. م ،
وتقدم لنا الحوليات الآشورية تفاصيل عن مسيرة الملك الاشوري وجيشه خطوة خطوه من كركميش حتى بلوغه ساحل انطاكية عبر جبال الاورتنس، وحتى جبال لبنان والبحر العظيم في ارض امورو، ويقدم الملك اشور ناصربال في حولياته المدونه اذ يقول " "5 " (غسلت أسلحتي في البحر العميق وقدمت نذراً من الخرفان الى الآلهة. استلمت الجزية من ساحل البحر من أهالي تایر (صور)، سيدون (صيدا)، وبيبلوس، إضافة الى محالاتا ميز، وآمورو، ومن أرفاد التي هي (جزيرة) في البحر، قوامها الذهب والفضة والقصدير والنحاس والاواني النحاسية والملابس المصنوعة من الكتان والموشاة بالزخارف الملونة ، اضافة الى مجموعة من القردة الكبيرة والصغيرة والاخشاب المختلفة الانواع وعاج حيوان الفظ (حيوان بحري شبيه بالفقمة). تلك كانت الجزية التي استلمتها منهم بعدما عانقوا قدمي).
قام بتوسع حدود إمبراطوريته نحو المناطق الغربية، فقدم ملوك الممالك الهدايا الثمينة كدليل مادي يعبر عن خضوعهم لسلطته "6 "
يمكن ان نقول بان حروب آشور ناصر بال مهدت الطريق امام الملوك التالين لتحقيق انجازات اعظم. ولقد شيد الحصون في توشخان بوادي دجلة الأعلى وفي كار-اشورناصر بال ونيبارني -اشور في الفرات الاوسط، وملئت بالحاميات القوية فازدادت قوة وجبروت الدولة الآشورية واخذ سكان المنطقة الجبلية من جيرانها الادنين يعدون انفسهم من التابعين لها، كما ادرك كل الشرق الادنى بان الاشوريين قد امتلكوا مرة اخرى زمام المبادرة فارتجف، وافزغتهم انباء قسوة اشور ناصربال، ولكن قد بذهب البعض الى ادانة قساوة الاشوريين لاعدائهم، في الوقت الذي لم تكن هناك اية قوانيين او قواعد او مثل وقيم انسانية معروفه تحدد السلوكيات في الحروب وقتذاك، ومن جانب اخر لم يكن الارهاب والقسوه حصرا بالاشوريين، اذ كان ذلك ديدن كل الفاتحين الكبار في التاريخ القديم ،فلم تكن القسوة والشدة محصورة بجيش دون غيره، بل كان ميزه يتفاخر بها المحارب في تحقيق وانجاز مهمته في حرب مفروض عليه، او مدافعا عن نفسه لابعاد شبح الحرب عنه وعن شعبه،
فنقرأ في حوليات الملك الاشوري التي يقول بها : "7 "
(اقمت عمودا على بوابة مدينته وسلخت "جلود" کل الرؤساء المتمردين وكسوت العمود بها. وبنيت بعضهم داخل العمود وخوزقت علیه آخرین. واوثقت بعضهم حول العمود... وبترت أوصال الضباط.. الضباط الملكيين الذين أعلنوا العصيان. وحرقت العديد من اسراهم بالنار واتخذت الكثير منهم عبيداً، وجدعت أنوف بعضهم وقطعت اذانهم وأصابعهم وقلعت عيون آخرین. وصنعت عمودا من الاحياء وآخر من الرؤوس، كما علقت جماجمهم على جذوع الاشجار حول المدينة ثم احرقت شبابهم وشاباتهم بالنار. أمسكت بعشرين رجلاً ودفنتهم احياء في جدران قصره .... واما بقية جنوده فقد اهلكتهم عطشاً في صحراء الفرات ....) .
لم يكن آشور ناصر بال محاربا قويا وشجاعا فقط بل كان معروفا ببراعته الفائقة في الصيد والتي خلدتها منحوتاته. كما كان يهوى الحيوان والنبات فجلب من المناطق التي سافر اليها والجبال التي اجتازها كل انواع البهائم والاشجار والبذور كي تستنبت على تراب آشور.
كما كان مولعا في العمران والبناء، في طريق عودته من الحرب قطع من جبال الامانوس اخشاب الارز لمباني مدينة كلخ "كالح" نمرود" التي جعلها عاصمة له، بعد ان كانت مقر اسلافه الصيفي، واعادة بناء القصر الملكي الذي شيده شلمنصر الاول "8". كان شلمنصر الاول سبق ان أسس مدينة هناك في القرن الثالث عشر ق. م ولكنها تهدمت وتحولت الى اطلال. ولكن اشورناصربال استخدم الآلاف من الرجال للعمل في العاصمة الجديدة لتسوية تلك الانقاض وتوسيع موقع البناء، ثم بنى حائطا جبارا مدعما بالابراج حول مستطيل يبلغ طول محيطه خمسة أميال تقريبا. واستخدم تلا نصف اصطناعي في زاوية هذا المستطيل كاكروبولس پسند الزقورة مع معابد اخرى ويصف القصر الملكي" قصر مشید من خشب السرو الارز والعرعر والبقس والتوت والفستق والطرفاء؛ بنيته منزلاً ملكياً لمتعتي الجليلة لكل العصور، وصورت وحوش الجبال والبحارعلى حجر الكلس ووضعتها في ابوابه.....
وعلقت عليها أغصان اشجار الأرز والسرو والتوت والعرعر ونقلت اليه الذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد، وهي الغنائم التي استحوذت عليها بنفسي وبكميات كبيرة من البلدان التي اخضعتها).
وجرى في نفس الوقت شق قناة من الزاب اطلق عليها اسم پاتي حيكالى "ساقية الوفرة" كي تستكمل حماية المدينة وتروي السهل المحيط بها. كما جرى إسكان أسرى جيء بهم من المناطق المخضوعة الى العاصمة الجديدة التي أصبح الاله ننورتا ( إله الحرب ) حاميها.
كان قصر آشور ناصر بال في نمرود من اولى المواقع التي نقب فيها في وادي الرافدين ،"9" فاشتغل لايارد بين الاعوام 1825 – 1851 م، في القسم الاوسط منه، وكم كانت دهشته هو وعماله عندما استخرجوا عدداً من الثيران المجنحة والاسود والحيوانات الخرافية الجبارة مع الواح منحوتة ومنصصة، وقد ارسلت بعض تلك الكنوز الى انكلترا وهي موضع فخر واعتزاز المتحف البريطاني حالياً. اما الكنوز الاخرى الثقيلة، فقد تعذر نقلها فدفنت في الموقع ثانية لكي تستخرج مرة اخرى بعد قرن من الزمان من قبل علماء آثار انگليز ايضا. منذ عام 1949م، استطاع فريق المدرسة البريطانية للآثار في العراق برئاسة البروفسور مالاوان ان تستخرج بناية المدينة بأكملها وحققت في كل عام اكتشافات مثيرة جديدة. كان القصر يغطى مساحة تزيد على الستة أياكر وينقسم الى ثلاثة اقسام هي الأجنحة الادارية (سلسلة من الغرف حول فناء كبير)، وجناح الاحتفالات والمراسيم بقاعته الفسيحة وغرفة العرش، ثم اخيراً الجناح العائلي ويضم شققاً ملكية وغرافا للحريم، ومخازن ودورات للمياه. وفي الجناح المخصص للاحتفالات، كانت البوابات الرئيسية تحرس بواسطة ثور أو جنّي) مجنح كبير.
وقد زوقت حيطان الآجر بالمنحوتات الجصية (الفريسكو) وبألواح محفورة ومكتوبة، بينما رصفت الارضية بالآجر المفخور المختوم باسم الملك. ومما يميز الجناح الملكي وجود نظام تهوية في هيئة منافذ هوائية محفورة في سمك الجدار تسمح بدخول الهواء من السقف. ولقد اختفت اغصان الاشجار من على الابواب في الحريق الذي دمر نمرود وغيرها من المدن الآشورية عام 613 " هي 614 " ق. م . مع ذلك، فقد بقيت بعض المواد النفيسة، كالواح العاج المنحوتة بجمال فائق والمكسوة بالذهب والتي كانت تزين الاثاث الملكي في يوم ما ، شاهدة على عظمة هذا المبنى.
ووجدت كذلك عدة اسلحة وادوات برونزية وحديدية واوان فخارية وعدد من الرقم الطينية . وبالتأكيد فان قصر آشور ناصر بال هو احد افضل بيوت الملكية الآشورية التي طاولت عاديات الزمن. ويواجه الزائر المتجول خلال العدد الهائل من الغرف والاروقة بعد اجتيازه ممرات ضيقة مخططة بألواح كبيرة، وبشكل مفاجئ، حيوانا مرعبا قد من الحجر تحت الضوء الخافت للمر، ويساعدها هذا على ان تتخيل تماما نوع الاحاسيس التي كانت تمتلك اولئك الذين دخلوا البناية للتقرب من "الراعي المجيد الذي لا يهاب المعارك" ومن بين المواد التي عثر عليها في القصر مسلة كبيرة تحمل صورة الملك ومخطوطة طويلة تروي لنا الاحتفالات الفخمة التي رافقت تدشين المدينة عام 879 ق . م ، حيث أقام آشور ناصر بال وليمة فخمة، وفي قائمة فصلة باطعمتها لكافة سكان المدينة اضافة الى السفراء الاجانب، ولايقل عدد كل هؤلاء عن " 69574 "ضيفاً نصب لهم المادب مدة عشرة ايام كاملة،.
وجاء بالجملة الختامية لهذه المخطوطة عن لسان العاهل العظيم يقول: اولمت للشعب السعيد من كل البلاد مع شعب كالحو لعشرة ايام وقدمت لهم الشراب وحممتهم وعطرتهم وشرفتهم ثم اعدتهم الى بلادهم بسلام وحبور. )..
ان نقوش القصر الملونه التي كانت تغطي جدرانه تتيح لعلماء الاثار دراسة الفن الاشوري في غضون القرن التاسع، وتمكنهم من مواكبة الملك في حروبه ورحلات صيده، وحفلات قبوله عهود الطاعة والولاء من زعماء البلاد الخاضعة لسطاتنه، كما تمكنهم من الالمام بطرق معاش الاشوريين في ذلك العصر وما جرياتهم اليومية . " 10 "
واتخذ هذه المدينة منطلقا لحروبه، يقول لقد خرج من مدينة كالح بحملة عسكرية الى اطراف الشمالية الشرقية من البلاد، فمر بمدينة "اربا – ايلا" مدينة الالهة الاربعة ثم توجه نحو ممر بابيت مضيق بازيان الحالي، ثم عبر اقليم زاموا منطقة السليمانية الحالية الى شيوهكل، وعبر ممر بانه ثم صاقز ومنها الى ساوج بولاق فبحيرة اورميا " 11 " ...
توفى هذا الملك العظيم سنة 859 ق.م.
والى الحلقة القادمة مع خليفته شلمنصر الثالث 859 -824 ق .م ...
والى هناك بعون الله ..
يعكوب ابونا ....................... 17 /10 /2025
______________ المصادر _____________
1-جورج رو العراق القديم ص 389
2-ادي شير كلدو واثور ج1 ص 63
3-هنري ساغس عظمة بابل ص98
4- عزيز برخو الاشوريون ص 25
5- جورج رو نفس المصدر ص390
6-كاظم جابر سلمان الامبراطورية الاولى للاشوريين ص 36 وما بعدها
7- جورج رو نفس المنصدر 391
8- ل. دولابورت بلاد ما بين النهرين ص 268
9- جورج رو ص393
10- ل دولابورت نفس المصدر ص 269
11- مجلة سومر مجلد 8 ، جزء الاول سنة 1952 ص 71