شاكر نصيف: الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغاة// محمد علي محيي الدين
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 29 أيلول/سبتمبر 2025 13:04
- كتب بواسطة: محمد علي محيي الدين
- الزيارات: 121
محمد علي محيي الدين
شاكر نصيف: الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغاة
محمد علي محيي الدين
في دروب الحلة القديمة، وعلى أرصفة محلة جبران، ولد عام 1938 طفل سيغدو لاحقًا أكثر من شاعر، سيغدو ضميرًا حيًّا، وصوتًا صادقًا، واسماً يصعب نسيانه في ذاكرة من عرفوه، أو التقطوا عبير شعره ذات مساء. اسمه: شاكر نصيف جاسم، لكنه لم يكن مجرد اسم، بل كان قصيدة تمشي على قدمين، وتحمل في قلبها الحلم والفكر والناس، وتسير، مثل "نخلة من طين"، في شوارع العراق المتعبة، حتى توقفت خطاه في عام 1983 على حبل المشنقة، بينما ظل صوته يعلو.
ولد الشاعر في بيئة لا تكتفي بإطعام أولادها الخبز، بل تغذيهم الكرامة أيضًا. ترعرع في أزقة الحلة، مدينة النهر والعلماء، مدينة الشعراء الذين لا يموتون، لأنها تحتفظ بنبضهم في طينها وفي صدور أبنائها. من تلك الأزقة عرف شاكر معنى "الناس" لا كمفردة نحوية، بل كقضية. ومنذ الصبا كانت الكلمات تتجمع على شفتيه كما تتجمع الفراشات حول الضوء، فكتب أولى قصائده في الخمسينات، وهو ما زال فتى يحمل في عينيه بريق الثورة، وفي قلبه اشتعال الأغنية.
نهل من الماركسية، لا باعتبارها قالبًا فكريًا، بل بوصفها مرآةً لرؤية الحياة عبر هموم الفقراء والمظلومين، فكان شاعرًا بحس سياسي مشبع بالحلم، لا يُخضع الشعر للأيديولوجيا، بل يجعل من الإيمان بقيم العدل والحرية دفقًا حقيقيًا في القصيدة.
لم يكن شاكر نصيف مجرد شاعر شعبي، بل كان من القلائل الذين أعادوا للشعر الشعبي هيبته الفكرية، فغنّى للوطن، للإنسان، للأخوة بين الكرد والعرب، ولامس جراح الناس دون أن يساوم على شيء. كانت قصائده، كما قال كاظم السيد علي، امتدادًا لجذور نخيل تمتد من الفرات حتى الحلة، عابقةً بعطر الصدق، ومزينةً بوجع الصبر". لم يكن مجرد تابع للرعيل السابق، بل واحد من الذين رسّخوا حضورهم وسط زخم الأسماء في المشهد الحلي الستيني، مجددًا للقصيدة الكلاسيكية من داخلها، حاملاً بصوته نغمة متفردة.
شارك في المهرجانات، وساهم بتأسيس جمعية الشعراء الشعبيين في الحلة عام 1972، لكنه ظل بعيدًا عن ضوء السلطة، قريبًا من دفء الناس. لم يكتب من أجل الجوائز، بل من أجل الحقيقة. لم يركض خلف المنابر، بل سار إليها عندما كانت تشبهه.
أدركت السلطة القمعية مبكرًا خطورته. لم يكن يحمل بندقية، لكن كلماته كانت أشد أثرًا من الرصاص. لم يكن يهتف بالشعارات، لكنه غرسها في قصائد تحوّلت إلى أغاني وأناشيد يتردد صداها في شوارع المدن والقرى. وعندما اشتد طغيان النظام، كان شاكر أحد الذين أدرجتهم أقبية الرعب في قائمتها السوداء، لأنه كان واضحًا، نظيفًا، ماركسيًا أصيلًا، لا يبيع قناعًا للنظام، ولا يشتري صمته. تم اعتقاله، ثم أُعدم شنقًا حتى الموت، فقط لأنه لم يكن خانعًا.
قال عنه صلاح العمري إنه "الوجه المشرق للثقافة العراقية"، ولم يكن في قوله مبالغة. فقد كان شاكر بحق واحدًا من أولئك المثقفين المشتعلين بالمعرفة، العابرين بين الشعر والفلسفة، الملمين بأسرار النفس والتاريخ. رجلًا يسكنه دفء الحديث وهدوء الكبار، ويمتلك قلبًا يشبه نهر الحلة: جارٍ بالحياة، وادعٌ، لكنه عميق. وكان بيته، كما يروى، مقصدًا للأدباء والفنانين، الذين وجدوا فيه مرجعًا ومعينًا.
شعره كان واضحًا كالماء، لكنه عميق كالألم. كتبه بلغة "السهل الممتنع"، كما يقال، لكنه ظل ممتنعًا على التكرار، لأنه كان يكتب من قلبه، لا من دفتر الشاعر. تحاكي قصائده الطبيعة، وتخاطب الإنسان، وتحلم بمستقبل لا يُعدم فيه الشاعر لأنه أحب الحقيقة.
لقد خسر الأدب الشعبي العراقي شاعرًا نادرًا، وخسر العراق إنسانًا كان يمكن أن يكون مدرسة فكرية وفنية متكاملة. لكن القصيدة التي تموت بجسد شاعرها، لا تموت بروحه، فكل زهرياته، وأناشيده، وكتاباته الباقية، تظل شاهدة على أن الشعر لا يُشنق، وأن المبدع الحقيقي، وإن صمت جسده، يواصل الحديث في ضمير الناس.
سلامٌ على شاكر نصيف، وهو ينام الآن في مكان لا نعرفه، بينما تسكن قصيدته في كل مكان. سلامٌ على روحه النقية، وكلماته التي ما زالت تحرض النهر على الجريان. وسلامٌ على الحلة، المدينة التي أنجبته، وما زالت تنجب من يشبهه.
رحم الله الشاعر الشهيد. والمجد لكلماته التي لم تنكسر.
نشر شعره الحسيني الباحث صلاح اللبان، من شعره قصيدته التي القاها عند صدور بيان 11 اذار:
كرد وعرب
نعلن سلم مــا ننهزم
يوم الحزن.. يا لتستمع احنه
ما نردع ما ننخدع احنه
كرد وعرب لأجل الشعب
نبني الفخر طول الدهر
عدنه عبر
ما ننخذل.. احنه الأمل
ڰول وفعل.. احنه
كرد وعرب
وله هذه القصيدة الغزلية الجميلة:
كل ظني العمر وياك يحــلالي
خاين ما دريت أتعذب أحوالي
****
رضيت انته ورضيت أنه وصبحنه اثنين
وحـــــده الروح مـــا تدري اشتمر سنين
هســـه تلتــــــــفت ليـــه او تديـــر العين
ليش اشحصـــل مني ويـــــــاك يا غالي
****
تعـــاهـــدنــــا اليضدك ينحـــسب ضـدي
حبــــيبي انته مهجتي اوصرت كل ودي
بعـــد الحــــبر مــــا جف ضيعت عهدي
هـــــذا الامـــــل بيــــك تخــون للتالي.؟
وله هذه القصيدة التي يحيى فيها الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه:
جيش مــن دجلــه او فرات اجـنوده
|
|
للمجد والنـــصر صار اوجوده
|
وله هذا الاوبريت الموسوم السالة كتبه لمدرسة المحقق الابتدائية وحاز على الجائزة الاولى:
المجموعة
ونداويهه ونراعيهه
امشوا ويانه امشوا ويانه
نبني المصانع يا شعبي
ونوحد لفكار العرب
من ماضينا ومن حاضرنا
يزهر يزهر مستقبلنا
احنه الشعب احنه الثوريه
يا شعب الامه العربيه
يا جيل الثورة الشعبية
ايد يايد الكل انداعي
فرضها الموت لا استعمار ولا اقطاعي
المتواجون الان
465 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع