قراءة أدبية في نص "هايبون - مجاهيل" للشاعرة فاطمة الفلاحي// د. عادل جوده
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 30 أيلول/سبتمبر 2025 19:27
- كتب بواسطة: د. عادل جوده
- الزيارات: 68
د. عادل جوده
قراءة أدبية في نص "هايبون - مجاهيل" للشاعرة فاطمة الفلاحي
الدكتور عادل جوده
إن سألتني كيف أحيا؛ سأقول مررت بزمنٍ تلاشت فيه حياتي.
ولم أعد أحيا.
فقد مللتُ وعودَ زمنٍ مفقود؛ مترامي الأطراف مكبّل بـ جمر الوريد، ومدارات الأحلام.
علّني كنت أعلم مجاهيل رغباتك...!
علّني تركت زمني يعي حدود لحظاته...!
علّني لم أعد أعترف بلغة ذاكرته...!
علّني انهمرتُ فيك دون ضجيج أو ملل...!
علّني مررت من نافذة تطل على دربك...!
أنا مجرد حرف ~
في قصيدة منسية،
أهداب الزمن!
فاطمة الفلاحي - فرنسا
يمثل هذا النص الشعري لوحة وجودية تعبر عن حالة من التيه والضياع في زمن مفقود حيث تختلط مشاعر اليأس والاستسلام مع رغبة عميقة في الفهم والانتماء.
الشاعرة تستخدم لغة شعرية موحية مليئة بالاستعارات والرموز التي تفتح الباب لتأويلات متعددة.
١ - الصورة الذاتية والوجود الضائع:
تبدأ القصيدة بسؤال وجودي كبير:
"كيف أحيا؟" لتنتهي إلى إجابة مفعمة بالسلبية والانكسار:
"مررت بزمنٍ تلاشت فيه حياتي.
ولم أعد أحيا".
هذه المفارقة بين السؤال عن الحياة والاعتراف بعدم العيش تُظهر صراعًا داخليًا عميقًا.
الشاعرة لا تشعر بأنها حية بل هي مجرد عابرة في زمنٍ ما زمن "مفقود" و"مكبّل بـ جمر الوريد" مما يوحي بألم داخلي وشعور بالقيود التي تكبل الأحلام والرغبات.
٢ - صورة الزمن:
الزمن هنا ليس مجرد إطار زمني بل هو قوة فاعلة ومؤثرة.
إنه "زمنٍ مفقود"، "مترامي الأطراف"، "مكبّل"، مما يعكس شعورًا بالضيق واللامبالاة رغم اتساعه.
الشاعرة "ملت وعوده" مما يشير إلى خيبات متكررة وأحلام لم تتحقق.
ثم تنتقل إلى الحديث عن "حدود لحظاته" و"لغة ذاكرته" وكأنها تحاول فهم قوانين هذا الزمن واستيعاب لغته لكنها تفشل في ذلك
(لم أعد أعترف بلغة ذاكرته).
٣ - العلاقة مع الآخر (ك):
الجزء الثاني من النص يتجه إلى خطاب موجه إلى"أنت" غامض ("علّني كنت أعلم مجاهيل رغباتك...!"، "علّني انهمرتُ فيك دون ضجيج أو ملل...!"). هذا الآخر يبدو مهمًا ومحوريًا، لكنه يظل مجهولاً (مجاهيل رغباتك).
الشاعرة تتخيل أنها قد فهمت هذا الآخر أو أنها انسابت نحوه بكل سهولة وبدون تردد لكنها في النهاية "مرت من نافذة تطل على دربه" أي أنها لم تستقر معه بل كانت مجرد عابرة في طريقه أيضًا.
هذه العلاقة تبدو غير مكتملة أو غير متحققة مما يضيف بعدًا من الحزن والوحدة.
٤ - الصورة الأخيرة:
الهوية الضائعة:
تختتم الشاعرة نصها بصورة قوية ومؤثرة:
"أنا مجرد حرف ~ في قصيدة منسية، أهداب الزمن!".
هنا تتجسد الهوية الضائعة بشكل رمزي عميق.
فالحرف هو أصغر وحدة في اللغة
وهو غير مكتمل بذاته ولا معنى له إلا في سياق الكلمات والجمل.
والشاعرة هي مجرد "حرف" في "قصيدة منسية" أي أنها جزء من عمل فني ضائع أو مهمل و"أهداب الزمن" توحي بأنها على هامش الزمن، غير ملحوظة أو ربما أنها تتأثر برمشاته دون أن تؤثر فيه.
هذه الصورة تعبر عن شعور عميق بالصغر والضعف والنسيان.
٥ - اللغة والأسلوب:
_ تستخدم الشاعرة أسلوب التكرار (علّني) لخلق إيقاع متوتر ومتردد، يعكس حالة التخمين والشك.
_ الاستعارات قوية ومبتكرة ("جمر الوريد"، "مدارات الأحلام"، "انهمرتُ فيك"، "أهداب الزمن")، مما يضفي غموضًا شعريًا وجمالية خاصة.
_ الجمل قصيرة ومتقطعة أحيانًا، تعبر عن انكسار داخلي وعدم اكتمال.
// خلاصة :
النص هو صرخة وجودية لإنسانة تشعر بالضياع في زمن لا ترى فيه مكانًا لها وبعلاقة لم تتحقق وبهوية مختزلة إلى مجرد أثر ضئيل في عالم منسي.
اللغة شعرية عميقة والصورة الأخيرة (حرف في قصيدة منسية) تختزل مأساة الشاعرة وتجعل القصيدة تتردد في ذهن القارئ طويلاً.
المتواجون الان
628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع